الانتخابات والوحدة أم استمرار الاحتلال في تنفيذ مخططاته دون إزعاج؟!

حجم الخط

بقلم: فيصل أبو خضرا

 

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

ما يدور في الساحة الفلسطينية من تقدم وتراجع، سواء فيما يتعلق بموضوع الانتخابات او معضلة الانقسام والمصالحة، وما يرافق ذلك من جدالات لا تنتهي وخلافات تظهر الى السطح تارة وتختفي تارة أخرى، فيما الاحتلال ماض في تنفيذ مخططاته لتصفية القضية يدعو إلى التساؤل: إلى أين نسير؟ كما يدعو الى التذكير مرارا بالأوضاع المأساوية التي وصلنا اليها.

سبعة آلاف وحدة استعمارية بنيت منذ تسلّم دونالد ترامب، الداعم للاحتلال الإسرائيلي والصهيونية، الرئاسة الأميركية، هذا عدا عن القتل المتعمد بدم بارد للمدنيين من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي، والاعتقالات اليومية لشبان وشيوخ ونساء واطفال حتى وصل عدد الاسرى والمعتقلين سبعة آلاف، واقتحامات يومية من قبل المستعمرين للمسجد الأقصى والانتهاكات المستمرة للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، ومصادرات وتجريف الأراضي الفلسطينية والاعتداءات اليومية للمستعمرين على المدنيين وممتلكاتهم وغيره من الانتهاكات والممارسات.

ومع الاسف ما زال البعض ينتظر اعلان "صفقة القرن"، التي تبين بانها خدعة ولا يوجد شيء أسمه صفقة القرن ، بل وقائع يفرضها الاحتلال وأميركا لتكريس احتلال جميع الاراضي الفلسطينية وتصفية القضية ولنصبح عبيدا للقوانين التي يخترعها الكنيست الصهيوني، وبموافقة امريكية. واكبر دليل على ذلك تصرفات سفير اميركا، ديفيد فريدمان، الذي كذب على مجلس الشيوخ عندما سأله احد الشيوخ الديمقراطيين اذا كان يوافق على التخلي عن مستعمرة بيت ايل مقابل السلام ، وكان جوابه قاطعا بانه مستعد وموافق، وبعد تعيينه صرح عدة مرات بان ارض الضفة والاغوار غير محتلة، وهو الذي اقنع الخارجية الامريكية بان تصدر في بيانها السنوي بأن هذه الاراضي غير محتلة.

صحيح ان شعبنا يثمن ما تقوم به السلطة الوطنية برئاسة الاخ الرئيس محمود عباس والحكومة برئاسة الأخ الدكتور محمد اشتية من جهد عالمي لتأييد المطالب العادلة للشعب الفلسطيني، وايضاً داخليا بالنهوض بالاقتصاد والتعليم والصحة والزراعة وغيرها داخل ما تبقى من أراض للشعب الفلسطيني، ولكن مع الأسف لم تستطع حركتا فتح وحماس حتى الآن ايجاد الحلول لانهاء هذا الانفصال المخزي والذي يتواصل منذ ١٢ عاماً

لقد استبشر الشعب خيرا بنجاح الاستاذ حنا ناصر، رئيس لجنة الانتخابات المركزية، خلال زياراته الى القطاع ، وما صرح به رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأخ اسماعيل هنية ورئيس حماس في غزة الاخ يحيى السنوار بالاستجابة لدعوة الأخ الرئيس محمود عباس لإجراء الانتخابات وبان حماس جاهزة لممارسة الديمقراطية، التي يفتقدها الشعب الفلسطيني منذ العام ٢٠٠٦م.

وبعد ان استبشرنا خيرا بأن الانتخابات على الأبواب يخرج علينا أحد قياديي حماس ليقول انه لا يمكن اجراء اي انتخابات الا اذا تفاهمنا مع الرئيس على عدة نقاط خلافية! ثم بدأ الجدل حول أمور يفترض الا تثار في هذه المرحلة. أي أننا مازلنا في المربع الأول، وكأن كل شيء على حاله في قضيتنا المقدسة منذ العام ٢٠٠٧م .

الشعب الفلسطيني يثمن عاليا ما قام ويقوم به الاخ حنا ناصر من جهد في انهاء المفاوضات مع قيادات حماس لانجاح اهم ركن ديمقراطي يرضي الشعب الفلسطيني وهو انتخابات ديمقراطية شفافة بعيدة عن منطق القوة ، وإن شاء الله يتم ذلك بأسرع وقت ممكن.

