تطل علينا اليوم الذكرى الثامنة والثلاثين لاستشهاد المناضل المثقف ” عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، ومسؤول الإعلام الموحد في منظمة التحرير الفلسطينية واليساري الأجمل ماجد أبو شرار.
من الصعب هنا أن نتناول سيرة وحياة المناضل ماجد في مقال لا تتعدى حروف كلماته سوى أقل القليل من سيرته الإنسانية والنضالية التي حملت أبعاداً متعددة ومختلفة ، والتي من أبرزها كيف يكون المناضل مثقفاً والقائد إنساناً والفدائي واثقاً بحتمية الانتصار في ساحة المعركة.
ماجد أبو شرار يعد نموذجاً وأيقونة نضالية منفردة النظير، تم تتويجها من خلال الثائر المثقف والإنسان ، ضمن لوحة أدبية إنسانية ووطنية وإرثاً نضالياً تتناقله الأجيال ضمن الموروث الثوري على طريق الحرية والاستقلال ، فهو الفاتح للأبواب المغلقة على القضية الفلسطينية في حينه ، ليكون بمثابة رسول النضال والسلام لشعب محتل يبحث عن حق العودة المشروع وإقامة الدولة المستقلة.
الشهيد الوحدوي ماجد أبو شرار كان عنواناً رئيسيا للوحدة التنظيمية داخل إطار حركة فتح من جهة ، ووحدياً على مستوى فصائل العمل الوطني الفلسطيني من جهة أخرى ، ومن هنا لم يستطع أصحاب الفكر الانشقاقي عن حركة فتح ، بأن يرتكبوا خطيئتهم الكبرى إلا بعد رحيل الوحدوي ماجد الذي تمت عام83.
كان ماجد مفكراً ومنظراً سياسيا يسارياً، ولهذا لم يكن لأحد أن يزاود عليه في النهج التقدمي الثوري ، مما جعله عائقا أكيدا أمام الأفكار والميول الانشقاقية، وهكذا لم يكن للحركة الانشقاقية أن تتم إلا بعد رحيله الفكري، وبعد الرحيل العسكري الذي كان يتمثل في شخصية مارشال بيروت الشهيد القائد سعد صايل.
القائد ماجد أبو شرار كان أبو” الكوادر الثورية ” وله هدف واضح يرتبط برؤية منظمة وواضحة وإستراتيجية تنظيمية متطورة، فقد رسم خط سير الأهداف التي أراد بها أن تنهض وتطور حركة فتح، وعمل مع الكوادر في مدرسة صنع الإرادة الفتحاوية، فجهز الفدائيين الثوار الذين خاضوا معارك بيروت وأبدعوا حتى شهد العالم كله أن الفلسطيني وحده الفدائي الذي لا يستسلم، ولا يرتهن للقيود .
يعد المناضل المثقف ماجد كفاءة إعلامية نادرة، كما هو قاص وأديب ، حيث صدرت له مجموعة قصصية بعنوان “الخبز المر” ، كان قد نشرها تباعا في مطلع الستينيات من القرن الماضي في مجلة ” الأفق” المقدسية، ثم لم يعطه العمل الثوري فسحة من الوقت ليواصل الكتابة في هذا المجال ، وقد كان ساخرا في كتاباته السياسية في زاويته “جد “بصحيفة “فتح “، حيث اشتهر بمقالاته: صحفي أمين جدا ، وواحد غزاوي جداً ، وشخصية وقحة جداً، وواحد منحرف جداً.
أصبح المناضل الشهيد ماجد أبو شرار في فترة زمنية وجيزة من عمر الثورة الفلسطينية من أهم رموزها وأعظم مثقفيها وأبرع إعلامييها وأصدق قياداتها.
ساهم الشهيد المثقف في دعم تأسيس مدرسة الكوادر
الثورية في قوات العاصفةعندما كان يشغل موقع مسؤول الإعلام المركزي ، وكما ساهم في تطوير مدرسة الكوادر أثناء توليه لمهامه كمفوض سياسي.
