بقلم: سميح خلف

الصراع في اليمن والجغرافيا السياسية

سميح خلف
حجم الخط

غزّة - وكالة خبر

منذ حرب الاستقلال عن الإستعمار البريطاني مرّت اليمن بصراعات داخلية بين الجبهة القومية بقيادة عبد القوي مكاوي والحركة الشعبية بقيادة قحطان الشعبي إلى أن قسمت اليمن إلى قسمها الجنوبي ويحكمه الحزب الشيوعي اليمني والقسم الشمالي وتحكمه الجبهة القومية أو القوى القومية التي شهدت أكثر من إنقلاب فيها وكانت نهايته الرئيس السابق والراحل علي عبد الله صالح. لقد حافظت الدولة المدنية الشمالية وعلاقتها مع قوى التحرر العربي القومية الاتجاه وهي ثورة يوليو والثورات الأخرى على نوع من الإستقرار إلا أن الإضطرابات العشائرية في المناطق المحيطة بصنعاء لا تخضع بشكل مؤكد للمركزية في صنعاء ولكن استطاع علي عبد الله صالح أن يؤسس دولة يمنية تختلف عن سابقتها. أما اليمن الجنوبي فقد حكمه الحزب الشيوعي اليمني وأرسى ثقافة مغايرة لثقافة النظام القومي لليمن الشمالي وهو نظام أيضًا له امتدادات قبلية، أقصد هنا اليمن الشملي، أما اليمن الجنوبي فقد عمم التجربة الاشتراكية على كل مؤسسات الدولة وثقافة الشعب اليمني في الجنوب، ومع بدايات انهيار الاتحاد السوفيتي، أضعفت اليمن الجنوبي مما أتاح لصراع داخلي في الحزب الشيوعي الاشتراكي في اليمن في حرب طاحنة عام 1986 بين المتطرفين في الحزب بقيادة علي عنتر والمعتدلين بقيادة علي ناصر محمد والذي لجأ الأخير فيها لليمن الشمالي، إلا أن محاولات النظام في اليمن الشمالي لم تكف عن محاولات لإعادة اليمن الجنوبي للدولة اليمنية في الشمال تحت مبدأ الدولة المدنية الموحدة، ولكن الأمور لم تستقر منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بين الصراع السياسي والصراع العسكري والتحركات العسكرية المتبادلة منذ عام 1990 إلى 1994 وتأسيس سالم البيض دولة في عدن وخاصة بعد اكتشاف البترول في حضرموت ومطالبته الشمال بحكم ذاتي، إلا أن الدولة اليمنية توحدة بشطريها بعد صراعات مختلفة قادتها الأحزاب في الجنوب وحزب المؤتمر في الشمال بقيادة علي عبد الله صالح، ولكن هذا ليس موضوعنا الآن.

منذ أحداث الربيع العربي في بداية عام 2011 والذي أصاب وعصف بعدة عواصم عربية غالبيتها تمت للنظام القومي وحركات التحرر التي انطلقت وتفجرت بعد الحرب العالمية الثانية وأحد نتائجها إلا أن الربيع العربي كغيره مثل سوريا وليبيا كان ربيعًا دمويًا نتج عنه تصفية علي عبد الله صالح رئيس الدولة وتباينات بين جبهة الحوثيين ومطالبهم وحزب المؤتمر ومطالبه أيضًا بقيادة عبد ربه الذي هرب إلى الجنوب ومن ثم إلى السعودية وباءت جميع الوساطات العربية والخليجية والدولية لرأب الصدع في الجبهة الداخلية اليمنية بالفشل، ومنذ خمس سنوات كانت عاصفة الحزم التي كان شعارها تنصيب الشرعية بقيادة عبد ربه هادي ولجم جماح الحوثيين الذين استولوا على العاصمة صنعاء وصعدة وضواحيها، وكما قلت الحرب التي دارت على سماء اليمن وأرضها حرب دموية تبادل فيها الحلف مع الحوثيين أضخم الأسلحة وكان مؤخرا ضرب المنشآت البترولية لأرامكو التي أحدثت عجزًا في تداول البترول في دول العالم بطائرات مسيرة وقصفت مطارات وأراضي في السعودية بصواريخ بالستية وبالتالي أيقن الجميع أن الحل العسكري لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج واختلطت الأوراق في اليمن وأصبحت اليمن هي مجرد تطبيقات لمعادلات إقليمية، وبالتالي أصبح من المؤكد أن جميع الاتفاقيات التي رعتها الدول للصول إلى حلول للمشكلة والأزمة اليمنية مجرد حلم نتيجة تباين القوى المتصارعة على اليمن وامتداداتها االجغرافية والديمغرافية أيضًا وفشل جميع المسارات السياسية من تعنت جميع الأطراف سواء من قبل الحكومة الشرعية أو من قبل الحوثيين وأدركت الأمم المتحدة أن جميع وساطاتها قد فشلت بين الشرعية والإنتقالي في حوار جدة وتمسك جميع الأطراف كل بشروطه.