وبعيدا عن موضوع الانتخابات وانهاء الانفصال، فإن الشعب يريد من سلطته الوطنية التي يثق بها طرح برنامجها لوقف اعتداءات الاحتلال ومستعمريه المتكررة اليومية تجاه شعب اعزل شرد ظلما من دياره منذ ٧٢ عاما ، وما زال يعاني من ظلم المستعمر الصهيوني ومن سياسة ترامب اللا أخلاقية سياسيا وقانونيا بعد ان ضرب عرض الحائط ليس فقط القرارات الدولية التي وقعت عليها امريكا والمحتل، وإنما ايضا المبادىء والقيم التي قامت عليها الديمقراطية الأميركية.

اما بالنسبة للانتخابات القادمة، من الجدير التذكير ان اسرائيل لم تحترم اتفاقية اوسلو وانتهكت معظم بنودها بل انها تسعى وبوضوح الى تصفية القضية الفلسطينية، وتسعى غالبية احزابها الحاكمة الى ضم الأراضي المحتلة منذ عام ١٩٦٧، ولم تشر احزابها من قريب او بعيد لاتفاقيات اوسلو او لعملية السلام في اخر حملتين انتخابيتين على الاقل، وبالتالي فإن اي انتخابات فلسطينية قادمة لا تحتمل اي خلاف فلسطيني داخلي حول هذه الاتفاقية التي وأدتها إسرائيل.

هذا من جهة ومن الجهة الأخرى لا يعقل ان تكون شرعية ووحدانية وتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية لشعبنا موضع خلاف في الوقت الذي يعترف فيه العالم أجمع بهذه الشرعية ووحدانية هذا التمثيل، وهي المنظمة التي حقق شعبنا بوحدته ووحدة فصائله تحت سقفها كل الانجازات السياسية والدبلوماسية بحيث بات من المستحيل ان يقفز المجتمع الدولي عن الرقم الفلسطيني في معادلة الشرق الأوسط .

وطالما ان الكل الفلسطيني داخل وخارج المنظمة متفق على ذلك وعلى تفعيل واصلاح بعض الأمور في المنظمة فإن من المستغرب ان يرفض اي طرف سيشارك بالانتخابات الاقرار بهذه الشرعية الفلسطينية المعترف بها دوليا.

وما ينطبق على المنظمة ينطبق ايضا على التعهدات والالتزامات الدولية باسم الشعب الفلسطيني التي لا يمكن القفز عنها او تجاهلها ، فنحن لا نعيش في فراغ ومن الضروري وبعد إجراء الانتخابات ان تجتمع الأطر التمثيلية المنتخبة ومن حقها ان تنتهج السياسة التي تقرها الغالبية كما هو معمول به في كافة الأنظمة الديمقراطية.

أما ان نضع العربة امام الحصان فهذا لن يوصلنا الا الى مزيد من الفرقة والانقسام.

شعبنا الفلسطيني يطلب من الأخ الرئيس محمود عباس الحريص على وحدة الوطن، ومن كل الفصائل، الشروع في الانتخابات وإنهاء الانفصال وعدم العودة مجددا الى مربع الخلافات والجدالات سواء حول اتفاقية لا تلتزم فيها اسرائيل وأميركا او حول نسب التمثيل وغيرها، فكل هذه المسائل يمكن حلها بعد اجراء الإنتخابات وفي اطار الشرعية الفلسطينية الواحدة الموحدة وعلى اساس الديمقراطية التي نؤمن بها وتوافقنا عليها.

وبعيدا عن السياسة، أقول للجميع انه يكفي ما رأيته وربما رآه الكثيرون كيف ان المستعمرين الجبناء وبحراسة جيش الاحتلال كانوا يقومون بقطع اشجار الزيتون فيما يحتجز جند الاحتلال اصحاب هذه الاشجار ويمنعونهم من الدفاع عنها ولا يحركون ساكنا لوقف المستعمرين الذين كانوا يقطعونها بمناشير كهربائية، وقبل ذلك سلسلة الجرائم التي ارتكبها الاحتلال ومستعمروه والتي اعتبرت منظمات حقوقية بعضها جرائم ضد الإنسانية، أقول للجميع الا يكفي ما نحن فيه؟! ارحموا هذا الشعب الذي ضاق ذرعا بالوعود العالمية التي لا يُنفذ منها شي، خصوصا ما يتعلق بالوضع الماساوي في قطاع غزة.

ولا شك ان الشعب الفلسطيني باق على ارضه فلسطين، ومتمسك بكامل حقوقه سواء التزمت اسرائيل او لم تلتزم بالاتفاقيات التي وقعتها مع منظمة التحرير، سيبقى صامدا في ارضه وارض اجداده ولن يركع لرغبات نتنياهو وشلة المستعمرين ولا لترامب او كوشنر او فريدمان وسيواصل نضاله حتى انتزاع كامل حقوقه المشروعة .. والله المستعان.