يُحكي أنه في قديم الزمان، كان حصان أصيل لأحد الفلاحين وهو كلّ ما يملك ويقضي حاجياته عليه، وكان جاره لصًا، أعجب اللص بالحصان وكان يرى أن الفلاح طيبًا وساذجًا، فحاول اللص مرارًا أن يسرق حصان الفلّاح ولكنه كان يبوء بالفشل في كل مرة، غير أنه فكّر في صنع حيلة تمكنه من الحصول على الحصان، فطلب أن يستعير الحصان من الفلّاح ليوم واحد، لحاجته باجراء تحسينات وتعديلات على المزرعة المجاورة، استقبل الفلاح طلبه بالموافقة، بعد انتهاء اليوم طلب الفلّاح من اللص استعادة حصانه، ولكنّ اللص تنكّر لذلك، وقال له ليس لك عندي حصانًا، فهذا الحصان ملكي أنا، وتشاجر الإثنان، صاحب الحصان واللص، حتى اجتمع النّاس، واللص يصيح بأن الحصان حصانه وهو ملكه، وأن الفلّاح يتجنّى عليه، فاحتكم الاثنين للجمهور، وتقدّم الفلّاح إلى الحصان وأغلق عينيه وقال للص أي منهما عوراء اليمين أم اليسار، تردد اللص في الاجابة فقال له الفلّاح أليست هي العين اليسرى هي العوراء، فأجاب اللص نعم بالتأكيد، فانفضح اللص لأن الحصان ليس أعورًا أصلًأ، وعاد الحصان لصاحبه وتلقى اللص عقابه من الجمهور. وهذه قصة عباس مع الحصان
وقصّة أخرى أيضًا للحصان الأعور، الذي يقود عربة، فان كان العور في عينه اليمنى أو اليسرى فلا يستطيع مالك الحصان أن يقوم بتوجيهه إلا إذا نزل من فوق العربة وترك المقياد لليمين أو اليسار، وقائد الحصان الأعور لا يستطيع السير في الظلام، فربما يصطدم بالحواجز والحوائط وربما يسقط في الحفر التي قد تودي به وحصانه.
في كلا القصتين يحضرنا الحصان الأعور، وتلك هي قصة الانتخابات الفلسطينية التي يدعو إليها عباس بتعهده أمام الجمعية العامة وبالمناسبة، ليست هذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها لذلك، ومنذ انتهاء ولايته في 9 يناير 2009 بعد انتخابات تم الدفع به فيها أمريكيًا واسرائيليًا باعتراف شارون نفسه في 15 يناير 2005، قصة الانتخابات أن تأتي باصرار الآن في وضع فلسطيني متهتك هو الحصان الأعور وليس سليم العينين، فان قادك لليمين فهو أعور وإن قادك لليسار فهو أعور وان بقي مكانه أيضًا هو أعور. حذّر الجميع من قصة الانتخابات لمحاذير متعددة، محاذير فتحاوية خالصة في ظل انقسامها ورفضها لأي منطق وحدوي يعيد وحدتها وموقفها وقوتها وبقائمة واحدة، وهذا ما صرح به الفتياني اليوم، ورباح أيضًا، ردًا على تصريح قام به عضو المجلس الوطني أشرف جمعة، حيث وصف الرئيس بالرئيس الشرعي وينتظر قائمة موحدة لفتح، أما المحاذير الأخرى قد نلخّصها بالآتي:
- هل الانتخابات ستتم على منظومة النظام السياسي الرئاسي أم برلماني؟
- وهل تتم بنسبة القوائم النسبية أم القوائم المطلقة؟
- في ظل أجهزة سيادية حزبية وليست مهنية في الضفة وغزة، هل يمكن لو فازت حماس أن يتم تسليمها السلطة في الضفة؟ وهل الاحتلال الذي بيده الأمر سيسلم بذلك؟ والعكس أيضًا، هل إذا فازت فتح في غزة يمكن أن تسيطر على داخلية حماس وقواتها وسلاحها، أشك في ذلك في كلا الحالتين.
