الانسحاب الأمريكي والمخاوف الإسرائيلية

حجم الخط

بقلم عوني صادق

 

جاء القرار الأمريكي الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من الشمال السوري، ليثير المخاوف الأمنية «الإسرائيلية» مجدداً، بعد أن كانت قد اختفت تقريباً، مع إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، الذي كان يعتبر الإنجاز الأكبر لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى جانب قرارات ترامب الأخرى المتعلقة بالقدس المحتلة، ونقل السفارة الأمريكية. وقد رأى محللون عسكريون «إسرائيليون» في قرار الانسحاب خطوة من انسحاب أمريكي استراتيجي من الشرق الأوسط، بما يفسح المجال لإيران لتعزيز نفوذها في المنطقة، وزيادة ما يمثله هذا النفوذ من تهديد ل«إسرائيل». ونتيجة لهذه «الرؤية»، برز ما يشبه الإجماع لدى هؤلاء المحللين على ضرورة إجراء تغييرات في أوضاع الجيش «الإسرائيلي» تتطلب ميزانيات أكبر لرفع قدراته في المجالين الجوي والاستخباري.

قبل التطورات الأخيرة، ومع مطلع العام الحالي، وبالرغم من التركيز المعتاد الذي كان يشدد نتنياهو من خلاله على «الخطر الإيراني»، كان المحللون «الإسرائيليون» يؤكدون أنه «بخلاف الانطباع الذي يحاول رئيس الوزراء إثارته لدى الجمهور لاعتبارات سياسية وحزبية، فإن الوضع الاستراتيجي والاستخدامي ل«إسرائيل» يتحسن، والمخاطر والتهديدات قليلة»(معاريف- يوسي ميلمان- 2019/‏2/‏14).

ففي رأي المحلل العسكري لصحيفة (هآرتس- 2019/‏10/‏18)، عاموس هرئيل، أن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكية (يوم 17 الجاري)، مايك بومبيو، كانت بهدف «التهدئة» والتطمين بأن الانسحاب الأمريكي لن يؤثر في موقف بلاده تجاه «إسرائيل»، ولن يغير من دعمها لها، أو دفاعها عن «أمن إسرائيل»، وهو ما أكده بومبيو في مقابلة أجرتها معه صحيفة (جيروزاليم بوست- 2019/‏10/‏18). لكنه بدلاً من أن يخفف من المخاوف «الإسرائيلية» زادها، ربما دون أن يقصد، عندما قال للصحيفة «إنه يأخذ التهديدات الإيرانية على محمل الجد، وهناك احتمال أن تقوم إيران بمحاولة الهجوم على «إسرائيل» بالطريقة ذاتها التي تم بها الهجوم على السعودية»! مراسل الشؤون العسكرية لصحيفة (معاريف- 2019/‏10/‏18)، طال ليف رام، لم يعط أهمية كبيرة لزيارة بومبيو، وظل عند الرأي القائل إن «أداء الولايات المتحدة سيؤدي إلى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ويقلق الأجهزة الأمنية الإسرائيلية» ويستدعي تغييرات في الجيش «الإسرائيلي» تتصل باحتياجاته وتحول دون التدهور على الجبهة الشمالية!

ما يتخوف منه «الإسرائيليون»، هو أن يكون موقف أمريكا مشابهاً لموقفها تجاه الأكراد، بل وقبل ذلك كان الموقف الأمريكي المحبط بعد إسقاط إيران الطائرة الأمريكية المسيرة. لكن في الوقت الذي يتركز فيه الحديث على الجيش وضرورة التغييرات المطلوبة فيه، هناك أصوات قليلة ترى أنه بدون «تسوية سياسية» مع الفلسطينيين لن تكون الإجراءات العسكرية كافية لمواجهة الخطر الإيراني! ومن زاوية النظر هذه، كان المقال الذي كتبه وزير العدل «الإسرائيلي» الأسبق، دانييل فريدمان، ونشرته صحيفة (يديعوت- 2019/‏10/‏16).

يقول فريدمان في مقاله متحدثاً عن الوضع الذي تواجهه «إسرائيل»: إننا نقف أمام مشكلة مزدوجة؛ دونية على المستوى الدولي، عقب العقدة مع الفلسطينيين، ومشكلة وجودية على المستوى العسكري مع إيران. وهذا خليط خطير! وبعد أن ينتقد سياسة نتنياهو التي يراها «تقوي حماس، وتضعف أبو مازن»، بينما يجب أن يكون العكس حسب رأيه، ينتهي إلى القول: إن الفجوة مع الفلسطينيين واسعة ولا يمكن معها تحقيق «سلام كامل» معهم في المدى المنظور، لكن تسوية لمدى متوسط (يقصد تسوية مؤقتة) ممكنة! وستساعدنا على المستوى الدولي وتضعنا، في المواجهة مع إيران!!

ويساهم في تعظيم هذه التخوفات الأمنية «الإسرائيلية» عقدة تشكيل الحكومة التي فشل نتنياهو بتشكيلها للمرة الثانية، واضطراره لإعادة التفويض إلى رئيس الكيان الذي كلف زعيم تحالف (أزرق- أبيض) بني جانتس، دون أمل بقدرته على تشكيلها، وحيث تظهر الحاجة إلى قيام حكومة مستقرة، ورئيس حكومة «متفرغ لوظيفته»، وهو ما يرجح الذهاب إلى إجراء الانتخابات للمرة الثالثة، واستمرار الحال!! وفي المقابل، ينشغل الفلسطينيون في مسائل تبدو خارج الموضوع تماماً!!

عن الخليج الإماراتية