رمضان العصار..مات!

حجم الخط

بقلم محمد مناصرة

 

 تواصلت معي الرفيقة فيروز العصار من قطاع غزة الساعة العاشرة مساء الثلاثاء لتقول لي:

- ابو نادر ... صاحبك

- سألتها: ما به

- أجابت: ابويا مات!!!!

يا للهول... قضى (ابو الفهد) رمضان محمد العصار (1936 - 5/11/2019)، قضى العتيق الصديق الصدوق والرفيق المؤتمن على اهداف شعبنا في الحرية، وعلى اهداف اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة الى قرية جولس قريته والى باقي القرى بيت دراس وكوكبة ومدينتي المجدل وعسقلان وباقي قرى ومدن الوطن الموزعة على الجغرافية الفلسطينية.

قضى الرفيق الوفي للطبقة العاملة والفلاحين والمهمشين، قضى ابو الفهد رفيق الثائر وشاعرنا متنبي العصر معين بسيسو ورفيق المرحومين رفاقنا سمير البرقوني وفضل البورنو وعبد الله ابو العطا ومحمد البطراوي والرفاق الخالدين الاخرين الذين لا يتسع المجال لتعدادهم ، رفيق الجيل الذي تمرد على الهزيمة الكبرى عام 1948 ورفع راية النضال والكفاح، واندفع للساحات يغني "نعم لن نموت ولكننا سنقتلع الموت من ارضنا".

قضى أحد القادة البارزين في التأسيس للحركة الشيوعية الفلسطينية المجيدة بعد الهزيمة الكبرى، ولم يهدأ نذر حياته لوطنه وشعبه ولقضية اللاجئين.

في سجن بئر السبع الصحراوي التقيت الرفيق عبد الله ابو العطا الذي اقترح علي لقاء الرفيق ابو الفهد الساكن في معسكر (مخيم) النصيرات واحد من اربع مخيمات وسط قطاع غزة.

وهكذا كان.. وفي ضوء تكليفي من المكتب السياسي للحزب لإعادة بناء الحزب في قطاع غزة الذي تعرض لما تعرضت له الحركة الوطنية الفلسطينية كلها من قمع واضطهاد واغتيالات وحملات اعتقال شملت الالوف من ابنا منظمة التحرير وقواها بمن فيهم رفاق الحزب الذين غيبوا في المعتقلات الاسرائيلية او فرضت عليهم الاقامات الجبرية.

وفي اول زيارة لي لقطاع غزة بعد خروجي من السجن كان الرفيق ابو الفهد أول من استحضرت اسمه في عقلي لزيارته في بيته غربي مخيم النصيرات في حي البحر.

حظيت بدفء رفاقي واستقبلت بشهامة كانت تمدني بالقوة والعزم على المضي قدما في مشروع اعادة التأسيس للحركة الشيوعية في قطاع غزة والمضي قدما في تنفيذ خطة لجنة التوجيه الوطني بإعادة الاعتبار للحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية والتأسيس للحركة والعمل الجماهيري في قطاع غزة وكان هذا سلوكا ونهجا غير مسبوق في قطاع غزة او لنقل تأسس في الخمسينات بقيادة معين بسيسو ورفاقه وتعرضت تلك الجهود للنكوص بسبب حملات القمع والاعتقال التي تعرض لها الرفاق في الحقبة المصرية قبل العام 1967 حيث أودع غالبية الرفاق في السجون المصرية، وفيما بعد الهزيمة اعتمدت جميع القوى السياسية في منظمة التحرير الكفاح المسلح بمن فيها الحزب حيث سحق جيش الاحتلال ظاهرة الكفاح المسلح عام 1971 وشهد القطاع فراغا سياسيا حاولت اسرائيل بتعبئته بإنشاء المجمع الاسلامي وترخيص الاف الجمعيات الاسلامية في كل حارة وزقاق بمخيمات ومدن وبلدات قطاع غزة الامر الذي اخذته لجنة التوجيه الوطني في حينه وقيادة الحزب بالاعتبار، هذا ما يفسر اهتمام وتكليف الحزب بإعادة الاعتبار وتأسيس الحركة الجماهيرية من جديد باعتبار الناس هم القوة وهم ميزة التفوق الوحيدة لدينا على المحتلين الاسرائيليين.

غالبا ما كنت اتردد على البيت السري الذي وفره لي ابو الفهد بعد منتصف الليل ولن انسى ما حييت تلك الطفلة الشقية فيروز العصار (اصبحت طبيبة اليوم) فلم نكن نعود انا وابو الفهد يوما وفي اي وقت من الليل الا ونجدها بانتظارنا تقف خلف الباب وتنظر من خلل الثقوب لمداخل الحارة كي تعرف عن قدومنا، وتكون قد حضرت مع المرحومة والدتها اطيب ابريق شاي مع قلاية بندورة او بيض مقلي او شاي مع زيت وزعتر وهات يا اسئلة تريد طفلته معرفة اسرار الكون الجغرافية والفلكية والسياسية وعن الثورات وعن اسماء شعراء ومناضلين دفعة واحدة وبالكاد كان عمرها ربما عشرة او اثني عشر عاما واكثر ما كان يبهجها ان تأخذ من والدها المناشير التي كنت احضرها لتوزيعها على مدارس البنات الاعدادية والثانوية.

