لا نريد ان نأخذ تصريحات الاخرين وبالتحديد تصريحات النظام الاردوغاني والاعلام القطري باستهزاء او عنترية او كأن الامر لا يخرج عن مناكفات فالوطن العربي بالكامل وقبله القضية الفلسطينية اصبحت في مهب الريح و اصبحت قضية الامن القومي العربي مطروحة على الطاولة من عدة استهدافات يعتبروها النظام التركي والايراني مناطق فراغ يجب ان تملئ ، فهناك المتربصين بالمنطقة العربية بعضها من قوى دولية وبعضها ذات امتدادات حزبية .
وبداية لا اجد شيئا مستفزا عندما تسلط الاضواء على محمد دحلان منذ شبابه الى وصوله السن ما بعد منتصف الخمسينات من العمر وتزداد اهمية محمد دحلان بمقدار ما وهبه الله من ذكاء وفطنة وقوة استقراء عالية كلها تتجمع في وطنية محمد دحلان وبعده القومي التي تشكل خلايا عقله بالاضافة الى ما يتمتع به من انسانية عالية ترسم تلك اللوحة التي هي محل جدال بين المعجبين و بين الحاقدين .
اردت من هذه المقدمة ان اضع تساؤل لماذا محمد دحلان الذي يذكره الكثيرون في فضائياتهم وصحفهم و مواقعهم و في احاديثهم الجانبية ؟
لقد اعلن دحلان اكثر من مرة انه جندي في محاربة الارهاب و استنساخاته في كل الساحات و عندما تكون المنطقة العربية على شفا حفرة من الانهيار كان لا بد لمحمد دحلان كمواطن عربي و مواطن فلسطيني ان يقف بقوة وبشدة امام كل ما يحاك من انهيارات للدول الوطنية التي اتت بشعائرها الثورية وبالتأكيد كانت تصب لصالح القضية الفلسطينية التي تشكل عقل ووجدان هذا القائد الفلسطيني الفتحاوي التي تمثل شعائر فتح بوطنيتها وعمقها العربي وامتداداتها العالمية هي البرنامج و هي السلوك و هي الموقف و نقطة لارتكاز الذي يتحرك فيه محمد دحلان مساندا او مجافيا لهذا النظام او ذاك .
حضر اسم دحلان وبقوة منذ انطلاقة ما يسمى الربيع العربي في ليبيا وسوريا ولبنان و العراق و مصر والسودان الان و اليمن ، هذا لا يقلل من شأن محمد دحلان او يضعه محل اتهام مادامت موافقه تنبع من موقف قومي ووطني امام تحالفات حزبية لها امتدادات خارج الخيارات الشعبية و الوطنية للشعوب العربية ، فدحلان ليس مدانا ان صحت تلك الاداعاءات ولماذا دائما يقول الكثيرون ان دحلان محل الدفاع عن نفسه لكن من المهم ان نذكر ايضا ايماننا بتحرك الشعوب امام تحركات حزبية تطمح في الاستيلاء على الحكم ليسود نظام الحزب الواحد بما له من مواصفات قد تظلم باقي فئات الشعب ، و التجربة ماثلة امام اعيننا في غزة و ليبيا و في مصر ما قبل ثورة الشعب المصري في 30 يونيو ، دحلان كان بحكم مبادئه مصطفا الى جانب خيارات تلك الشعوب و هذا موقف طبيعي لرجل يحمل من المبادئ الذي تربى عليها في حركة فتح و الوطنية الفلسطينية .
