بات الاقتصاد التركي هشا أكثر من أي وقت مضى، إذ يعاني من ارتفاع معدلات التضخم، وانهيار قيمة العملة، وتنامي مستويات الديون، هذا إلى جانب التهديد الذي أطلقه الرئيس الأميركي بتدمير اقتصاد تركيا على خلفية غزوها لسوريا.
وبالرغم من أن البيت الأبيض والكونغرس الأميركي مختلفان حول تركيا أكثر من أي وقت مضى، فإن عدائية التهديدات الاقتصادية التي أطلقها كل من الرئيس ترامب، وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ في الأيام الأخيرة كانت متشابهة، إذ تعهدا تباعا "بتدمير اقتصاد تركيا ومحوه"، وفرض "عقوبات من الجحيم" على البلاد بسبب غزوها شمال شرق سوريا.
الاقتصاد التركي بعدما لامس القاع في صيف 2018، استقر إلى حد ما، وربما هذا ما أقنع أنقرة بأنها مستعدة للتعامل مع أي شيء يأتي بعد ذلك، إلا أن الغزو التركي لسوريا سيعرض اقتصاد البلاد للخطر، وسط التهديد بالعقوبات الأميركية، وربما يدفع حتى الاتحاد الأوروبي لتوجيه ضربة اقتصادية ضد أنقرة.
وبالمحصلة، فإن المجازفة التركية الجديدة في سوريا ضد الأكراد تعني أن البلاد ربما ستواجه فترة طويلة من الألم الاقتصادي.
الوضع الحالي
ووصف موقع "ستراتفورد" الاقتصاد التركي بأنه ما يزال هشاً، إذ انخفضت قيمة العملة منتصف أغسطس 2018 إلى 6.95 ليرة مقابل الدولار، لكنها استقرت منذ ذلك الحين.
وبعدما شنت أنقرة هجومها على شمال شرق سوريا، بعد ظهر يوم 9 أكتوبر، لم تنخفض العملة إلا بشكل طفيف، لكن الموقع ذكر أنه حتى لو كانت الليرة أقوى مما كانت عليه قبل 14 شهرا، فإن اقتصاد تركيا ما يزال هشا بدرجة كافية، بحيث يمكن أن تتسبب صدمة خارجية، مثل العقوبات الأميركية، في إلحاق أضرار جسيمة به، ما يؤدي إلى انخفاض عملة البلاد مرة أخرى.
وأضاف الموقع أن الفجوة بين الكونغرس والبيت الأبيض بشأن تركيا تتعمق، إذ يبدو أن بعض أعضاء الكونغرس مصممون أكثر من أي وقت مضى على معاقبة تركيا على تصرفاتها في سوريا، معربين عن غضبهم العميق من الكيفية التي تجاهل بها البيت الأبيض مخاوفهم، وهذا يعني أن هناك احتمالية عالية لفرض عقوبات تأديبية.
وقد صاغ السيناتور ليندسي غراهام وكريس فان هولين، مشروع قانون يجمع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يتضمن عقوبات تتراوح ما بين القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة والمساعدة العسكرية لتركيا، إلى عقوبات محددة تستهدف الأفراد، بما في ذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والقطاعات الاقتصادية.
من جانبه، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتخذ إجراء مستقلا عن الولايات المتحدة يمكن أن يلحق الضرر ماليا بتركيا.
وعلى الرغم من أن أي عقوبات أو إجراءات من جانب الأمم المتحدة من غير المحتمل أن تكون قوية بدرجة كافية لإثناء تركيا عن السعي لتحقيق أهدافها في سوريا، فإن تركيا قد تواجه تدابير عقابية من الاتحاد الأوروبي تشمل وقف اتفاقيات التعاون بين بروكسل وأنقرة، وكذلك وضع حد لأموال عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ونشر موقع "ستراتفورد" ملخصا لـ4 أزمات مر بها الاقتصاد التركي، خلال العام الماضي، ليصل إلى مرحلة الهشاشة الحالية:
ترامب يستهدف تركيا بتعريفات جمركية
استهدف ترامب الاقتصاد التركي بسلسلة من التعريفات الجمركية، ردا على المشاحنات التجارية، وكذلك نوايا أنقرة في سوريا وتقاربها المتزايد مع روسيا.
وكتب الرئيس الأمريكي في صباح يوم 10 أغسطس 2018، في تغريدة على موقع تويتر، قائلا إنه سمح بمضاعفة التعريفات الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم من تركيا، إذ ارتفعت التعريفات إلى 20 في المئة على الألمنيوم و50 في المئة على الصلب.
