الانتخابات: هل نحن أمام اختراق؟

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

عبد المجيد سويلم

ما صدر عن نتائج اجتماعات لجنة الانتخابات المركزية مع الفصائل في غزة، وما كان قد أُعلن من نتائج أولية عن اجتماع د. حنا ناصر مع الفصائل في الضفة قبل التوجه إلى قطاع غزة، يفتح نافذة كبيرة لدخول الهواء النقيّ إلى غرف الانقسام في البيت الفلسطيني.
هواء فاسد في دهاليز الانقسام كاد يخنقنا ويفتك بنا جميعاً.
الدكتور حنا ناصر، وهو شخصية إجماع وطني شامل من حيث التقدير والاحترام والمهنية عاد إلى الرئيس بإنجاز لا يمكن التقليل من شأنه في هذه المرحلة الأولية، وربما أبعد من الأولية، إن كان لجهة حصوله على وثيقة مكتوبة بقبول البدء بالانتخابات التشريعية ثم الرئاسية، وبعدها انتخابات المجلس، أو كان لجهة بحث قضايا كبيرة أخرى. ولهذا يسجل للجنة الانتخابات المركزية، أيضاً، شمول ترتيبات البيت الفلسطيني عدة مفاصل أخرى، من بينها، منظمة التحرير الفلسطينية والشراكة الوطنية، وكذلك الدائرة الوطنية الواحدة. بكل المقايس هذه الإنجازات هي بمثابة نقلة نوعية كبيرة، يرجح ان تعبر بنا الى اختراق سياسي وطني كبير، ما لم «يتبرع» احدنا من أصحاب المشاريع الخاصة بوضع هذه الإنجازات الهامة وإدخالها في أحد الأبواب الدوارة من جديد. والحقيقة ان أسباباً «موضوعية» على  ما يبدو قد أفضت الى ما تم إنجازه حتى الآن، دون إغفال الدور المميز للجنة. لم يكن اعلان الرئيس من على منصة الأمم المتحدة صدفة، ولم يكن هذا الإعلان مناورة سياسية او مجرد «علاقات عامة»، بقدر ما كان هذا الإعلان هو التعبير المباشر والصريح عن العزم على إجراء الانتخابات، والالتزام بوضعها على جدول الأعمال المباشر، والإصرار على أن تكون بمثابة الإنذار الأخير والتحذير النهائي من أن القبول باستمرار حالة الانقسام أصبح مستحيلاً في ظل حجم التهديدات للمشروع الوطني وللحقوق الوطنية.
عندما تيقن الجميع ان ذلك الإعلان كان بمثابة عنوان توجه وقرار حاسم، وعندما أدرك الجميع ان الوضع لم يعد يحتمل المزيد من المماطلة والتسويف والتتويه، تارة بـ «التزامنية»، وتارة أخرى بـ «البرنامجية»، وأخرى وأخرى.. عندما تيقن الجميع ان الامور قد وصلت الى هذا الحد ـ وربما أكثر وأبعد ـ تراجع خطاب التبرير والتذرع والبحث عن المهارب.
وعلى ما يبدو فقد أدرك كل من كان عليه ان يدرك، ان لا أمل مطلقاً، ولا فرصة أبداً لشرعيات جديدة، أو بديلة، أو موازية، وان النظام السياسي الفلسطيني سيعاد بناؤه وإصلاحه وتأكيد شرعيته ووحدته وان الفيتو او «حق النقض» لا يملكه اي فصيل او جهة او تنظيم مهما كان قوياً او متحكماً او حاكماً صغيراً او كبيراً، بما في ذلك حركة فتح نفسها، وعلى ما يبدو، أيضاً، فقد فهم الجميع، وخصوصاً حركة حماس، ان الواقع الوطني أولاً، والقومي الاقليمي ثانياً، والدولي ثالثاً لن يقبل أو يرتضي بقاء حالة الانقسام، او اعطاءها اي شكل من أشكال «الشرعية»، أو التعامل مع الانقسام حتى من «بوابة» الظروف الانسانية، في ظل عقلية التحكم التي سادت منذ الانقلاب وحتى اليوم.
