أزمة المؤسسات المقدسية عميقة وممتدة

حجم الخط

بقلم راسم عبيدات

 

أزمة المؤسسات المقدسية الكبرى من مشافي وشركة كهرباء القدس وغيرها من المؤسسات المقدسية،ليست وليدة اللحظة،او نتاج لأزمة السلطة المالية التي مرت بها قبل سبعة شهور،بل هي ازمة ممتدة منذ سنوات طويلة،وربما عمرها من عمر اوسلو،وكان يجري ترحيلها من عام الى آخر،وكلما جرى ترحيلها كانت تزداد تفاقماً،لأن الحلول التي كانت تجري لأزماتها المالية،هي حلول مجزوءة وترقيعية ،وعبارة عن عمليات إطفاء حرائق،ولكي تصل اوضاع تلك المؤسسات،بعد كل عمليات الترحيل والتأجيل والمماطلة من قبل السلطة في الوفاء بإلتزاماتها إلى حالة تهدد بالإنهيار الكامل لتلك المؤسسات،حتى وصل الأمر بمستشفى الأوغستا فكتوريا " المطلع الى وقف تقديم العلاج لمرضى السرطان،بسبب نفاذ الأدوية من صيدلية ومستوعات المشفى،وهذا كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى،فعلاج هؤلاء المرضى ليس كأي علاج يمكن تأجيله او ايجاد البديل عنه،بل هناك ملحاحية عالية في توفير الدواء لمثل هؤلاء المرضى ...عندما يكون دين المشفى على السلطة متراكماً 200 مليون شيكل،فهذا يحتاج الى وقفة جدية من اهل المدينة بكل قواها ومؤسساتها ولجانها وجماهيرها،هذه الجماهير التي أدركت بحسها العفوي الوطني الصادق،بأنه عليها أن لا تبقى مكتوفة الأيدي إزاء ما يحدث ويجري،فبدأت بطرح مبادرات فردية وجماعية لكي تجمع المال والتبرعات،من أجل إنقاذ حياة أناس يتهددهم خطر الموت الحقيقي،فكل تأخير في توفير العلاج لهؤلاء المرضى يسبب اضراراً جسيمة وخطيرة لهم والتي قد تصل حد الموت.

في كل ازمة تعيشها مؤسسة كبرى من مؤسسات القدس،ترفع إدارة تلك المؤسسة صوتها وتستغيث وتستنجد،وتتدخل السلطة الفلسطينية،لكي تسدد جزء بسيط من التزاماتها المالية،وتقرن ذلك في تبرير عدم القيام بمسؤولياتها تجاه المؤسسة بان هناك فساد وترهل وخلل إداري في تلك المؤسسات،في خطوة هروب للأمام والقاء للوم والمسؤوليات على إدارة تلك المؤسسات،والتي غالباً ما يكون وجودها بقرار وتعليمات منها،وبالتالي على السلطة ان تقوم بدفع كامل التزاماتها للمشافي وشركة كهرباء القدس وغيرها من المؤسسات المقدسية،ومن ثم يجري فحص اي فساد او ترهل وخلل إداري ومعالجته على قاعدة كشف ومحاسبة الفاسدين وإجبارهم على إعادة المال المنهوب والمسروق،او الحجز على اتعابهم ومستحقاتهم، والإستغناء عن خدمات ممن هم عبئاً على المؤسسة وغير منتجين،او العمل على تدويرهم في قطاعات أخرى،او نقلهم الى مؤسسات بحاجة الى عاملين،في إطار تعزيز صمود المقدسيين وتثبيت وجودهم،وكذلك لا يجوز ان تجري التحويلات الطبية من الضفة الغربية لمشافي في الضفة او في " اسرائيل" على حساب مشافي القدس،فهناك منتفعين ومستفيدين من عمليات التحويل تلك سواء في مؤسسات السلطة أو اطباء ووسطاء وغيرهم،ممن ينتفعون من تلك التحويلات في إلإطار الشخصي،حتى لو كان ذلك على حساب قضية كبرى كقضية القدس.