وذكر الموقع في تقرير نشر في ذلك اليوم أن هذه التعريفات ستؤدي لاصطدام الحملة الانتخابية لأردوغان، المعتمدة على فكرة القومية، وسياسة "أمريكا أولا" التي ينتهجها ترامب، فإعلان الرئيس الأميركي عن التعريفات الجمركية لن يؤدي إلا إلى تأجيج رواية أردوغان عن الحرب الاقتصادية، إذ يرى أن مصدر المحن الاقتصادية التركية يقع خارج حدودها.
نظام صواريخ يقف بين الحلفاء السابقين
وقبل التهديد الأمريكي بفرض عقوبات على تركيا بسبب هجومها على شمال شرق سوريا، كانت واشنطن قد هددت باستهداف الصناعة الدفاعية في تركيا، لاختيارها نظام الدفاع الصاروخي الروسي "إس 400".
وذكر الموقع في تقييم نشره يوم 27 يونيو الماضي أن الولايات المتحدة يمكن أن تلجأ إلى خيارات انتقامية من شأنها أن تضر الاقتصاد التركي، سواء باستخدام أحكام قانون مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA)، أو استبعاد تركيا من برنامج المقاتلة "إف 35" عالية التقنية.
وأضاف أنه بينما تدرك تركيا جيدا العواقب الاقتصادية المترتبة على اختيارها، فإن الاعتبارات السياسية المحلية تدفع أنقرة إلى تجاوز الاقتصاد واختيار النظام الروسي، رغم هبوط اقتصاد البلاد إلى مرحلة الركود خلال الربع الأخير من 2018، في حين تباطأ النمو أيضا في النصف الثاني من العام الماضي.
ورغم أن تركيا كسبت خلال هذا الوقت المزيد من العائدات من الصادرات، فإن الليرة كانت ضعيفة للغاية بحيث أصبحت سلع البلاد أرخص بكثير.
وخلال العام المقبل، سيتعين على القطاع الخاص التركي سداد ما يقرب من 140 مليار دولار من الديون، فيما تباطأ الاستهلاك المحلي.
ولفت الموقع إلى أن السنوات الخمسة المقبلة ـ حتى الانتخابات المقررة في عام 2023ـ تشكل أيضا جزء من حسابات أنقرة فيما يتعلق بالمخاطر الاقتصادية، إذ يعتقد أردوغان أن لديه الوقت لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، حتى لو فرضت الولايات المتحدة عقوبات تتسبب في فرار المستثمرين الأجانب، أو مزيد من الانخفاض في قيمة الليرة.
ارتفاع التضخم وهبوط الليرة
وحتى بدون التهديد بالعقوبات الأمريكية، ذكر الموقع أن الاقتصاد التركي مر بصعوبات تنبع خاصة من المبالغ الهائلة لديون الشركات، فضلا عن التضخم الشديد الذي يعاني منه الاقتصاد وسوء أداء العملة.
وفي تقييم منشور بتاريخ 4 فبراير 2019، ذكر الموقع أن الولايات المتحدة في وضع يمكنها من الإضرار بالاقتصاد التركي جزئيا بسبب الهشاشة الاقتصادية للأخيرة، فالشركات التركية مثقلة بمديونية عالية، يبلغ مجموعها حوالي 200 مليار دولار يتعين عليها سدادها في عام 2019، ومعظم هذا الدين مقوم بالدولار واليورو، ما يعني أن الشركات ستكافح لتسديدها إذا ظلت الليرة ضعيفة.
كما أن البلاد تعاني أيضا من ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض الاستهلاك، وقلة ثقة المستثمرين الناجمة جزئيا عن التصور بأن البلاد تفتقر إلى سيادة القانون.
خطة اقتصادية دون الكثير من الدعم
وفي محاولة تمت العام الماضي لإعادة الاقتصاد إلى مساره، اختار أردوغان صهره، وزير المالية بيرات البيرق، لوضع خطة لم تلق موافقة قوية من المستثمرين الدوليين.
وذكر الموقع في تقييم نشر في 28 نوفمبر 2018 أنه بغض النظر عن مدى شدة الرياح الاقتصادية المعاكسة، فإن الحكومة التركية سترفض التزحزح بشأن بعض القضايا، والتي ستنتقص من قدرتها على إدارة الاقتصاد الهش بذكاء.
وتابع أنه بالرغم من أن أردوغان يتمتع الآن بسيطرة هائلة على جميع جوانب الحكم، بما في ذلك قضايا مثل الاقتصاد الذي لا يمثل بالضرورة مجال خبرته، فإن استراتيجية الإدارة الاقتصادية للبلاد فشلت في أن توحي بالكثير من الثقة للمستثمرين الأجانب.