كيف يتوقف الانهيار؟

عوكل
حجم الخط

  طلال عوكل 03 أيلول 2015


تفتح واقعة اقتحام الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين أول من أمس، صفحة متناقضة تثير العديد من الأسئلة، التي تتصل بالسلطة ووظائفها وصلاحياتها، في وقت تبدأ فيه عملية تجديد للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وجدل بشأن مدى جدية رغبة الرئيس محمود عباس في مغادرة مواقعه، وعلاقة ذلك بترتيبات الخلافة في ضوء غياب أي إمكانية لإجراء انتخابات ديمقراطية شاملة.
خلال حرب السور الواقي على الضفة الغربية، والتي استعاد وقتها الجيش الإسرائيلي إحكام قبضته القمعية والاحتلالية على الضفة، قدم مخيم جنين أساطير في البطولة والمواجهة، وها هو اليوم يستعيد بعضاً من معالمها.
معلوم أن جنين ومخيمها، يقعان في المنطقة (أ)، المفروض أنها بحسب اتفاقيات اوسلو، تحت الولاية الكاملة للسلطة الوطنية، لكن قيام الجيش باقتحام المخيم، واعتقال من يقال إنه قيادي من حركة حماس، وإصابة نحو خمسة وعشرين مواطناً، وهدم البيت الذي كان يختبئ به القيادي الحمساوي، هذا الفعل، يدل على مدى هشاشة وضعف السلطة، التي لا تزال تلتزم باوسلو، فيما لا يلتزم الجانب الإسرائيلي.
الجيبات والآليات الإسرائيلية تسرح وتمرح في أحياء رام الله بما في ذلك في الحي الدبلوماسي، وأحياناً تصل إلى دوار المنارة وسط رام الله، بدون أن تجد من يردعها أو يعترضها، فما معنى وجود سلطة وشرطة وأجهزة أمنية، إن لم تكن كل هذه المسميات من أجل حماية المواطن من بطش ظالم ومخالف لكل المواثيق؟
أهل الضفة ومن أهل غزة، تتاح لهم الفرصة ويسعفهم الحظ في الوصول إلى الضفة، يشكون أمر الشكوى من الفلتان والفوضى الأمنية، التي تعجز عن ضبطها أجهزة أمنية تفتح عيونها على المواطن بدون أن تكون قادرة على تأمين حياته. ثمة حالة فشل شاملة كاملة، تجتاح السياسة والاقتصاد والأمن والمجتمع، وتحتاج إلى معالجات مختلفة عن السياقات الجارية التي تلخصها أغنية أخذت تتردد في كل أنحاء الوطن فيسخر منها البعض ويتغنّى بها البعض الآخر. الأغنية تدعو إلى زراعة الليمون والزيتون والتفاح وإلى ثورة سلمية بلا سلاح. أراني أتفق مع من يطالب بثورة أو مقاومة شعبية سلمية في هذه الظروف، ولكنني أرفض أن يتحول موضوع عدم استخدام السلاح في فترات أخرى إلى ثقافة شعبية.
لقد أكدت أحداث السنين الماضية أن مشروع المقاومة المسلحة لم ينجح في تحقيق إنجازات، لكن ذلك، لا يصب، أيضاً، في مصلحة خيار المفاوضات والحل السلمي، الذي انتهى إلى فشل ذريع.
قبل ست سنوات أي في عام 2009، وكان ذلك بعد أقل من عام على فوز الرئيس باراك اوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أعلن الدكتور سلام فياض، رئيس الحكومة آنذاك، أنه يحتاج إلى سنتين لاستكمال مقومات ومؤسسات الدولة. الإعلان تضمن إنشاء مطار، وسكة قطار، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، لكن السنين مرت بدون أن يتحقق أي شيء من ذلك. من الواضح أن إعلان فياض، وهو رئيس حكومة الرئيس محمود عباس، كان يستند إلى مراهنة وربما بعض الهمسات الواعدة من قبل الإدارة الأميركية، وبرأينا فإن ذلك كان خطأً استراتيجياً واضحا، لأنه تجاهل واقع الحال الفلسطيني، وتجاهل، أيضاً، السياسة الإسرائيلية، وأهدافها.
في التقييم الإستراتيجي لا يمكن الاعتماد على أية إدارة أميركية، تضع كل إمكانياتها في تصرف ما يعتبره الكثيرون، من أن إسرائيل هي الولاية الثالثة والخمسين في الولايات المتحدة.
بعد عام واحد من إعلان الدكتور فياض بدأت أحداث ما يسمى بالربيع العربي في تونس، لتتضح معالم مرحلة كارثية من عمر الأمة العربية، حيث نجح التحالف الأميركي الإسرائيلي في إخضاعها لمخططات تقسيمية وتدميرية تحت عناوين الفوضى الخلاّقة، والشرق الأوسط الجديد.
كانت القضية الفلسطينية، وأهلها ضحايا هذه المخططات، فلقد جعلت الولايات المتحدة، داعش، عنوان الاهتمام والأهمية على حساب القضية الفلسطينية.
لم يحصل ما وعد به الدكتور سلام فياض، فقد أقفلت إسرائيل طريق المفاوضات والسلام، وأمعنت في مصادرة الحقوق بدءاً بملف عودة اللاجئين، إلى ملف القدس والمسجد الأقصى، إلى ملف مصادرة المزيد من الأراضي عبر الاستيطان، إلى إفقاد السلطة القدرة على ممارسة مسؤولياتها، ما دعا الرئيس أبو مازن لأن يشكو واقع الحال علناً وفي أكثر من مناسبة.
نعلم أن الخيارات صعبة، وكل خيار، يستحق ثمناً باهظاً، فالاستمرار بالخيار القائم، خيار المفاوضات صعب، ومكلف بدليل ما يجري من فوضى سياسية وأمنية واقتصادية، خصوصاً وأن الولايات المتحدة رفعت يدها عن الملف، فيما يتردد الأوروبيون.
خيار المقاومة بمعناها العسكري، أيضاً، خيار مكلف جداً، وغير مضمون النجاح في ردع المخططات الإسرائيلية، لكن المشكلة الأساسية ليست في موضوع الخيار الذي ينبغي على الفلسطينيين اعتماده بما يضمن أقل التكاليف، وأفضل الإنجازات.
المشكلة الرئيسية هي أن الفلسطينيين لا يستطيعون الجلوس على طاولة واحدة للحوار من أجل إنهاء الانقسام، والاتفاق على خيارات وطنية وهو أمر سهل، لو قدر لهم أن يجتمعوا.
كان من الأولى إذن، أن يبدأ الرئيس مرحلة التحريك السياسي بعقد جلسة للمرجعية القيادية لمنظمة التحرير التي تضم الجميع، ذلك أن تجديد الشرعيات يحتاج إلى واحد من أمرين: فإما أن تجرى انتخابات عامة وإما أن يجري تجديد الشرعيات من خلال توافق وطني. وفي غياب هذا وذاك من الخيارات، فإننا نمعن في جلد الذات، وفي تدمير الإمكانيات الذاتية بما يسهل على إسرائيل تنفيذ مخططاتها.