لبنان ليس مجرد ثورة وإنما فرصة تحول تاريخية

حجم الخط

بقلم: منيب رشيد المصري

 

لم يتوقع أي شخص متابع للشأن اللبناني أن تذوب كل أشكال الطائفية التي بني عليها المجتمع اللبناني عبر العقود الماضية بهذه السرعة وعبر ثورة شعبية وشبابية صادقة ، نعم لقد فاجأ الشعب اللبناني العالم بأسره بحجم حبه لوطنه ولروح المسؤولية عنده وبمستوى وعيه الوطني والثقافي .

علينا أن ندرك تماما بأن لبنان ليس أمام مجرد ثورة ستجلب إصلاحات سياسية أو اقتصادية وإنما أمام مرحلة تحول تاريخية ستكتب مستقبل لبنان بحروف من ذهب،مرحلة تحول من الطائفية إلى الوطنية الخالصة لأجل والوطن ، مرحلة التحول من الاقتسام للسلطات والمقدرات إلى نظام يقوم على أساس سيادة الشعب ومصلحة لبنان فوق كل اعتبار، مرحلة تحول للحد من الفساد ومحاربة الفاسدين ، مرحلة استثمار كل مقومات لبنان لبناء مستقبله واقتصاده .

ويبقى السؤال المركزي الذي يطرح نفسه ويعجز المعظم عن الإجابة عنه هو كيف يمكننا أن نجني ثمار هذه المرحلة التاريخية لصالح لبنان دون المساس بأمنه وسلامة أبنائه ، وتوجيه كل إيجابيات المرحلة لإحداث تغيير جوهري وإيجابي .

رزمة الإصلاحات التي طرحها دولة الرئيس سعد الحريري رغم أهميتها إلا أنها ليست كافية وليست على القدر المطلوب لتلبية الحراك والطموحات للجماهير التي افترشت الأرض والتحفت السماء ، وعلى الحكومة أن تنظر لأبعد من تهدئة الجماهير وإنهاء مظاهر الاحتجاج وتركز بشكل فعلي بكيفية استثمار هذه المرحلة لأجل التغيير الجذري نحو الأفضل .

إنني أعرف دولة سعد الحريري جيدا وأعي تماما وطنيته الخالصة وحبه لهذا البلد وهنا أقول التفكير بشكل جدي بحكومة تكنوقراط ، المطلوب من الحكومة تحويل كل ملفات الفساد إلى القضاء اللبناني النظامي ليأخذ دوره قبل تأسيس هيئة مكافحة الفساد ، المطلوب من الحكومة إن بقيت أو من تأتي بعدها بناء شراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام لصالح الشعب اللبناني ، المطلوب بناء استثمارات لصالح الفقراء والعائلات المستورة ، المطلوب إعادة بناء النظام الصحي العلاجي والوقائي بأكلمه ، المطلوب إصلاح نظام التعليم الأساسي والعالي وتحويله لنظام منتج وربطه باحتياجات سوق العمل وقطاع الصناعة ، المطلوب تأسيس وقفيات إنمائية لتحسين الظروف المعيشية في لبنان ، المطلوب استثمار قوة الجهاز المصرفي في لبنان لطرح سندات الأثر الإنمائي بدلا من إقراض الحكومة ، هذا وغير ذلك من الأفكار الخلاقة التي يمكن أن تبني لبنان الغد بأبهى صورة .

أما الشعب اللبناني فالمطلوب منه أن يبقى على نفس الدرجة من المسؤولية والالتزام والحفاظ على مقدرات الوطن وسلامته ، المطلوب منهم الإعلان فورا عن تأسيس حزب مستقل من الشباب والجماهير الثائرة لتخوض الانتخابات المقبلة بطريقة مختلفة ، المطلوب من الشعب أن يصمم على تغليب المصلحة الوطنية على أي مصلحة فئوية ، المطلوب من الشعب البناني المضي قدما بمطالبه العادلة وبأرقى الصور السلمية والحذر من أي جهات داخلية أو خارجية تحاول حرف مسار الحراك وتحويله من حراك عفوي إلى حراك سياسي .

لا أكتب عن لبنان كقضية تهمني كأي عربي فلبنان ليس فقط وطنا أحبه وإنما الحضن الدافئ الذي احتضنني وزملائي القادمين من نابلس عام ١٩٤٨ وكنا في ذلك الوقت في عمر الصبا وتتلمذنا على يد الأديب مارون عبود وغيره من الشخصيات اللبنانية الوطنية العظيمة ممن عَلمونا حب الوطن والأمة ثم عدت الى لبنان لأعيش عشرين عاما متواصلة أحببت من خلالها لبنان بكافة تفاصيله.

إذا كانت الجغرافيا لغة لبنان على الأرض فالتاريخ لغة الإنسان على الأرض وقد حانت الفرصة لكتابة تاريخ يليق بلبنان وأبناءه ، لبنان الثورة ، لبنان المقاومة ، لبنان الحرية ، لبنان الذي قهر الصهاينة ، لبنان العزة الذي نهون لأجله ولا يهون ولن نقبل أن يهون .