الانتخابات الفلسطينية القادمة ... والميلاد العسير

حجم الخط

بقلم: عصري فياض

 

ما أن أطلق الرئيس الفلسطيني محمود عباس تصريحة بشأن الإنتخابات،حتى تحركت المياة الفلسطينية الراكدة لدى الكثيرين ممن يرون فيها فرصة للتغيير،لتحقيق حلم،أو فرصة للإنتصار على الخصم، أو خلاص من معادلة الانقسام التي قسمت ظهر الجميع،فــ "فتح " لا مجال لها إلا أن ترحب،فالقائل هو الزعيم،وحماس قالت : "الانتخابات هبة السماء"، ونحن"جاهزين"، والفصائل الاخرى دون الجهاد الاسلامي، لا مانع في قواميسهم السياسية...

أما المواطن العادي البسيط،فإنك تجده غير آبه بالأمر، فمرارة الواقع بالنسبة له لن تتغير، والعيش في فضاء الانتظار المفتوح لن يجري عليه تبديل او تحويل...فقط من يهمهم الأمر، هم أبناء حركة فتح أو حركة حماس ، أوالفصائل الاخرى المنظوية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية، أو المستقلون الذين سيبذلون جهودا مضاعفة حتى يعيشون أمل الفوز وسط تنافس شرس،فحماس مثلا، كحركة ذات منبت حزبي، لها مؤسساتها التي ستختار قائمة مرشحيها بصمت وبعيدا عن الضوضاء،ومثلها بعض الفصائل الحزبية والجبهاوية التي لقيادتها القول الفصل، أما المستقلون فكل سيد قراره، أما حركة فتح، التنظيم الحركي الاوسع في الساحة الفلسطينية،فلا نذيع سرا إن قلنا انها تتكون الآن من أجنحة وتيارات ومواقف متباينة،وإصطفافات خلف هذا القائد أو ذاك، خلف تلك الفكرة أو ضدها، هذا إذا ما أضفنا الى الحالة عدم القيام بما هو مطلوب لشد الترهل التنظيمي الذي اعترى هذا التنظيم الذي كبر في السن، لذلك ستكون المنافسه شديدة وقاسية سواء في مجال قائمة " فتح " التي ستخوض التشريعي، أو مرشح فتح للرئاسة إذا ما إعتذر الرئيس عن إكمال المشوار كما صرح غير مرة سابقا..

وهنا،ننتظر معركتين تحضيريتين شرستين لـ"فتح"، الاولى داخلية حتى ترى قائمتها النور، حيث سيكون هناك البرايمز، أي الاختيار التمهيدي التسلسلي الهرمي المعبر عن اخراج المؤهلين من المناطق والمواقع، وإن لم يكن مثل هذه الخطوة نظرا لضيق الوقت ، فهذا سيثقل عاهل المؤسسات الفتحاوية في إختيار المرشحين، ومن ثمة خيار وترتيب اسماء القائمة واقرارها من قبل الثوري والمركزية، وبعد أن تكتمل الصورة،ستبدأ "فتح" في منافسة حماس وقائمتها في حرب سرشة هي بديل عن حسم وانهاء الانقسام والسيطرة على قطاع غزة،وهذا يتطلب من " فتح " جهدا غير مسبوق وعارما وكبيرا،لأنتهاز هذه الفرصة التي قد تكون وحيدة في انهاء الوضع الحالي في قطاع غزة....

ولا يخفى على أحد أن همهمات بعض القيادات الفتحاوية في أن يكون لها أعمدة في داخل القائمة الفتحاوية سيكون كبيرا، لأن هذا يؤسس للخطوة التي تليها وهي خطوة الترشيح للرئاسة والتي ينتظرها عدد من هذه القيادات التي إن كانت تقر بوجود الرئيس محمود عباس كرئيس وقائد للحركة، فهي لا تقر من بعده بمن هو أولى منها ليكون خليفته في التنظيم والرئاسة،وأن هذه المعضله" اقصد الترشيح لانتخاب رئيس"، ولن يكون على مركزية فتح جسره بسهولة ، والخروج بمرشح واحد متفق عليه ، إلا بشق الانفس، ولو أدى الامر لدفع البعض لترشيح أنفسهم بشكل شخصي، وبالتالي الخروج المؤقت من الحركة وإحداث تشتيت بالاصوات الفتحاوية أو قسم منها لمرشحين آخرين أولهم مرشح حماس أو القريب منها، أما إن قرر الرئيس محمود عباس الترشح لانتخابات الرئاسة مرة جديدة،فسيغيب الشد الداخلي، وقد يشتد تجاه المنافسين خاصة إذا ما قدمت حماس مرشحا منافسا، ونالت مقاعد مؤثرة في المجلس التشريعي القادم.

ومهما كانت نتائج الانتخابات التشريعية برأيي لن تنهي الانقسام بسهولة، ولن تخترق الحالة السياسية وتكسر جمودها وتغير واقعها،ولن تجلب للمشروع الوطني حلمه في اقامة الدولة في هذه الفترة نظرا لعوامل ذاتية وموضوعية وعالمية واقليمية وعربية مضطربة، فقط ما سينتح عن الانتخابات ظهور بعض الوجوه الجديدة التي ستحاول ان تأخذ دورها في دوامة السعي وراء الامل المفقود الذي إستهلك من اعصاب الشعب ونضالاته سنين طويلة وعقود،وإن نجحت هذه الانتخابات في تحقيق ما تصبوا اليه وهو انهاء الانقسام، وتوحدت الكلمة الفلسطينية على برنامج إجماع وطني،فهذا سيخرج الشعب الفلسطيني لمرحلة جديدة وواسعة من الصراع مع الاحتلال لا يعرف أحد نهاياتها،فقط ما سيعرفونه هو أنهم أفاقوا من سبات الانقسام على واقع وصل فيه المحتل لحيطان بيوتهم ورغيف خبزهم وسجادة صلاتهم بسبب مشروع أوسلو الذي فشل وبلاء الانقسام، فهل سيكونوا قادرين على تجاوز الامرين معا والانتصار عليهما؟؟