تردد اخيرا اسم محمد دحلان في تركيا و محاولته احداث انقلاب على اردوغان و كما يسمونه بالمنطق الحزبي للاخوان الخليفة المنتظر ، بالتأكيد ان اردوغان الذي تربطه علاقات استراتيجية مع اسرائيل و مواقفه البهلاونية تجاه غزة لم تغير شيئا بالنسبة لغزة و بالنسبة للقدس و بالنسبة لفلسطين التاريخية التي سقطت من الخلافة العثمانية و الدولة العثمانية لتقام اول مستوطنة اسرائيلية في عهدها و لتسلم ما سلمته للانتداب ، اردوغان الذي طالما وصفته صحف عديدة حزبية بأنه الخليفة المنتظر فقد تعرض لعدة هزات عنيفة في تركيا نفسها و ها هو يسقط في كبرى المدن التركية انقرة و اسطنبول حتى و كما فهمنا ان المعارضة ستحضر لصيف ساخن في تركيا من مظاهرات و اضرابات لتأخذ شرعيتها التي اتت بالانتخابات ، نظام اردوغان ينتظر صيفا ساخنا و حارا امام منافسيه بعد سقطات مفضوحة مثل خاجقجي و من ارتكبوا تلك الجريمة و هم مصورون بالصورة و الحدث الذي يستثني اي شبهات اخرى لما يقال ان محمد دحلان وراء تلك الجريمة و لكن تركيا تحاول بقيادة اردوغان ان تغطي فشلها بالصاق التهم و اشغال الرأي العام من جديد باثنين كما تقول “جواسيس ” مكلفين بالكشف عن تنظيم الاخوان المسلمين في تركيا شيء غريب و من السذاجة ان يقتنع احد بالرواية التركية ، اثنين من الفلسطينيين من غزة يقول الاعلام التركي انهم تابعين لدحلان و هم خرجوا مثل الالاف الذين خرجوا من غزة يبحثون عن لقمة العيش و غالبيتهم توجهوا الى تركيا على امل الانطلاق من جديد الى دول اوروبا ، اثنين مكلفين بالكشف عن تنظيم الاخوان من عام 1929 وهو تنظيم عالمي دولي لدى كل اجهزة الاستخبارات في العالم ارشيف كامل لهذا التنظيم ، من السخف ان تصدق تلك الرواية و لكن يبدو ان نظام اردوغان بدأت تهتز عروشه ليس في تركيا فقط بل في السودان الان و هي القصة ذاتها والرواية ذاتها التي الصقت بمحمد دحلان ناهيك عن تقدم حفتر نحو توحيد اراضي ليبيا و اقتحامه للعاصمة طرابلس بجيشه الوطني .
في السياسة لا عواطف ولا تبريرات ولا تعليلات فحركة لاخوان المسلمين هي حركة دائما تطمح للسلطة والحكم و عندما نجح اردوغان في تركيا في عقد و نصف سابق اراد ان يعمم التجربة فالمنطقة العربية و امنها القومي العربي ليست مهددة من ايران فحسب بل مهددة ايضا من انتشار تركيا الداعشي في سوريا و ليبيا و مناطق اخرى في الوطن العربي فابتأكيد في ظل الصراع القائم في المنطقة هناك ثلاثة محاول ، محور يمثل الامن القومي العربي و المشكل من مصر والسعودية و الامارات ، و محور الاخوان تركيا قطر ، و محور ايران العراق سوريا الجنوب اللبناني .
اذا المعادلات واضحة في المنطقة العربية و اجد ان في خضم هذا الصراع كل شيئ جائز للمحافظة على الامن القومي العربي امام حلفين اخرين .
البعد الاخر لمواقف محمد دحلان الذي تشغله ايضا و تأخذ منه حيزا كبيرا هي فلسطين القدس وغزة و المخيمات في الداخل والخارج وتأخذ منه مجهودا خارقا مكلفا يحمل عمقه الوطنية الانساني ، سياسيا كما دعى دحلان مرارا و تكرارا لمصالحة وطنية مبنية على الشراكة في ظل تشكيل حكومة انقاذ وطني و انتخابات رئاسية و تشريعية و مجلس وطني ، لعب دورا في تقارب حماس مع مصر وانفراجات لقطاع غزة هذا لم يكفي محمد دحلان الى ان ملئ الكثير من الفراغ للاسر ذات الحاجة في قطاع غزة و لبنان و مد يد العون لطلبة الجامعات و الجرحى و الشهداء و حل جزئي لمشكلة العنوسة في قطاع غزة بالاضافة الى الالام العقم الي شاركت فيه السيدة الدكتورة جليلة دحلان .
اذا خيارت دحلان واضحة و جلية في التعامل مع جميع الازمات الفلسطينية و العربية و هي واضحة وضوح الشمس لا تحتاج لتأويل او تعليل او تبرير فالمبادئ و القيم لا تبرر ولا تعلل و هذا هو محمد حلان .
من المهم هنا ايضا ان نضع تاريخ تركيا واردوغان ونظامه وحزبه في كفة تقييم نشاطاته في المنطقة وارتباطه بالحركة الصهيونية وركيزتها اسرائيل ، تركيا التي تشكل اكبر مساهمة بقواتها في حلف الناتو الذي دمر العراق وليبيا ومناطق اخرى في العالم هذا النظام الذي تربطه عدة اتفاقيات ومعاهدات وتعاون وعمالة تقنية ونية في داخل اسرائيل تقدر 60 الف عامل تركي :
1- إعترَفت تُركيا بإسرائِيل بَعد إيرَان كثَانِي دَولة إسلاميّة فِي مَارس 1949م أمّا إيرَان فاعتَرفَت بإسرَائِيل عَام 1948م وتمّ وَقف العَلاقَات وطَرد السّفير بِثورة الخُميني الإسلاميّة فِي إيران.