يعد ماجد منحازاً ونصيراً مثالياً الفقراء وعدالة قضيتهم ، فهو صديق العمال والمعدومين والمهمشين والبسطاء والكادحين ، ونصير المرأة وقطاع الطلبة، فهو الذي عندما كان يجلس بينهم و يتسامر معهم ويحاورهم لا يجعلهم يشعرون بالمطلق أنه يعرف أكثر منهم ، فهو من يجيد الصدق في فن التعامل مع الآخرين.
المفكر ماجد كان يمتاز بحبه ومحبته للجميع في آن واحد ، يحب الجماهير ويسعى لمخالطتها والقرب منها دون حواجز أو وساطة , ولم يكن محاطاً بالبريق كالآخرين أو غموض التقليديين, فكان معتزاً بنفسه وواثقاً بها, حازم وعنيد في فكره ، على يقين دائم بقدرته على إثبات الصواب من الخطأ ، وكان ديمقراطياً في علاقته وفي ممارساته داخل الأطر التنظيمية , وكان يعرف جيداً حدود الفصل بين حرية الرأي والالتزام , وكان يدافع بقوة وشجاعة عن آرائه ووجهة نظره ، ويعرف جيداً أن ممارسة الحق في التعبير عن الرأي والدفاع عنه لا يعني أن يتحول هذا الحق إلى فيتو على القرار , ولا يعني أن يكون له حق المخالفة عند تنفيذ ما جاء به القرار .
يعتبر الشهيد المثقف مدرسة متكاملة الجوانب والأركان ، يمثل بسلوكه وممارسته البعد الذي يختلط على الكثيرين في التمييز بين حرية الرأي وقدسية الالتزام .
لم يقدر العدو والمحتل رؤية هذا القائد الفلسطيني الفتحاوي ، وهو يفتح ثغرات سياسية مهمة في دول المعسكر الشرقي وفي أوساط الأحزاب اليسارية الأوروبية، للتعريف بالقضية الفلسطينية وعدالتها الإنسانية وحقها المشروع في العودة والحرية وإقامة الدولة المستقلة .
أثناء مشاركة ماجد في فعاليات مؤتمر عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في روما، تم زرع عبوة ناسفة تحت سريره بالفندق ، لتنفجر في مثل هذا اليوم من التاسع من أكتوبر عام 1981، ليرتجل الفارس المثقف شهيداً نحو المجد والعلا …
رحل المفكر الشهيد ماجد أبو شرار جسداً لا روحاً عن عالم الانتماء للإنسان والقضية ، فهو الذي جسد وما زال يجسد في الثوار والأحرار أينما وجدوا بأن فكرة الثورة ببعدها الثقافي وموروثها النضالي هي بوصلة النصر وشارة الحرية التي تولد مع كل فجر جديد…
اللقاء الأخير في “روما” كانت مرثية كتبها الشاعر الكبيرالراحل محمود درويش لماجد ، قال فيها … صباحُ الخير يا ماجدْ، صباح الخيرْ، قُمِ اقرأ سُورَةَ العائدْ، وحُثَّ السَيْرْ، إلى بلدٍ فقدناهُ، بحادث سيرْ ، صديقي، أخي، يا حبيبي الأخير.. أما كان من حَقِّنا أن نُغَنِّي لِعَيْنَيْنِ بُنِّيَّتينِ تُقيمان ما بيننا والإله معاهدةً للسلام.؟، يا درع الفقير ويا زَكَاةَ المليونير، ويا مزاداً زاد عن طلبات هذي السوق، يا حلم الفلسطينيَّ في الطرقات، يا نهراً من الأجساد في واحدْ تجمِّع، واجمع الساعد …
في ذكرى الرحيل والغياب، لروح المثقف واليساري الأجمل ، ابو الكوادر الثورية ماجد أبو شرار وردة وسلام ...