إشكالية تشكيل حكومة اسرائيل...

حجم الخط

بقلم:الدكتورة أماني القِرِم

 

هي ليست المرة الاولى التي تواجه فيها اسرائيل أزمة في نظام الحكم، وتعيش هذه الحالة من الجمود السياسي، ففي تاريخ الكيان الاسرائيلي لم يستطع حزب واحد الحصول على أغلبية مطلقة في الانتخابات وبالتالي لم تشهد اسرائيل أبدا حكومة الحزب الواحد.

جميع حكومات اسرائيل إما ائتلافية بمعنى أنها تتكون من الحزب الكبير الفائز في الانتخابات وأحزاب أخرى صغيرة تدور في فلكه وتوجهاته، أو حكومة "وحدة وطنية" وهي الحكومة التي تجمع الحزبين الكبيرين الفائزين في الانتخابات. وكثير من الحكومات الاسرائيلية أنهت ولايتها قبل انقضاء فترتها المحددة (أربع سنوات)، وفي المتوسط تتشكل حكومة جديدة في إسرائيل كل عامين ونصف. ولعله في سنوات التسعينيات وحدها تعاقب على اسرائيل خمس رؤساء حكومات بمعدل رئيس حكومة كل عامين.

وعليه، فإن ما يميز النظام السياسي في اسرائيل هو عدم الاستقرار نظراً للانقسامات الكبيرة في الاحزاب السياسية في الكنيست والانقسامات الفرعية في التيارات السياسية داخل هذه الاحزاب. والسؤال الذي يُطرح هو: هل هذه هي الديمقراطية أو كما يتغنى الاسرائيليون دوما بأنهم "واحة الديمقراطية في مستنقع الديكتاتورية الشرق أوسطية"؟ وإذا كانت هذه هي الديمقراطية ، لماذا لا نرى هذا النموذج السياسي في ديمقراطيات أخرى في العالم التي ينعم معظمها بالاستقرار!؟

نتائج أية انتخابات عبارة عن مرآة حقيقية للناخبين أي للمجتمع. ونتائج الانتخابات الاسرائيلية السابقة أظهرت مجموعة من الجمل المتقاطعة التي لا تركب مع بعضها. نتنياهو لن يستطيع تشكيل حكومة دون المتدينين المتزمتين -"الحريديم" - الذين لا يرغبون بالجلوس مع غانتس أو ليبرمان. وغانتس لا يريد حكومة بزعامة نتنياهو . وليبرمان من ناحيته لن يجلس مع نتنياهو إلا إذا اتحد مع غانتس دون "الحريديم". وبالطبع لا احد يرغب في فلسطينيي الداخل او العرب! ومازال نتنياهو يجاهد لجمع هذه التراكيب العجيبة حتى اللحظة .

الأزمة ليست في النظام إنما في عمق هذا المجتمع، وهي ليست أزمة بسيطة بل مركبة ومعقدة ومنقسمة الى شعب كثيرة. بالضبط مثل شكل الاحزاب التي تمثل النظام السياسي في هذا الكيان الغريب. فالمجتمع الإسرائيلي كما هو معروف معظمه مكون من مجموعات من المهاجرين من دول مختلفة الانماط والاعراق، جاءوا ليستوطنوا في أرض غريبة مختلفة عن ثقافتهم الاصلية.

صحيح أنهم مسكونون بأساطير "الوطن التاريخي"، ولكنهم يرفضون جغرافية هذا المكان بثقافتها وتقاليدها. فمن ناحية، هم لا يريدون أن يكونوا شرقيين ولا يستطيعون أن يصبحوا جزءاً من العالم الغربي بحكم الجغرافيا ، الأمر الذي يعزز شعور الاختلاف لديهم والتعالي على محيطهم الخارجي. ومن ناحية أخرى يكرس الانقسام المجتمعي في داخلهم بين اليهودي الشرقي واليهودي الغربي، الديني والعلماني ، الأسود والابيض، القادمين الجدد والمحليين!

هم مجموعات متباينة، كل مجموعة لها مصالح مختلفة عن الاخرى ولها حزبها الخاص في الكنيست. والصراع السياسي ما هو الا انعكاس للصراعات المجتمعية والفروقات والمصالح المتضاربة لهذه المجموعات.

هم يهوديون ( جمع يهودي) كثر، صراعاتهم واختلافاتهم لن تنصهر أبدا في بوتقة واحدة، وحتى تبقى هذه الصراعات كامنة فهم محكومون بالديكتاتورية العسكرية، لأنها الوحيدة التي تجبرهم على الاتحاد بحجة الاخطار الخارجية.

يعلم نتنياهو جيدا كيف يلعب على هذا الوتر. وقبل يومين اجتمع "الكابينيت" الإسراذيلي المصغر/ رغم الجمود السياسي وعدم تشكيل حكومة حتى الان/ لبحث ما اسموه تهديدا امنيا متعاظما قيل انه ايران !!