وحتى تركيا وقطر ـ على ما يبدو ـ فهمتا الرسالة جيداً، وربما أنهما بصورة او بأخرى قد «وشوشتا» حركة حماس بضرورة التعقل.
وليس لدي شك في أن مصر قد قالت لحركة حماس ما يجب ان تقوله من ان العلاقة «الميدانية» بين مصر والفصائل في القطاع يستحيل ان تكون على حساب الموقف المصري من الشرعية الوطنية، وأن لا مخرج من الأزمة في القطاع خارج إطار الشرعية. ويبدو، أيضاً، أن المراهنة على بعض «المثالب» و»الثغرات» التي يمكن ان تنطوي عليها الانتخابات جرّاء محاولات منعها من قبل حركة حماس في القطاع، او من قبل حكومة الاحتلال في القدس ... لن يكون لها من التأثير او الأهمية بما يطال شرعيتها، او يمس صدقيتها، بالرغم من أنها ستكون على درجة او أخرى من «المجزوئية»، او انها ستكون «منقوصة» الاجماع والتوافق الشامل.
وهناك اسباب أخرى كثيرة حالت دون الاستمرار في التعنت والتنصل والتسويف الذي شهدناه على هيئة «فصول» ممسرحة من «العلاقات العامة».
فقد استوعب أصحاب مشاريع الإبقاء على التحكم بالقطاع او التشبث به، وتوظيفه للمساومات التي «تؤمن» لهم اعلى درجات ومستويات من المصالح الخاصة، من أن الإبقاء على هذا التحكم يمكن ان «ينجح» طالما ان الحديث عن إنهاء الانقسام ظل ويظل في اطار المحاولات، وفي إطار الحوارات والمفاوضات. اما وان الامر قد انتقل إلى دائرة «الحسم الشرعي» فقد اختلف الأمر.
والأهم ان الإبقاء على هذا التحكم في ظل الازمة المعيشية الخانقة في القطاع، وفي ظل خروج مئات الآلاف في لبنان والعراق وبلدان عربية أخرى رفضاً لامتيازات «المتحكمين»، ومطالبة بكرامة لقمة العيش وبالتغيير، وإفساح المجال للشعوب في قول كلمتها.. في ظل كل ذلك اصبح «التراجع» حتمياً، لأن عدم التراجع من حيث الكلفة السياسية أعلى بألف مرة من «بقاء» الحال على ما هو عليه.
لم تعد تجدي نفعاً شعارات «المقاومة» و»الممانعة» في التغطية على ضغوط الحياة الخانقة في القطاع، ولم تشفع تلك الشعارات لأصحاب المشاريع الخاصة لا في لبنان ولا في العراق ولا في أي بلد عربي آخر، كما ان المراهنة على تطمينات إسرائيل بالإبقاء على حكم حركة حماس في القطاع قد انهارت مع أفول عصر نتنياهو، وفي ظل حالة الاستعصاء السياسي الكبير فيها، وفي ظل «الوعود» من قبل عدة جهات نافذة في الخارطة السياسية الإسرائيلية «بتغيير قواعد اللعبة» مع القطاع، وقد أثمر هذا الواقع وفرض التراجع والمراجعة بحدود نسبية معينة.
على أنّ هذا التراجع والمراجعة يعتبر بكل المقاييس حالة ايجابية هامة، وتقدما يجب التقاطه والبناء عليه، بل ويجب العمل على احتضانه وإبداء أعلى درجات المرونة لتحويله إلى برنامج وطني شامل للشراكة الوطنية، ولإعادة توحيد كل مؤسسات العمل الوطني في مواجهة كل ما يهدد مشروعنا الوطني وكيانيتنا الوطنية، ربما يمكّننا معاً وسوياً من التصدي له وهزيمته كمرحلة تاريخية تحقق لنا الدخول الآمن وربما الرامي، أيضاً، إلى الاستقلال الوطني الناجز.