- هل ستسمح إسرائيل بانتخابات في القدس التي تعتبرها عاصمة موحدة لها؟
- وهل يمكن أن توافق حماس على انتخابات تشريعية فقط وبعد شهور عديدة رئاسية أيضًا؟ وما هي الضمانات التي تضمن أن ينفذ الرئيس وعوده بعد شهرين أو ثلاث؟ وما هي الموانع التي يمكن أن يستخدم فيها عباس المحكمة الدستورية لالغاء تلك الانتخابات سواء رئاسية أو تشريعية كما حدث في انتخابات البلديات السابقة؟
- ما هو المشروع السياسي الذي تتم بناء عليه الانتخابات؟ فهل هناك توافق بين القوى المنتخبة على مشروع سياسي للمرحلة القادمة؟ أم تبقى النظرة الحزبية هي سيدة الموقف لكلى الأطراف المختلفة؟
- وهل النظام الأساسي للانتخابات يسمح لمنظومة القوائم أو بالترشيحات الفردية، ومعنى ذلك أن الانتخابات تتم ضمن دكتاتوريات تاريخية محددة في الساحة الفلسطينية وتمنع المواطن من ممارسة حقه الطبيعي والفردي في ترشيح نفسه لأي مستوى من مستويات النظام السياسي في السلطة أو في منظمة التحرير.
- هناك تداخل بين انتخابات المجلس الوطني وانتخابات المجلس التشريعي وأيهما المسؤول عن الفلسطينيين أهي السلطة التي تتحدث باسم 35% من الشعب الفلسطيني؟ أم المجلس الوطني الذي يفترض أنه يتحدث باسم كل الفلسطينيين داخل وخارج الوطن؟ في حين أن السلطة الآن تدعي أنها تمتلك حق التمثيل السياسي والأمني والاقتصادي، فأيهما مسؤول عن الآخر؟
- في ظل رفض عباس عقد انتخابات متزامنة تشريعية ورئاسية ومنظمة تحرير مع ادعاء أن الاحتلال قد يعيق ذلك، إذًا هناك اقرار بأن الاحتلال يمتلك معظم الأوراق في تلك الانتخابات.
- إذا رفضت إسرائيل إجراء انتخابات في القدس، ورفضت حماس اجراء الانتخابات في غزة، هل ستجرى الانتخابات في الضفة الغربية فقط؟ إن حدث ذلك يعني أن التوجه يسير بمساره الطبيعي بما يفكر فيه عباس في مجريات الانفصال التام عن قطاع غزة مما يمهد لتطبيق البرنامج الإسرائيلي في تهويد 60% من الضفة الغربية وابقاء الباقي في الضفة كروابط مدن موسعة لها صلاحيات مع الإدارة المدنية موسعة والذي يقود هذا الوضع رجال الأعمال وأصحاب الشركات وذوي العلاقات المتبادلة مع الإسرائيليين ويفتح المجال لغزة لخيارات أخرى تعمل عليها قوى دولية وقوى إقليمية أيضًا.
هي تلك الانتخابات التي تبنى على نظرية الحصان الاعور، فلا وحدة لبرنامج سياسي ولا وحدة لأجهزة سيادية ولا وحدة أمنية ولا عدالة وظيفية ومؤثرات إحتلالية وإقليمية تعني فكرة الانتخابات في هذا الوقت هي القفز في الهواء الذي قد يوصل إلى جرف عميق وقاتل، وأسوأ مما حدث عام 2007 سياسيًا وديموغرافيًا، ولكن كان من البديهي وبالمنطق الوطني المجرد انهاء ملف المصالحة أولًا وانهاء الاشكاليات في داخل حركة فتح ثانيًا وعدم التنكر لحق الآخرين في ممارسة حقوقهم الحركية في داخل الأطر وإذا تعذّرت المصالحة على قواعد 2011 و2017 فكان يمكن الخروج بشيء جديد خارج النوتة بنظام وحدوي لا مركزي بين الضفة وغزة وكيف ما تسموها سموها، فدرالية أو كنفدرالية أو أنظمة إدارة ذاتية مع قيادة سياسية موحدة، هكذا كان يمكن التفكير للخروج من مأزق المصالحة للوصول إلى مفهوم الإنتخابات والديمقراطية في إقليم الضفة وإقليم غزة، أما أن نقفز في الهواء وكأننا أبطال نسعى إلى الهاوية فهذه ردائة التفكير وردائة السلوك وما تفرضه مصالح ضيقة. اشغال الفلسطينيين بقضية الانتخابات لتستر على ما هو اهم تفرضها متطلبات المرحلة والواقع الوطني والاحتلال لهو القفز ايضا عن كل الضروريات لملهاه جديدة لن تغير من هذا الواقع بل استنساخات لفشل يتلوه فشل.