وادي نجران ... عروبة ما بعد اسرائيل

حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

اشياء كثيرة تلفت النظر في العملية النوعية التي نفذها الحوثيون في وادي نجران ، ربما يحتاج كل جانب على حدة الى مقال مطول ، ولكن الجانب الذي لفت نظري اكثر من غيره ، هذه الجثث المشتعلة والتي قال البيان العسكري الحوثي انها تقارب الخمسائة بين قتيل وجريح ، بعضها لفظ انفاسه لأنه لم يجد من يقوم بإسعافه ، وبعضها مضى على لفظه روحه ايام واسابيع حتى بدا عليها التعفن دون ان يجد احدا يقوم بمواراتها ، ولأن الوادي أشبه بالصحراء الخاوية الموحشة ، فلا يستبعدن احد ان تكون الضواري قد نالت نصيبها من هذا المولد المقتلة .

ليتخيل المرء ان يكون واحدا من هؤلاء ضمن الحالات المذكورة اعلاه ، خاصة وانهم كلهم من نفس الجنسية العربية التي ابتليوا بها منذ ولادتهم ورضعوا حليب امهات عربيات تنكرت لهم الربوع على امتدادها من المحيط غربا الى الخليج شرقا، حتى بدت هذه المرأة وكأنها عاهة او عورة خلقها الشيطان الرجيم ، ولما شبوا وترعرعوا ، ضاقت بهم ارضهم بما رحبت، غالبيتهم العظمى لم يتمكنوا من استكمال تعليمهم، غالبية من تعلموا لم يجدوا وظائف لهم بحكم الفساد الذي يطبق على مقاليد الحكم الوراثي للسلطة الفاسدة التي رهنت المقدرات الهائلة لقوى الشر والعدوان، فقر مدقع يتجاوز الحدود المعمول بها عالميا لتعريف الفقر ، فيقفز الى الجوع والبرد الى المرض الوباء الذي فتك مؤخرا في اليمن بحياة عشرات الآلاف .

في الماضي المنظور، داعبت الشعارات الجميلة، اهداب شعوب هذه الامة، ومن بينهم بالتأكيد ابناء الوادي قبل ان يصبحوا جثثا متحللة، شعارات عن الوحدة العربية والاخوة العربية والقومية العربية، حتى ان زعيما عربيا اسمه جمال عبد الناصر تمر هذه الايام ذكرى رحيله التاسعة والاربعين، اقدم بالفعل على توحيد مصر وسوريا في دولة واحدة بعاصمة واحدة وعلم واحد وجواز سفر واحد وعملة واحدة ورئيس واحد، وكادت هذه الوحدة ان تنتقل الى العراق والاردن.

احبطت هذه الجهود بفعل فاعل ، وقد كشف ان وكالة المخابرات الامريكية هي من خربت الوحدة من خلال ملك عربي كان موظفا في الوكالة ويتقاضى مليون دولار سنويا من عام 1956 حتى عام 1976 ، لم تكن اسرائيل قد اشتد عودها في المنطقة، وبدلا من ان تمنع وحدة بين قطرين شقيقين او تخريبها، اصبحت الان تدفعهما للاقتتال والاحتراب فيما بينهما، بل ان بعض هذه الدول اصبحت تعتدي على بعضها كما في الحرب الاهلية بلبنان ، الصومال الذي اصبح اربعة و اليمن الشمالي على الجنوبي ، غزة والضفة، السودان .

في مذكراته "صفحات من مسيرتي النضالية" الذي صدر حديثا بتقديم سيف دعنا ، يتذكر جورج حبش كيف حصل الانفصال بين مصر وسوريا عام 1961 "كان هناك بعض الحشود العسكرية التي كانت تشير الى استعداد عبد الناصر لاسترداد الاقليم الشمالي (سوريا) بالقوة ، لكنه ألقى خطابا قال انه لن يسمح بان يقاتل الجندي العربي أخيه الجندي العربي الاخر".