يوم المنتج الفلسطيني

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

لا بد أن أُعرّج على موضوع خاص قبل الحديث عن يوم المنتج الفلسطيني الذي أقرته الحكومة في أول تشرين الثاني من كل عام وصادف ذلك عيد ميلادي.
كثُر النقاش والحوار والجدل والتراشق حول سبل دعم المنتجات الفلسطينية وتحميل كل طرف للآخر المسؤولية دون الوصول الى التكاملية بين القطاعات كافة، فتارة نلقي باللائمة كاملة على التاجر أنه لا يقوم بواجبه لدعم وتشجيع المنتجات الفلسطينية، والتاجر ينتقد الصناعي مدعياً ان المنتجات الفلسطينية غير مرغوبة وهذه مسؤولية الصناعيين، والكل يلقي على كاهل المستهلك بأنه هو صاحب  قرار المقاطعة وصاحب  قرار تفضيل المنتجات الإسرائيلية والأكثر قدرة على تشجيع المنتجات الفلسطينية، وكأن المستهلك رجل آلي يوجه بالمحرك عن بعد، فمتى أرادوا مقاطعة يجب ان ينضبط ومتى أرادوا ان يُغرقوا السوق بالمنتجات الإسرائيلية يجب عليه أن يطنّش.
النقاش المتخصص يذهب باتجاهات أُخرى من العيار الثقيل مثل (ما هي العقيدة الاقتصادية لفلسطين؟) (هل استفدنا الاستفادة من المتاح لنا في بروتوكول باريس الاقتصادي أم اننا علقنا على شماعة عدم صلاحيته؟) (يجب تعزيز الاستهلاك المحلي للمنتجات الوطنية أولاً قبل تحفيز القطاعات الإنتاجية الفلسطينية من أجل التصدير). (توفر الارادة السياسية التي تشكل رافعة لاقتصاد الصمود).
في يوم المنتج الفلسطيني في بداية الشهر المقبل، لا نريد إعادة اختراع العجلة من خلال العودة للنقاش الجدلي غير المنتج، وحتى نخرج من هذه الدوامة ذهبنا في ائتلاف جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني باتجاه الشراكة مع وزارة الاقتصاد الوطني ووزارة الزراعة والاتحاد العام للصناعات الفلسطينية والاتحاد العام للغرف التجارية، بحيث نخرج جميعاً برسالة واحدة توجه للجميع بحيث يعرف الجميع دوره ويتكامل مع أدوار الآخرين لنخرج بنتيجة مشرفة جوهرها ( دعم وتشجيع المنتجات الفلسطينية ) ومن الطبيعي أن كلاً له مصالحه، وبالتالي يجب ان نصل الى نقطة التقاء بين تقاطع المصالح، ومن الطبيعي أن مصلحة الجميع مع المستهلك الفلسطيني على أساس انه المستهدف، وبإمكانه أن يفرض شروطه وأهمها (الجودة، السعر المنافس، استمرار التزويد، التنوع وتلبية ذوق المستهلك) ولا أرى ان تناقضاً مع الصناعيين في أي من اشتراطات المستهلك، والتي يستطيع تقديمها للصناعات الفلسطينية ولكنه لا يستطيع نقاشها مع الصناعات الإسرائيلية.
لم يعد يوم المنتج الفلسطيني يحضر بحالة فراغ في الواقع، فهناك عشرات التجارب باتجاه دعم المنتجات الفلسطينية منذ العام 1998 رغم اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية في كل مرحلة من المراحل، حيث أسسنا المرصد الفلسطيني لمقاطعة المستوطنات في العام 1999، وأسسنا الراصد الاقتصادي - الحملة الشعبية لتشجيع المنتجات الفلسطينية في العام 2000، ومن ثم ذهبت كل محافظة بقيادة محافظها صوب اللجنة الشعبية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وقاد الأسير مروان البرغوثي امين سر اللجنة الحركية العليا آنذاك مسيرة دعم المنتجات الفلسطينية وجعله جزءا من خطاب الوطن، الى أن وصلنا في العام 2009 الى تأسيس جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني والتي عملت وما زالت على تشجيع المنتجات الفلسطينية، والعمل على ترسيخ ثقافة سلامة الأغذية، والعيش في بيئة آمنة، ما يعني أن المنتج الفلسطيني هو الضمانة، وجاءت مبادرة «إني اخترتك يا وطني» ومبادرة «منا وإلنا» لدعم المنتجات الفلسطينية من قبل جمعية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة.
اليوم يتناغم الخطاب الحكومي مع البعد الشعبي باتجاه الانفكاك الاقتصادي عن الاقتصاد الإسرائيلي والانتقال من الاحتياج الى الانتاج، وطبعاً سيخرج علينا البعض بالقول «حكومة بدها تنفك بتستورد زيتون للتخليل!!!» وطبعاً يتركون كل شيء ويذهبون بهذا الاتجاه لأن المقاطعة غالباً تحرج قطاعات بعينها تريد أن تعكس تضررها الى فوائد من خلال إشاعة روح أن الانفكاك مستحيل، وأن كل شيء من الاقتصاد الإسرائيلي، وتلك الحالة تجاوزناها منذ سنوات مضت.
في يوم المنتج الفلسطيني يجب ان تتحقق الإرادة السياسية كرافعة للعقيدة الاقتصادية وعدم الاعتماد على تآكل القطاعات الاقتصادية وتراجع مساهمتها بالناتج المحلي الإجمالي، ويجب ان نركز على تهيئة مناخ الاستثمار، والمدن الصناعية، ومحاربة الإغراق، وتفعيل منظومة حماية حقوق المستهلك وفي جوهرها تقوية جمعيات حماية المستهلك، تفعيل الاستيراد المباشر للمدخلات الصناعية والمواد البسيطة، تفعيل المواصفة الفلسطينية كعائق غير جمركي لحماية المنتجات الفلسطينية، الترقيم الإلكتروني، ومعهد التغليف الوطني أسوةً في جميع أرجاء العالم.
في هذا اليوم، وعلى مدار أيام العام يجب ان نتواصل مع دعم المنتجات الفلسطينية، من خلال إبراز دور وآلية عمل الجهات الرقابية أمام المستهلك الفلسطيني كمدخل للثقة بالمنتجات الفلسطينية، وهذا لا يبرر المبالغة في التشدد ضد المنتجات الفلسطينية وتكثيف جهات الرقابة على المنتجات الفلسطينية، في حين أن المنتجات الإسرائيلية تغزو أسواقنا دون مطابقة المواصفة الفلسطينية والمعايير الفنية الإلزامية عليها، وعندما تسحب منتجاتهم من قبل الجهات الرقابية الإسرائيلية نقوم بالسحب من جهتنا، ولا نكون مبادرين للكشف عن عدم سلامة المنتجات الإسرائيلية.

