عندما سُئلت عن موقفي من النقاب استغربت الأمر وعالجت السؤال بسؤال مقابل..عن مبررات ودوافع النقاش كونه يُصَنّف من التابويات، خوفاً أو نفاقاً، لأتفاجأ بأنه استُحْضِر على خلفية نقاشٍ مصغَّر من أجل التباحث والاتفاق على صورة لغايات إعداد مُلْصق أو شعار يُظْهر تنوع النساء من خلال مظهرهن؛ بما فيه استحضار منقبة في الصورة. بمعنى الاتفاق على صورة تعكس تنوعاً مشهدياً للنساء، وذلك في إطار حملة مناهضة العنف ضد المرأة، المنظمة عادة بين اليوم العالمي للقضاء على العنف؛ وبين اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو ما أفرز مواقف متباينة، بين مواقف معارضة لظهورهن في الصورة من جهة، وأخرى متقبلة ومطالبة بوجودها من جهة أخرى..
لا أُخفي سراً معارضتي النقاب، يُرخي ستاراً غير نافذ بيني وبين المنقبات، أعتبره كأحد أشكال الظلم والإجحاف بهن وبنا، يخفي ردود فعلهن وانفعالهن، ويسهم في طمس خصوصيتهن وفردانيتهن وهويتهن، بل أشعر بأنه يحولهن إلى جماعة متجانسة ومتطابقة.
الموقف العاطفي والفكري من النقاب مسألة، بينما النقاش حوله مسألة ثانية، فالنقاش برأيي لا يستوي مطلقاً دون حضور منظومة الحقوق والخيارات والحرية الشخصية. دون ذلك، يدخل الحوار في دوائر الإقصاء والاستبعاد والتعنيف، معطوفا على تجاهل وجود المنقبات المتنامي، في الضفة الغربية وقطاع غزة أو عدم الاعتراف بوجودهن. ودون قصد، يقود إلى نفيهن عن الصورة ونفي تعرضهن للعنف والتمييز، ربما النقاب أحد أشكالهما، وينفي عن العنف ضد المرأة اختراقه المعتقدات والثقافات والطبقات الاجتماعية، وبأن لا علاقة له بالمظهر والشكل واللباس. وفي النتيجة: تغييبهن عن صورة لا يعني عدم وجودهن.
ولكي يستقيم النقاش، لا بد كذلك من توازيه مع النقاش المماثل الدائر في أوروبا، بسبب القرارات المتخذة بشأنه في عدد من البلدان الأوروبية، حيث يَطرح الموضوع نفسه بقوة ومفتوح على مصراعيه، حيث يتم الربط بين النقاب وبين الأمن العام كونه يخفي الهوية، وذلك على خلفية محاربة «الإرهاب» وبحجة إعاقة سياسات إدماج المهاجرين من الدول العربية والإسلامية خاصة التي شهدت تحولات اجتماعية وسياسية دراماتيكية.
النقاش بالتوازي، من أجل معالجة منطقية على معيار وقاعدة حقوقية واحدة، بعيدة عن التعامل بازدواجية لدى اتخاذ المواقف أو تجزئة الحرية الشخصية أو التمييز في استخدامها. غير ذلك، فإن الحكم بنص أيديولوجي، لا يندرج في سياق المعالجة الحكيمة لانه أقرب الى رد فعل ميكانيكي متسرع، ومن ثم استتباعه بالتجاهل والاستبعاد يبتعد بالنسوية عن مبادئ الحقوق الشخصية وحرية الاختيار.
وفي اعتقادي أن إقصاء المنقبات عن الصورة نهائياً أمر غير مستحسن من الناحية الحقوقية والدستورية باعتبارها أولاً وأخيراً مواطنة لها ذات الحقوق وعليها ذات الواجبات كما أيّ مواطن، والاقصاء أولاً وأخيراً، يولِّد التوتر والعنف والكراهية، وهي أمور غير محبَّذة خاصة في مجتمع منقسم سياسياً بما يؤدي الى مزيد من الاصطفافات، ويبتعد بالنسوية عن مبادئ الحقوق الشخصية وحرية الاختيار. علاوة على أن عدم معرفة دوافع ارتداء النقاب يوقع في التعمية عليها، فقد يكون النقاب سياسيا ومؤدلجاً، وقد يكون مفروضاً وقسرياً وإملائياً، وقد يكون لأسباب دينية وقناعات شخصية راسخة لا تتصل بالهوية السياسية.
التقبل هو الحل، تقبل الحرية الشخصية للجميع دون تجزئة، تقبل التنوع والتعددية، الحوار الحقوقي بعيداً عن الترهيب والتابويات والإقصاء والاستبعاد، وعدم ترك أحد في الخلف أو خارج الصورة، فالنسوية تنطق باسم جميع النساء من مختلف توجهاتهن انطلاقا من حملها أهدافها السامية ممثلة بالمساواة والمواطنة والعدالة للجميع، وأن جميع النساء يجب أن يحظين بمكان في الصورة العامة، من حقهن علينا أن يكن مرئيات وحاضرات في الصورة العامة دون تفرقة أو تمييز.
أخلص إلى القول، انه وبموجب الحق الشخصي والحرية الشخصية في اختيار شكل اللباس الذي يناسب المرأة او الرجل على حد سواء، علينا ان نعوّد أنفسنا على رؤية الاختلاف والقبول به، لأن المبادئ الإنسانية كلٌ واحدٌ لا تقبل الانتقاء ولا التجزئة، فإما أن نقبل بمفهوم الحرية بمعناها الشامل والواسع وبكل الأبعاد وصولاً الى حرية الملبس، وإما ان نرفضها كلياً، وبالتالي ندخل في دائرة الفرض والإجبار والإرغام بالقوة والتهديد والوعيد كما تفعل التيارات الدينية المتشددة، التي لا تقبل التنوعّ والاختلاف، وتحكم على الامور بنظرة ذاتية نرجسية متعالية بعباءة الدين او الايديولوجيا المغلقة.
مصطفى شعبان يصدم الجميع ويعترف للمرة الأولى بزواجه
01 يناير 2025