ثورات العرب .. كمن يقطع ذنب الأفعى!

حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

- هل ما زالت المظاهرات والمسيرات الشعبية في العراق ولبنان مستمرة ؟ اعذرني فأنا لا اتابع الاخبار ولا افتح التلفزيونات العربية .

- نعم يا جدي ، ما زالت مستمرة .

- فماذا يطلبون وبماذا ينادون ؟

- نفس مطالب السودان والجزائر قبل بضعة أشهر .

- تقصد انها نفس مطالب مصر وتونس والمغرب والبحرين وسوريا واليمن وغيرها قبل عشر سنوات .

- تقريبا. اسقاط النظام، حرية، عدالة، خبز، بطالة .

- ولكن النظام لم يسقط، وإن كان قد تغير واستبدل في بعض هذه الاقطار بنسخة محسنة .

- كأنك تقول يا جدي، انه بدون اسقاط النظام فلن يتغير شيء؟

- لا. فهناك أنظمة أكثر سوءا، انظمة شبه بائدة، لم تخرج في شوارعها مظاهرة واحدة .

- تقصد دول الخليج؟ فهذه محميات امريكية، لا أحد يستطيع اسقاطها. ناهيك عن ان بحبوحة عيش سكانها تحول بينها وبين الثورة.

- بحبوحة العيش ليست هي مقياس الثورة الوحيد .

- اذن لماذا يا جدي لا ينتصر المتظاهرون العرب ؟

- لأنهم بدون رأس. بدون احزاب ثورية تقودهم نحو الخلاص والبديل. هل رأيت يوما جسما يتحرك بدون رأس ؟

- تقصد احزاب المعارضة ؟

- لا. هناك الكثير من احزاب المعارضة انما تتحالف مع النظام من الباطن .

- تقصد الاحزاب اليمينية والدينية ؟ كالذي حصل في مصر والمغرب مثلا؟

- يمينية ويسارية على حد سواء، كالذي حصل في تونس والسودان ، ونراه سيحدث في العراق ولبنان .

- كأنك تقول ان لا جدوى فعلية عملية من هذه الثورات ؟

- هذه الثورات عبارة عن هبات عفوية ، تندلع لعدم قدرة الناس على احتمال وقع الظلم المركب عليها، ولهذا تتسم دائما بالعفوية و"ردة الفعل". ولكنها ضرورة موضوعية لانبثاق احزاب ثورية في رحمها، و"الشكل الجنيني للوعي" الفردي والحزبي والمجتمعي .

- هذا يتطلب وقتا أطول مما يظن المتظاهرون الغاضبون ؟

- نعم . لكن يمكن تسريع ذلك .

- كيف ؟

- هل سمعت في كل هذه الهبات قديمها وحديثها من مشرق الوطن العربي الى مغربه شعارات عن العروبة والاستعمار وفلسطين؟ حين تسمع شيئا كهذا نكون اقتربنا من الثورة المظفرة، ذلك ان العدو الحقيقي لهذه الامة هو من قسمها الى شعوب وملل ومن ثم طوائف ونحل، وقسم وطنها الى أقطار ودول، ممالك وامارات ومحميات . جميع مشاكل الناس في هذه البقعة من العالم متأتية من ذاك العدو، حتى النظام الوطني "المحلي" هو جزء لا يتجزأ من مكوناته، الثورة عليه لا تجدي فتيلا، وباختصار، كقاطع ذنب الأفعى .

"انا بعد خمسين عاما / اكتشفت هشاشة حلمي / فلا قمر في سماء أريحا / ولا سمك في مياه الفرات / ولا قهوة في عدن / رأيت شعوبا تظن بان رجال المباحث أمر من الله / مثل الصداع ومثل الجرب / رأيت العروبة معروضة في مزاد الاثاث القديم / ولكنني ما رأيت العرب" ... نزار قباني .