ما جرى في اتّحاد الكتّاب الفلسطينيّين في الأسابيع القليلة الماضية لا يبشّر بالخير، فهناك اجراءات داخليّة ظاهرها الخير وباطنها شرّ مستطير، ومنها تعديل النّظام الدّاخليّ للاتّحاد، بحيث يقبل في عضويّته من كتب 40 مقالة، ومعروف أنّ صفحات التّواصل الاجتماعي "الفيس بوك" مفتوحة أمام العلماء وأشباه الأمّيّين وما بينهما، وكلّ من كتب جملتين يعتبر نفسه كاتبا، وبتعديل النّظام الدّاخليّ الذي كان ينصّ على قبول من صدر له كتابان إبداعيّان في عضويّة الاتّحاد، ضاعت خصوصيّة الاتّحاد، فماذا سنقول للرّاحلين من مبدعينا مثل عبد الكريم الكرمي" أبو سلمى"، معين بسيسو، محمود درويش، سميح القاسم، ماجد أبو شرار، إميل حبيبي، عبداللطيف عقل، أحمد دحبور، فدوى طوقان وغيرهم؟ وماذا سيقول لنا مبدعونا البارزون والمتميّزون ممّن نتمنى لهم طول العمر أمثال محمود شقير، يحيى يخلف، رشاد أبو شاور، ابراهيم نصرالله، عزالدين المناصرة، ليلى الألإطرش، سحر خليفة، وليد سيف، ليانة بدر وآخرون؟ فهل سيتساوى هؤلاء مع كتبة صفحات التّواصل الاجتماعيّ؟
وتأتي الضّربة القاضية لاتّحاد الكتّاب فيما جرى في اجتماع الخميس الماضي 17-10-2019، بتشكيل ما يسمّى "لجنة إداريّة" مكوّنة من حوالي 65 شخصا؛ لاختيار مجلس أمناء الإتّحاد، ويأتي هذا التّشكيل بتوافق بين فصائل وأحزاب وأجهزة أمنيّة فلسطينيّة!!!!!! وأنا أتساءل هنا: ما علاقة هؤلاء باتّحاد الكتّاب؛ ليقوموا بدور هيئته العامّة؟ وهل الكتّاب قاصرون وبحاجة إلى وصاية عليهم؛ كي يستطيعوا تشكيل مجلس أمناء لإتّحادهم؟ أم أنّه مشكوك بصحّة انتمائهم لوطنهم وشعبهم وممثّلهم الشّرعي والوحيد؟ وهل تمثيل الفصائل جميعها في اتّحاد الكتّاب فريضة وطنيّة؟ وهل عدم وجود كاتب ينتمي أو يؤيّد فصيلا معيّنا ينتقص من مصداقيّة ذلك الفصيل حتّى يمثّل بعضو لا علاقة له بالكتابة والأدب في اتّحاد الكتّاب؟ وهل الكتّاب والأدباء عاجزون عن اختيار مجلس أمناء لاتّحادهم بغضّ النّظر عن الانتماءات الحزبيّة؟ ولا يفهمنّ أحد هنا أنّ في هذا الطّرح دعوة لاستثناء من ينتمون إلى فصائل وأحزاب، وإنّما هي دعوة لاختيار الكفاءات الأدبيّة والإبداعيّة بغضّ النّظر عن انتماءاتها السّياسيّة، لأنّها القادرة على إيصال قضايانا بمصداقيّة عالية.
وهنا دعونا نتذكّر كيف شكّل كتّاب وأدباء الوطن الذّبيح "رابطة الكتّاب الفلسطينيّين" في الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة، قبل قيام السّلطة الفلسطينيّة بعشر سنوات، واتّخذوا القدس الشّريف عاصمة دولتنا العتيدة مقرّا رئيسا للرّابطة، وتجمّعوا وأصدروا كتبا وقاموا بنشاطات ثقافيّة تحت ظروف غاية في الصّعوبة، وبإمكانيّات مادّيّة متواضعة اعتمدوا فيها على جيوبهم شبه الخاوية، ولا أعرف كاتبا واحدا من الأراضي المحتلة لم يتعرّض للاعتقال والتّعذيب قبل اتّفاقات أوسلو سيّئة الذّكر، والتي أشبعتها اسرائيل قتلا وتنكيلا.
ولسنا بحاجة إلى التّأكيد بأنّ الكتّاب والأدباء هم المرآة الحقيقيّة لشعوبهم وأمّتهم، وهم ناصحون وناقدون وموجّهون للقادة السّياسيّين، وبالتّالي فإنّ أيّ تدخّل حزبيّ أو أمنيّ في شؤونهم هو بمثابة قتل لإبداعاتهم.