اللقاءات والإجتماعات والمفاوضات بين ادارة تلك المؤسسات وقادة السلطة والمنظمة،تبقى في إطار الوعود والمعالجات الجزئية والتسكينية التي تبقي النار تحت الرماد،والإنشاء الممجوج والخطب الرنانة عن ان القدس خط احمر ومؤسسات القدس لا يجوز المساس بها،وهي صروح وطنية في مدينة القدس،وأهم معالم الوجود الوطني الفلسطيني وغيرها من الشعارات التي تحتاج الى ترجمة لفعل على الأرض وليس سياسة " تبويس" اللحى و"الطبطبة" و"لم الطابق" المسألة تحتاج الى جرأة في طرح الحقائق ووضع النقاط على الحروف والذهاب الى حلول ذات بعد استراتيجي،لا يجعلنا كل عام نقف امام ازمة لمؤسسة كبرى المقاصد...المطلع ...الهلال ..شركة كهرباء القدس ..المسرح الوطني وغيرها من المؤسسات المقدسية...نحن نفهم بان السلطة يجب التعامل معها،ليس كرب عمل او بنك للدفع،فإذا كان هناك فساد وترهل إداري في المؤسسات التي يجري تمويلها،فيجب أن يشهر سيف المحاسبة وعلى قاعدة الأدلة والإثباتات،وليس على قاعدة الولاء الحزبي او التنظيمي وغيره.... وكذلك إدارة تلك المؤسسات عليها ان تتواصل مع المقدسيين بقواهم وفعالياتهم وجماهيرهم،من أجل خلق أجسام داعمة ومساندة لتلك المؤسسات،وكذلك مطلوب منها ان تخلق جسم تنسيقي يشمل أكبر عدد من مؤسسات المقدسية ذات الوجود الحقيقي على الأرض،وأن تتحرك عبر أوسع فضاء عربي واسلامي ودولي من اجل الحصول على دعم مالي لتلك المؤسسات التي وجودها في المدينة،هو واحد من اهم ركائز حماية الوجود وتعزيز الصمود في مدينة القدس ...نحن في مدينة القدس قوى ومؤسسات ولجان ومرجعيات على اختلاف تسمياتها،ما يهمنا بالأساس ليس التصادم او خوض صراعات ومناكفات مع هذه المرجعية او تلك،نحن نريد ان يكون الصوت المقدسي مسموعاً وحاضراً عند صناع القرار،وان يستجيبوا الى طلبات المقدسيين،فالحرب التي تشن عليهم من قبل الإحتلال،بلغت حد " التغول" و"التوحش" والإستهداف لهم حتى في أدق تفاصيل حياتهم اليومية اقتصادية واجتماعية،وليس في إطار تحميل "الجمائل" او المزايدة على احد،اهل القدس يسجلون فقط بمجرد صمودهم في المدينة بطولات حقيقية،فهم حجر عثرة امام تغيير واقعها الديمغرافي وتطبيق ما يعرف بصفقة القرن الأمريكية لجعلها عاصمة لدولة الاحتلال،فوجود المقدسيون وتشبثهم بأرضهم والصمود في قدسهم،يدفع كل عام صناع القرار الإسرائيلي،للبحث في كيفية التخلص منهم،عبر مبادرات ومشاريع تستهدف،طردهم وترحيلهم الى خارج حدود ما يعرف ببلدية القدس،واهل القدس يعرفهم الجميع،كانوا رأس الحربة في معارك الدفاع عن الوجود والبقاء ومنع تغيير طابع المدينة ومشهدها العام وهويتها وتاريخها وتراثها وهوائها،وهم دوماً كانوا مفتاح الحرب والسلام في كل المنطقة،وخاضوا المعارك والهبات الجماهيرية المتلاحقة مع الاحتلال،وسجلوا عليه إنتصارات حقيقية،معركة وضع البوابات الإلكترونية على بوابات المسجد الأقصى تموز /2017،وعدم المشاركة في الانتخابات لبلدية الاحتلال تشرين اول/2018 ،وها هم يخضون معركة الدفاع عن هوية القسم الشرقي من المسجد الأقصى مصلى باب الرحمة ومقبرة باب الرحمة،والتي يسعى الاحتلال لسيطرة عليها من اجل تغيير الطابع القانوني والتاريخي للمسجد الأقصى وتقسيمه مكانياً.

المقدسيون يطالبون السلطة الفلسطينية،ان توفر اكبر قدر ممكن من الدعم المالي للمقدسيين،فما يضخ من ميزانيات للقدس لا يساوي 1/100 من الميزانيات التي يضخها الاحتلال على تهويد المدينة،ويكفي ان نذكر بان ميزانية بلدية الاحتلال للعام الماضي 7 مليار و 300 مليون شيكل ،عدا الأموال التي تضخ من الجمعيات الإستيطانية والحكومة لتهويد المدينة وأسرلتها،القدس تحتاج الجميع مقدسيون وفلسطينيون وعرب ومسلمين،ولذلك مسؤولية حماية مؤسسات القدس والدفاع عنها،مسؤولية جماعية،ولكن على السلطة ان تفي بإلتزاماتها ووعودها لأهل القدس،فالقدس ليس مجرد شعارات ترفع ،او عود لا تنفذ،واهل القدس بحاجة لكشوف  من صناع القرار عن الأموال التي صرفت ودفعت لأهل القدس،لكي نعرف لمن أعطيت وكيف جرى صرفها.