من وحي الانتخابات

رامي مهداوي.jpg
حجم الخط

رامي مهداوي

بعد إعلان الرئيس محمود عباس نيته من على أعلى منصة في العالم؛ منصة الأمم المتحدة اعتزامه عقد انتخابات تشريعية، بدأت الصالونات السياسية والمقالات واللقاءات الإعلامية بتناول الموضوع، لكن الشارع الفلسطيني وحده الذي لم يكترث وكأن لا شأن له.
 لهذا مقالي اليوم عن الانتخابات ليس خدمة لإطار سياسي ولا نوعاً من الترف «النخبوي» والفكري كما يفعل البعض، وإنما يأتي ضمن محاولتنا كشعب معرفة كيفية ترسيخ الفكر والنهج الديمقراطي الذي بدأ يندثر وإنهاء الصفحة السوداء في التاريخ الفلسطيني الذي عرف باسم الانقلاب.
بحزن أقول، تعيش قضيتنا الفلسطينية في زمن رديء تضيع فيه المبادئ والقيم والمعايير، ما جعل الكثير من حولنا يحلو لهم فرض حدود ومفاهيم الديمقراطية التي رسمها هو بما تتناسب للحفاظ على مصالحه. ان الديمقراطية التي يريدها أبناء شعبي هي تلك التي لا تقبل بأن ينصب أحد من بني البشر إلهاً، وأن يكون أبناء الوطن جميعاً متساوين في الحقوق والواجبات، هي الديمقراطية التي تدافع عن حق أبناء الشعب في المعرفة والتعبير والتجمع والاختيار.
بالرغم من حصولي على شهادة الماجستير بالديمقراطية وحقوق الإنسان من جامعة بيرزيت، ودبلوم ماذا نعني بالديمقراطية من جامعة بيرمنغهام؛ إلا أنني أقف حائراً أمام ديمقراطيتنا السياسية، فإذا توافقت آراء الفصائل في موقف ما يتم وصف القرار بالديمقراطي ولا يسمح لأحد أن يخالفه_أستطيع قبول ذلك في مرحلة معينة وعلى مضض_ لكن لا يعقل أن نقبل بذلك في هذا الوقت ونحن أمام منحدرات خطيرة.
أنا مع الانتخابات في كل مستوياتها من تشريعية ورئاسية ومجلس وطني ومجالس طلبة واتحادات ونقابات وهيئات ومجالس إدارة وبلدية وحزبية، لأن الانتخابات هي أفضل وسيلة لتجديد الدماء والوجوه وحل الصراعات المتناثرة ليس فقط سياسياً، لكن هذا يتطلب ليس فقط الحديث مع لجنة الانتخابات المركزية، بقدر ما علينا فتح ورشة بنيوية للنظر الى كافة المؤسسات الحاضنة للديمقراطية وتجديد هياكلها وأهدافها وعملها وبالأخص منظمة التحرير الفلسطينية كونها البيت الأول والأخير لكل فلسطيني.
البعض يقول إن الديمقراطية من خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة هي من أوجدت الانقسام، وهكذا تحولت الديمقراطية الى ضحية كل خلل برز على ساحتنا الفلسطينية، ما نتج عن ذلك ديمقراطية من نوع مختلف؛ التفرد في القرار وعدم اشراك الآخرين في آلية الصنع، تغييب المؤسسات وفقدان امكانية المحاسبة والحكم الصالح، تعيين هو الأساس، ترسيخ الفئوية وفرض الأمر الواقع!!
التجارب الديمقراطية في العالم تختلف عن بعضها البعض، فالتحول الديمقراطي في اسبانيا ليس مثل كولومبيا أو جنوب افريقيا، ونحن كشعب تحت الاحتلال علينا أن نمارس الديمقراطية ونثبت للعالم بأن هناك نموذجاً مختلفاً بجعل الديمقراطية وسيلة من وسائل النضال على الرغم من الصعوبات المختلفة التي تواجهها مكونات الديمقراطية؛ على سبيل المثال الانتخابات في القدس، فالاحتلال لن يقف مكتوف الأيدي أمام المحاولات التي تدفع باتجاه النهوض الوطني بكل مضامينه.
في النهاية علينا أن لا ننسى بأن هناك من لن يكون سعيداً أيضاً إذا ما تحركت عجلة الديمقراطية في مجتمعنا الفلسطيني، وبدأت أصواتهم وأفعالهم ومقاومتهم السلبية بالبروز ضد الانتخابات، هؤلاء الأفراد والشرائح والفئات التي ترى في العملية الديمقراطية تهديداً لها ولمواقعها وامتيازاتها، لأنهم جاؤوا بالأساس بسبب ضعف الحياة الديمقراطية.