الانفكاك الاقتصادي وانفضاض التجار وأصحاب الشفافية من حوله

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

كان كبار مربي المواشي يتدافعون عند الإعلان عن طرح الكوتا لاستيراد الخراف ويتحول من هو ليس مستورداً الى مستورد، والبعض الى شريك من الباطن مع هذا المستورد وذاك، وكل يريد حصة مهما صغرت بأي شكل من الأشكال.
وفي مرحلة الكوتا يصبح الشغل الشاغل قضايا الشفافية والنزاهة وكيف وزعت ومن صاحب الحصة الأكبر، ويكتب الإعلام وتشتعل المواقع الإلكترونية، ويصبح الكل لديه وجهة نظر ويجب ان تراعى، وكان الحديث يدور ليس من خلال مستورد إسرائيلي ويجب ان تخصص للسوق الفلسطيني، ويتفاعل النقاش ويستمر.
فجأة ينقلب المشهد رأساً على عقب لحظة إعلان وزارة الزراعة بقرار حكومي منع شراء العجول من السوق الإسرائيلي، إذ يبادر ذات شركاء الطاولة الذين كانوا يشعلون المنصات الاجتماعية والإعلام والاجتماعات بالحديث عن الشفافية والنزاهة الى زاوية ارتفعت الأسعار في السوق «وهم يعلمون ويدركون انها لعبة تجار لإثارة الرأي العام دون مبرر» «مش بحجم القرار لماذا تأخذونه؟» وهذا بعينه الحرج من قبل كل هؤلاء انهم في الحكومة السابقة كانوا يعلقون كل شيء على شماعتها ويسترسلون، مع الحكومة الحالية ذهبت الى ابعد مما يتوقعون وباتت الحكومة تتقدم الى مربع المعترضين على كل شيء وتملأ فراغا فيه كان متاحا للحكومة السابقة ولكنها كانت تنسحب وتخلي مواقعها.
واضح أن القضية برمتها لم تكن الا منافسة للحصول على الكوتا، وتبادل اتهامات أن هذه الشركة مهيمنة وأخرى اقل هيمنة ولكنها مؤثرة، وهم يبحثون عن شراكة من الباطن، وعندما جاء قرار العجول اختفى الجميع شركات كبرى وصغرى، بواخر أو قوارب.
وهذا درس مهم للجميع أن السند الحقيق هو المؤسسات المجتمعية المؤمنة بحقنا بالانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي ودعم المنتجات الفلسطينية وتعزيز المستورد المعروف، ولن يكون السند لاهثاً وراء الكوتا، أو متمنياً على وزارة الزراعة ان تسمح له بإدخال ثلاثين عجلاً من السوق الإسرائيلي لالتزامات له، ولن يكون سنداً من رفع أسعار لحمة العجل للمستهلك كوسيلة من وسائل الضغط ضد القرار.
نعم، استخلاص العبر مهم، وأهم العبر الإصرار على القرار وهذا واضح، الأدوات التي جرى تعقيمها لتنفيذ القرار لا يجوز أن تكون تجاراً يتناقلون معلومات دون توثيق، فيشغلون بال وزارة الزراعة ووزارة الاقتصاد الوطني أن هناك من يهرّب عبر ترقوميا، وآخرين من ناحية الجلمة، وآخرين من الأغوار، ولا يقومون بأي جهد لاستيراد العجول لإسناد القرار الحكومي، وتارة يقولون استوردنا وتارة في الطريق وتارة وصلت وحُجزت، وفي النهاية نكتشف ان شيئا لم يحدث من قبل التجار.
تمرين استخلاص العبر يجب أن يطال التجار الذين يتهافتون للحصول على الكوتا للخراف، لماذا غابوا؟ لماذا استنكفوا عن الاستيراد او التدخل لنصرة القرار، ومنهم من يقول: لدي مزارع تتسع لآلاف وبإمكاني افتتاح منطقه حجر بيطري!!!!!!!!
تُرى لماذا لم تبادر الغرف التجارية الى احتضان تجربة التجار الذين خفضوا الأسعار للحوم العجل والخراف للمستهلك بصورة إعادته لاقل من سعره قبل قرار منع الشراء من السوق الإسرائيلي؟ حتى أن بعض أعضاء الغرف هاجموا كل من أشار لأهمية تجربة هذه المتاجر في خفض أسعار اللحوم، وذهبت الغرف باتجاه الانتصار لبعض العجول العالقة في السوق الإسرائيلي لأربعة تجار في الضفة الغربية، في الوقت الذي كان فيه الجهد المضاد صوب اسقاط القرار الحكومي.
قلنا مراراً أن الكوتا والانتصار للقرار الحكومي بالانفكاك الاقتصادي لن يكون الا من خلال جمعيات تعاونية كبيرة الحجم، تقوم بالاستيراد والبيع بأسعار معقولة في السوق، تقودها مؤسسات مجتمعية فاعلة وعلى قناعة برؤية الانفكاك تنجز المهمة دون دعاية واعلام، ودون مطالبات مسبقة بسد منافذ التهريب ومعاقبة المخالفين ومن ثم نقرر ان نستورد أم لا، وواضح أنه لا.
كان اللأصح أن تعلن الحكومة عن قرارها بمنع استيراد العجول من السوق الإسرائيلي فقط، ومن ثم تقوم وزارة الزراعة بمتابعة الامر مع المستوردين وانتهينا، ونستيقظ ذات صباح ونجد السوق وقد اشبع بالعجول، الا أن إعطاء فرصة طويلة الأمد من اصدار القرار الى اليوم كانت فرصة لتضارب المصالح من تجار يريدون ان يستمروا بالشراء من السوق الإسرائيلي أو يعلنوا اضراباً، أو يرفعوا السعر الى سقف غير مسبوق للتأثير سلبياً على القرار، أو يتذرعوا بأن القرار ليس محسوماً وسيضغط الاحتلال وسيسقط.
يجب ان نكون على ثقة بأننا نستطيع بالاعتماد على الفاعلين في المجتمع الفلسطيني من عيار التجار الذين وضعوا الوطن همهم الأساس، ولا أرى أن سلوك البعض يؤدي الى الانفكاك الاقتصادي، خصوصاً عندما يبرر البعض أننا لن نتمكن من الانفكاك وتكون الضحية المنتجات الفلسطينية التي ستهاجم من هؤلاء لكي نضرب البديل لحالة الانفكاك، والضحية المستورد الفلسطيني الذي يستورد مباشرة من بلد المنشأ، والضجة المفتعلة أيضا لأننا لن نتمكن من تمتين علاقاتنا الاقتصادية مع عمقنا العربي، على أساس اننا لا نسيطر على الموانئ والحدود!!! مبروك يا وطن.