هبه اللبدي تعري الاحتلال!

حجم الخط

بقلم: راسم عبيدات

 

هبة فتاة قدمت من الأردن لكي تحضر فرح بنت خالتها، ولم يدر بخلدها حتى في أشد كوابيس الأحلام بان ما ينتظرها جولات من التحقيق والتعذيب والمهانة وانتهاك الخصوصية في زنازين الإحتلال. كيف لا وهذا الإحتلال بقرار من ما يسمى بمحكمة عدله العليا شرعن التعذيب واجاز استخدامه خلافاً لإتفاقية مناهضة التعذيب ولاتفاقية جنيف الرابعة، والمبرر هنا بأنه يجوز التعذيب في حالات " القنبلة الموقوتة" مع معتقلين لحملهم على الإدلاء باعترافات.

والذريعة هنا منع عمليات قد تؤدي الى القتل وغيره. ونتائج التعذيب المشرعن و"المقنون" من اعلى سلطة قضائية في دولة الإحتلال أدى الى إستشهاد اكثر من سبعين معتقلاً فلسطينياً في التحقيق، وما زال المعتقل سامر العربيد الذي يعيش اوضاعا صحية صعبة في مستشفى " هداسا" العيساوية وفي حالة الخطر الشديد، نتيجة للتحقيق القاسي والتعذيب الوحشي الذي تعرض له تحت ذريعة " القنبلة الموقوتة". والأنكى من ذلك بأن قضاة الاحتلال الذين هم جزء منظومة احتلالية، هدفها "قنونة" و"دسترة" و "شرعنة" التعذيب بحق المعتقلين الفلسطينيين، لم تصدر أي قرار يطلب من المحققين، وقف التعذيب بحق الأسير سامر العربيد، الذي وصل درجة الموت.

نحن ندرك تماماً بان هناك من الدول الإستعمارية والمتشدقة بحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية، وفي المقدمة منها أمريكا، هي التي جعلت من اسرائيل دولة فوق القانون الدولي، تستبيحه دون رادع او خوف من قرارات قد تتخذ بحقها او عقوبات قد تفرض عليها نتيجة لخرقها السافر للقوانين والاتفاقيات الدولية.

هبة اللبدي فتاة فلسطينية من سكان الأردن جاءت لكي تحضر فرح بنت خالتها، وخططت ان تعيش خمسة أيام بفرح وسعادة تقضيها مع الأهل والأحبة والأصدقاء، ولكن الاحتلال لا يريد للإنسان الفلسطيني ان يفرح، فالفرح محرم عليه، ويستكثره الإحتلال على شعبنا، وان يكون الإنسان الفلسطيني فرحا، فهذه تهمة لأنه يستهزيء بالإحتلال!

هبة اللبدي في سردها لما جرى معها في رحلة العذاب من لحظة وصولها للجسر حتى تسليمها قرار الإعتقال الإداري، بعد عدم ثبوت الإتهامات الموجهة لها من قبل اجهزة المخابرات الإسرائيلية، التي ارادت ان تلفق لها تهما كاذبة، ولو اعترفت هبة تحت التعذيب الوحشي الذي تعرضت له، لهلل وطبل جهاز "الشاباك" الصهيوني،بأن هبة "مخربة"، لم تأت من اجل حضور فرح بنت خالتها،بل للمس بامن دولة الإحتلال.

هناك مواقف استوقفتني في ما سردته هبة، وهي التي تستحق لقب قائدة ومناضلة بحجم وطن، فهل المجندة التي دخلت مع هبة الى الحمام بسلاحها،لديها ادنى حس او شعور إنساني،ام هي مجردة من كل معاني الإنسانية؟ وجزء من ماكنة احتلالية ،هدفها تدمير وقتل إنسانية الإنسان الفلسطيني؟

تصوروا يا من تدعون الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان، هبة التي حرمها المحققون الصهاينة من أبسط حقوقها في النوم، والتي كان يجري معها التحقيق لمدة ستة عشر يوماً، بمعدل عشرين ساعة متواصلة يوميا وهي مكبلة اليدين الى كرسي صغير مثبت في الأرض، وما رافق ذلك من محاولات تحرش وتحقير وسب وشتم، يطال الكرامة والديانة والمعتقد والشعب والهوية، وبصق على الوجه، وضغط نفسي وجسدي، يضاف لذلك احتجازها في قبر للأحياء مليء بالحشرات والعفونة والرطوبة ،وبدون غطاء وفراش، وحتى المكان الذي تستحم فيه في قبوها القذر، يقف على بابه سجان يتحكم بالمياه، يجعلها تعيش في حالة خوف ان يفتح عليها بابه وهي تستحم.