هذه القناعة التي أصبحت تراود القوى الإقليمية والقوى الدولية كانت من مسبباتها فشل زيارة المبعوث الأممي الأخيرة إلى صنعاء ولقاءه مع عبد الملك الحوثي زعيم حركة الحوثيين وتفجر الخلاف بين الرئيس اليمني عبد الله منصور هادي ودولة الإمارات وعدم مقدرة هادي لنقل حكومته لعدن وسيطرة المجلس الإنتقالي على عدن ومحاولة كل الأطراف المتصارعة على الأرض رسم جغرافيات جديدة حيث سيطرت قوات المجلس الإنتقالي على العاصمة عدن والمناطق المحيطة بها لحج ووصولًا إلى زنجبار وسيطرة قوات الشرعية على محافظة شبوة وصولًا إلى مدينة شقرة في محافظة إبين. لقد فشل حوار جدة نتيجة مطالبة الرئيس هادي بتحويل المجلس الإنتقالي لحزب سياسي كبند وشرط أساسي لقبول الحوار، أما الساحل الغربي فقد تولت أمره جبهة الساحل بقيادة طارق عفاش.

أصبح الجميع مقتنعًا بضرورة إيقاف الحرب، سواء من دول التحالف أو من الحوثيين نفسهم أو علي عبد الله منصور هادي، ولأن الحرب لم تضع حلًا ولم ينتج عنها أي نضوج سياسي واليمن أصبحت على شفا مجاعة كاملة وكما وصفت الأمم المتحدة في تقاريرها أن اليمن يمر بأسوأ كارثة إنسانية في العالم، ولذلك كانت كل تلك القناعات لدى دول الإقليم والأمم المتحدة، أقصد هنا المجتمع الدولي، بأن فكرة أن تقسم اليمن إلى ثلاث أقاليم ربما يصبح من النضوج مستقبلًا أن تربط تلك الأقاليم بالفدرالية أو الكونفدرالية، والإعتراف المتبادل بين الأطراف الثلاثة كلُ من إقليمه المسيطر عليه.

القوى الثلاث التي تسيطر على اليمن: (قوات الشرعية بقيادة عبد الله منصور هادي، الحوثيين، الإنتقالي) ربما تفكر الأمم المتحدة بطرح انتخابات كل في اقليمه مستقلة وتهيأة المناخات الإقتصادية والإجتماعية والنفسية وتأسيس فكرة الشراكة تحت الفدرالية أو الكونفدرالية للأقاليم الثلاثة واختيار قواعد العيش المشترك والخروج بانفصال هادئ بديلًا عن الإنفصال الدموي والحروب.

- الأقاليم الثلاثة بناء على قوى السيطرة:

1- إقليم صنعاء (الحوثيين) ويضم المحافظات: (صنعاء، وصعدة وإب وعمران ودمار وريمة والحديدة والمحيد والبيضاء وحجة.

2- إقليم حضرموت (قوى الشرعية) ويضم المحافظات (حضرموت والمهرة وشبوة وسوقطرة ومأرب والجوف وإبين) أي المناطق الممتدة على طول الخط الواصل بين مدينة شقرة جنوبًا إلى مدينة لودر شمالًا.

3- إقليم عدن ويضم (لحج والضالع وتعز والجزء الغربي من إبين من مدينة زنجبار جنوبًا مرورًا بمديريات سرار ورصد وسداح شمالًا)