وفي بيته وضعت خطة هزيمة وفكفكة سلطة الحكم الذاتي في قطاع غزة، كثر لا يعرفون ان اسرائيل انشأت ما أسمته "مديرية الداخلية في قطاع غزة" وكانت جميع الهيئات والدوائر والوزارات تدار من قبل فلسطينيين، جميع جوانب الحياة في القطاع كانت تدار بمديرين عرب وبإشراف ضابط اسرائيلي واحد ينظم العلاقة بين سلطة الحكم الذاتي "مديرية الداخلية" والحكم العسكري. وفي حينه كانت اسرائيل وبالتنسيق مع وكالة الغوث قد أنشأن "لجنة محلية" في كل مخيم من مخيمات القطاع، ولم يكن يعرف ابو الفهد النوم او الراحة، ويدا بيد وكتفا على كتف وفي اقل من شهرين كان جميع اعضاء اللجان المحلية في المخيمات قد أعلنوا انسحابهم من هذه اللجان المسيطر عليها من الاحتلال.

وفيما كنا نشعر بالنصر كان الاحتلال في أوج جنونه خصوصا وان الرفيق ابو الفهد ومع اني كنت شريكه في كل خطوة ولكن للتاريخ هو ومعنا المرحوم توفيق المبحوح من تمكنوا من سلخ اتحاد المخاتير في قطاع غزة برئاسة المرحوم المختار موسى ابو شعبان عن اتحاد روابط القرى، وهما من اقنعا رئيس الاتحاد واعضاء آخرين بإصدار البيان "ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني" وادان بيان الاتحاد محاولات اسرائيل اعتبار اتحاد روابط القرى بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية، والرفيق ابو الفهد هو من سعى لتوفير بيت سري لي في قلب مدينة غزة يخص المختار ابو شعبان بجوار السرايا مقر قوات الاحتلال ولا يفصلني عن معسكر الجيش سوى الاسلاك الشائكة خلف جدران البيت، وبالمناسبة هو البيت السري ذاته الذي كان ممنوحا ويختفي فيه الشهيد غيفارا غزة قبلي احد ابطال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واطلعت على جميع مقتنياته التي تركها في البيت قبل استشهاده في بيت سري اخر.

وبرفقة الرفيق الشريك ابو الفهد ورفاق آخرين توفيق المبحوح وابو سليم (تحول الى جبهة النضال فيما بعد) ورفيقنا الثائر المرحوم منصور رضوان من رفح وعبد الله ابو العطا نجحنا في كشف مخطط تقسيم رفح الفلسطينية عن المصرية تنفيذا لمبادىء اتفاقيات كامب ديفد واكتشفنا فضيحة المحتلين بطرد ما بين 25 - 30 الف فلسطيني من القطاع الى مصر بحجة انه جرى احصائهم في رفح المصرية (رفح سيناء حسب بيانات الاحصاء وباشراف وقيادة ورعاية من الرفيق عبد المجيد حمدان على خطة تنفيذنا لمهام ارجاعهم والمحافظة على هويتهم الفلسطينية ، كانت معركة سياسية كبيرة انتصرنا فيها على المحتلين وانتزعنا قرارا من اعلى الهيئات الرسمية في اسرائيل بمساندة الرفاق الشيوعيين توفيق زياد واميل حبيبي وماير فلنر واخرين اعضاء الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في الكنيست الاسرائيلي باعادة المبعدين الى سيناء الى قطاع غزة، وجرى اسكانهم في مخيم تل السلطان الى الغرب من رفح، وكان الرفيق ابو الفهد ليس مجرد رفيق مناضل،بل كان هو ذاته كشخص بيتا تسكن فيه يوفر لك اهم ما تحتاجه في العمل السري المحبة والدعم وقوة المثال واهم الاحتياجات في العمل السري...الامن.

ما بكم يا رفاق، حتى انت يا ابو الفهد فعلتها، الم يكفني وجع الغياب والفقد حين رحل عني وسبقني للغياب عبد الله ابو العطا وتوفيق المبحوح ومحمد زقوت ومنصور رضوان ومحمد ابو سعدة وعاطف سعد وتيسير العاروري وبشير برغوثي وابو فراس وابو محمود سعادة وفؤاد رزق وخليل توما، مو قابلها منكم ولم يكن هذا اتفاقنا أن تتركوني موجوعا لا استطيع حتى المشاركة في وداعكم، فلا المحتل يا ابو الفهد ولا سلطة الاخوان المسلمين في غزة يسمحان لي بأن اقف لتحيتك ووداعك الاخير.

لروحك السكينة والسلام والخلود صديقي العتيق ورفيق الدرب رمضان العصار ابو الفهد.

احر التعازي لمن بقي من الرفاق في الضفة والقطاع وفيا لنهجك وللقيم التي آمنت بها وللكفاح من اجل تحقيق حق العودة وتحرير فلسطين والانتصار لكل الثائرين من اجل الحرية ويقفون مثابرين في خندق العداء لانظمة القهر والاستبداد.

احر التعازي للاخت الفاضلة نوال ولجميع ابنائك فهد والبقية، والتعازي الحارة للدكتورة فيروز العصار وبناتك الاخريات.

واحر التعازي لجماهير شعبنا وللاجىين الفلسطينيين خصوصا الذين فقدوا رفيقا ملهما ووفيا لحق اللاجئين بالعودة الى قراهم ومدنهم وبلداتهم ولذكرياتهم ولبرتقالهم وزيتونهم الذي ابعدوا عنه.

وداعا صديقي ورفيق دربي رمضان محمد العصار.