تصورا لو لم يكن اسمها هبة، وكانت فتاة أجنبية او إسرائيلية، واعتقلت على خلفية تجسس او مس بامن دولة، واعتقلت من قبل الفلسطينيين او في احدى الدول العربية، حينها لن نجد أي مسؤول غربي وأمريكي،الا ويندد بهذه الوحشية وهذا التعذيب المخالف للقوانين والاتفاقيات الدولية، ولربما دعي مجلس الأمن الدولي للانعقاد تحت البند السابع،لإتخاذ قرار بإستخدام القوة العسكرية ضد الدولة المعتقلة لهذه الفتاة، وليتم وصف تلك الدولة بأنها مارقة ومتوحشة ولا تحترم القانون الإنساني.

ما جرى مع هبة يكشف، كيف يجري انتزاع الإعترافات من الأسرى الفلسطينيين في أقبية تحقيق الاحتلال، وليس مهما ان تكون تلك الاعترافات حقيقية أو غير حقيقة أو يوجد أو لا يوجد لها صلة بالقضية،المهم أن يقدم المتهم اعترافاً على أيدي جهاز " الشاباك". وكم من أسير فلسطيني جرى تلفيق اتهامات ضده وقضى سنوات في سجون الإحتلال، على قضية جرى محاكمة اكثر من شخص او مجموعة عليها نفسها!

ألم يتهم المواطن محمود قطوسة من دير قديس باغتصاب طفلة صهيونية عمرها سبع سنوات من مستوطنة موديعين في حزيران من العام الماضي؟ وليقوم جهاز شرطة الإحتلال وأجهزة مخابراته وأركان حكومته، ببث حملة إعلامية مكثفة عن وحشية الفلسطينيين، وعن هذا الفعل المقزز، ولكي يتضح لاحقا كذب وزيف الاتهامات التي جرى فبركتها من قبل الشرطة والمخابرات.

هبة اللبدي في سردها المرعب للتعذيب الوحشي الذي تعرضت له على مدار خمسة وثلاثين يوماً في أقبية وزنازين " الشاباك" الإسرائيلي، وما عاشته من ظروف غاية في القسوة واللا إنسانية، تثبت بأن هذا الجهاز لا يتورع عن استخدام كافة الأساليب النفسية والجسدية لحمل المعتقلين على تقديم اعترافات حتى لو كانت كاذبة.

ما تعرضت له هبة اللبدي من تعذيب وحشي، مورس بحق الأسير سامر العربيد، الذي كاد أن يدفع حياته ثمناً لهذا التعذيب الوحشي، وكذلك بقية الأسرى الآخرين الذين جرى اعتقالهم،على خلفية عملية عين بوبين قرب مستوطنة "دوليف"، وربما نفس التجربة التي مرت بها هبة، مرت بها بقية الأسيرات اللواتي جرى اعتقالهن مؤخراً، كما حصل مع الأستاذة الجامعية وداد البرغوثي، التي جرى اعتقالها تحت ذريعة التحريض على الفيسبوك، والضغط على ولديها المعتقلين كرمل وقسام، والفتيات ميساء ابو غوش وسماح جرادات.

هبة اللبدي مرت بتجربة صعبة وقاسية،ولكنها أثبتت بأنها فتاة صلبة عنيدة، صمدت وانتصرت على جلادها،وعرت وفضحت هذا الجلاد، الموقع على اتفاقية مناهضة التعذيب المقرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 كانون اول 1997، ولكنه لا يحترمها ولا يلتزم بها.

لذلك آن الاوان للمتشدقين بحقوق الإنسان والديمقراطية،ان يقوموا بحملة واسعة نصرة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الإحتلال وأقبية تحقيقه، والذين تنتهك بشكل سافر حقوقهم، ويتعرضون لخطر الموت البطيء، نتيجة إما الإهمال الطبي، أو التعرض للتعذيب القاسي، أو محاولة السطو على حقوقهم ومنجزاتهم، واعتقالهم في ظروف لا إنسانية، ومهاجمة وإقتحام غرفهم وأقسامهم باستمرار من قبل وحدات قمع مصلحة السجون الإسرائيلية.