2- تعَاون فِي الشّؤون الإستراتيجيّة والعَسكرية والدّبلوماسِية فِي مَنطقة الشّرق الأوسَط.
3- تَشهَد العَلاقَات تَوتّرًا دُبلوماسيا بخُصوص حِصار غَزة وسِياسَات إسرَائيل فِي القُدس وتصف اسرائيل هذا التوتر بالعنترية الاعلامية التي لا تؤثر على البعد الاستراتيجي بينهما
4- وقّع بِن غُوريون رَئيس وُزراء إسرائِيل مَع عَدنان مَندريس عَام 1958م إتّفاقية ضِد التّطرّف ونُفوذ الإتّحاد السّوفيتي فِي الدّول العَربية والشّرق الأوسَط.
5- فِي عَام 1986م تطوّرت العَلاقات الدّبلوماسِية مِن قنَاصل إلى سُفراء وتمثِيل كَامل عَام 1991م.
6- عَام 1996م وقّعَت حُكومة تُركيا وإسرَائِيل إتّفاقية تَعاوُن عَسكري.
7- تكوِين مجمُوعة واحِدة للبَحث الإستراتِيجي بينهُما.
8- تَدريبَات بَحريّة وجَويّة عَام 1998م.
9- تُزوّد إسرَائيل تُركيَا بالسّلاح المُتطوّر والقُبة الحَديديّة وسِلاح الطَيران والصّوارِيخ البلَاستيّة ودَبّابة الميركَافَا.
10- إتّفاقيّة التّجارة الحُرَة.
11- تعتبر إسرائيل واحدة من أهم 5 أسواق تسوّق فيها تركيا بضائعها، حيث بلغت المبادلات التجارية بين البلدين في العام 2016 أكثر من 4.2 مليار دولار لترتفع بنسبة 14% في العام 2017.
12- الاتفاقيات العسكرية التي بدأت بـتحديث (F - 4) فانتوم تركيا وطائرات (F - 5) بتكلفة 900 مليون دولار، مرورا بترقية إسرائيل لـ170 من دبابات M60A1 لتركيا مقابل 500 مليون دولار، قائمة، وصولاً للاتفاق الذي يقضي بتبادل الطيارين العسكريين بين البلدين 8 مرات في السنة.
كَيف نَفهم العَلاقات التّركية الإسرَائِيليّة مِن وِجهَة نَظر شَرق أوسطِية أو إسلامِيّة أو بِصفَتِها صَاحِبة الإمبراطُوريّة العُثمانِية الغَابرة والتي لاقَت نِهَايتَها فِي الحَرب العَالميّة الأُولى وتَحول تُركيا إلى دَولَة عَلمَانية بِقيادة أتاتُورك، وهَل تُركيا مسؤُولة عَن ضَياع فِلسطين وإقَامة المشرُوع الصّهيُوني الذي بُني على الإنتِداب البرِيطَاني، وهَل هُناك مِن عُقدة الضّمير لدَى الأترَاك تُجاه الشّعب الفِلسطِيني كَما هِي عُقدَة الأَلمَان تُجاه اليهُود نَتيجة مَا يُسمّى مَحَارق اليَهود فِي ألمانيا، أم تقُود تُركيا مَصَالحها مَع الغَرب وتوَازنات المُعادلات فِي مَنطقة الشّرق الأوسَط وكَما ظَهَر أخِيرًا فِي الأزمَة السّورية والكُردية العِراقِية واللّيبية كَما أسلَفنا سَابقًا.
الشّعب الفِلسطِيني لَدَيه مِن التّجربة والذّكَاء أن يفهَم ويعرِف الغثّ من السّمين، فدَحلان لم يكُن يومًا عُنصرًا سَلبيًا أمَام الأزمَات العَربية، بل وَحدويًا لا يتدخّل فِي شُؤونِها الدّاخلية، وكُل همّه وهمّه الوَحِيد، تجنِيد كُل الإمكَانياّت لخدَمة شَعبه وقَضَاياه مُكرّسًا جُهُوده مِن عدّة سَنَوات مَضَت لتخفِيف وَطأة الحِصَار عَلى قِطَاع غَزّة واستفرَاد محمُود عَبّاس بالقَرار السّياسِي والسّلطات الثّلاث، حَيث أصبَحت الحَالة الإستبدَاديّة تُهدّد المَصير الفِلسطينِي والشّعب الفِلسطِيني، وهَذا هُو دَور دَحَلان الذي سيُخلّده التّاريخ فِي أشدّ الأزَمَات وأحلَكِها التي يُواجهُها شَعبُه.