يوم الثلاثاء وضعنا دانييل في الصف الاول. في المساء السابق حاولنا تهدئته؛ فقد غنينا له عن السنوات الخمس، عن الحمام، ووعدنا بأنه سيسير غدا نحو مستقبل كله معرفة. وفي اليوم التالي حضرنا له الحقيبة المدرسية الاولى وساندويش المدرسة الاول وألبسناه قميصا ابيض، وصورناه مع الأم والأب في الحديقة، وأحضرناه الى جانب المدرسة في الحي، حيث تعلمت أمه ايضا.
أصعدناه الى الحافلة المزينة، حيث جلس مع عشرات الاولاد محدثي الضجيج. وتجمعنا مع عشرات الأهالي المنفعلين حول حافلة الاطفال التي تحمل أغلى ما عندنا. سرنا وراءها حتى بوابة المدرسة، ودخلنا الى الساحة. المدير، المعلمون والمعلمات، الملعب، استقبال الاحتفال بالطلاب الكبار، والخطابات التي لا بد منها، والدموع التي لا يمكن منعها والأمل.
نظرت الى دانييل واصدقائه وصديقاته وفكرت. إن الله أضاء وجوههم. على مدى التاريخ اليهودي كان القليل فقط من الاولاد لهم حظ مثلهم. في الشرق الاوسط لا يوجد اطفال لهم حظ مثلهم. لقد ولدوا بعد الانتفاضة الثانية وحرب لبنان الثانية وعملية "الرصاص المصبوب"، ترعرعوا خلال سنوات الوفرة والفيس بوك وغوغل، الجهاز الصحي جيد وقد منحهم الصحة، اللهم لا حسد. جهاز أمن متطور منحهم الأمن، سوق حرة مزدهرة منحتهم الراحة والتسلية. أما نحن الآباء فقد قلبنا العالم من أجلهم، عملنا اياما وليالي حتى لا ينقصهم شيء.
حينما خطا هؤلاء الصغار، هذا الاسبوع، الى الصف الاول في حياتهم فان نقطة انطلاقهم كانت استثنائية. متوسط العمر في الدولة التي يعيشون فيها هو من الاعلى في العالم. نسبة السعداء في وطنهم تحلق في السماء. بلادهم هي احدى البلاد ا لاكثر ابداعية في العالم. آباؤهم وأمهاتهم لم يمنحوهم شيئا واحدا فقط هو دولة تقوم بعملها، حكومة تحكم، برلمانا على مستوى، جهازا حكوميا يوحد قبائل اسرائيل ويقود دولة اسرائيل ويضمن مستقبل المواطنين الذين يبلغون ست سنوات.
بعد أن تركنا دانييل وصديقاته واصدقاءه الذين سيتعلمون في الكرفان الأف باء، فكرت في أنفسنا – الآباء. ما فعلناه خلال الثلاثين سنة الاخيرة ليس قليلا. فعلنا من اجل بيتنا واولادنا وصنعنا اقتصادا ينمو ومجتمعا يتطور وثقافة مفتوحة. لكننا لم نصنع دولة. لم نصنع ذراعا منتخبة جديرة، ذراعا تنفيذية جديرة وميدان مدينة جديرا. بالعكس. أهملنا البنية الديمقراطية التي ورثناها عن مؤسسي الدولة.
خدعنا أنفسنا في أنه يمكن العيش بشكل جيد بدون سياسة قيمية وبدون بنية جماهيرية نوعية. أخطأنا في هذا وفشلنا في ذاك. اخطأنا بحق أنفسنا وبحق أبنائنا وبناتنا، لهذا لم ننجح في تقسيم البلاد وتوحيد الأمة. لذلك ثبتنا القيادة ونشرناها في كل الاتجاهات. وبسبب ذلك نقف الآن في وجه قوى ظلامية تهدد كل شيء. الاجيال السياسية الضائعة منذ حرب" يوم الغفران" مسؤولة عن ذلك، لأن التهديد الاساسي الذي يحلق فوق رؤوس اولادهم هو التهديد من الداخل. ضياع المغزى وضياع الطريق وضياع الـ "معاً" وضياع القيم المشتركة والهوية الموحِّدة والحلم.
من يُنجب الاولاد يُنجب الأمل، ومن يُنجب الاولاد ملزم: لا يستطيع العودة الى الوراء. متأخر متأخر جدا، لكنه ليس متأخرا كثيرا. ملزمون، ببساطة ملزمون، أن نبدأ باسرائيل من جديد. أن نبدأ بالتصحيح. ليس بعد غد وليس غدا، بل اليوم.
عن "هآرتس"
مقررة أممية: يجب وقف "الوحشية" الإسرائيلية المستمرة في غزة
07 ديسمبر 2024