هل نستطيع؟
بالتأكيد نتمكن وبسهولة من تشجيع ودعم المنتجات الفلسطينية، خصوصاً أن المجتمع يتقبل الأمر اليوم أكثر مما مضى، خصوصاً أن الأمر في العام 1999 كان مستهجناً (عن أي منتج  تتحدثون؟) حتى أننا بتنا نسعى لإقناع التاجر والمقاول والمهندس والاستشاري بوجود منتج فلسطيني.
اليوم الأمور مختلفة، هناك وعي لدى طلبة المدارس والمعلمين وربات البيوت بأهمية دعم المنتجات الفلسطينية، الصناعيون لديهم اهتمام أكبر بالمستهلك الذي هو زبونه وبات يقنعه ويحقق شروطاً صحية ومعايير جودة، ويركض خلف «الأيزو» ليحصل على ثقة المستهلك، الحكومة تعمل بمنطق أنها تمتلك إرادة سياسية بهذا الاتجاه.
نعم نستطيع، لأن لدينا تنوعاً وتعدداً في الإنتاج الفلسطيني، وهو ليس غذائياً فقط، بل هو متنوع في الصناعات الإنشائية، والجلدية، والبتروكيماوية، والمعدنية، والدهانات، والبلاستيك، والمنسوجات، والدوائية، وهذا التنوع أعاد ثقة المستهلك وبات يلح على التاجر مطالباً بها، ما دفع التجار الى تشجيعها.
دعونا نتذكر معاً في العام 2005، اذا كنت تبحث عن البوظة الفلسطينية في أي سوبرماركت يقال لنا: عن ماذا تسأل أستاذ؟ ولا يوجد الا البوظة الإسرائيلية، وإذا وجدت الفلسطينية يطفئ عنها الثلاجة لتذوب وتتلف ويعزف عنها المستهلك، اليوم باتت الخيار الأول والأقوى، وبات التاجر يروّج لها. وكذلك الأمر مع الألمنيوم والدهانات وغيرها.
سنظل بالشراكة مع الجهات كافة حتى يظل المنتج الفلسطيني خيارنا الأول والثاني والثالث والدائم.