الحلقة الأضعف... غزة ؟!

حجم الخط

بقلم : الدكتورة أماني القِرِم

 

تغيب غزة منذ سنوات عن صدارة الأولويات في المنطقة لأسباب كثيرة، فهي الحلقة الأضعف في سلسلة استعراض القوة الاسرائيلية وتصدير الأزمات، حيث لا ظهير اقليميا ولا مناصر دولي ولا حتى محلي. ولذا فمن السهولة بمكان أن تشتعل جبهة غزة دون تكاليف سياسية باهظة، ولكن في نفس الوقت المراهنة على بقاء الوضع على المراوحة بين التصعيد والتهدئة مخاطرة كبيرة قد تلهب المنطقة وتخلخل القواعد الثابتة.

ثلاث ملاحظات مهمة في جولة التصعيد الاسرائيلي الحالية ضد جبهة غزة:

اولاً : دائما ما يأتي الاستفزاز الاسرائيلي في ظل أزمة سياسية اسرائيلية داخلية. فرغم ان الشهيد الراحل بهاء أبو العطا يعد أحد أبرز المطلوبين في بنك الأهداف الاسرائيلية منذ وقت ليس بالقريب، الا ان التوقيت يلعب الدور الأهم في سبب إصدار أمر اغتياله الان وليس أمس أو غداً. وبالاضافة للجائزة الامنية التي حصل عليها نتنياهو باغتيال الشهيد الذي تسبب في بلبلة تجمع انتخابي له وإنزاله من على المسرح في ايلول الماضي إثر دوي صفارات الانذار في عسقلان واسدود بفعل صواريخ أبو العطا، فهناك أيضاً جائزة سياسية. وفي الوقت الذي يجاهد بيني غانتس لتشكيل حكومة والاطاحة بنتنياهو سياسيا، تنتشر أقاويل بأن هناك امكانية لعقد انتخابات ثالثة في اسرائيل. وعليه فعملية الاغتيال هذه توفر لنتنياهو فرصة لاعادة جمع الاصوات لصالحه إذا ما حصلت انتخابات ثالثة أو حتى إذا ما تطورت الأمور، لأن الوضع الامني في اسرائيل عندئذٍ سيفرض حالة طوارئ تتطلب بقاء نتنياهو في منصبه ..

من جهة اخرى، وعلى الصعيد الداخلي الفلسطيني فالتحركات الاخيرة الخاصة بإجراء الانتخابات تظهر / وإن بشكل غير كاف/ تقدماً إيجابياً مكروهاً وغير مرغوب بالنسبة لاسرائيل.. لأن أي توافق فلسطيني / فلسطيني على أي شيء هو خسارة لجميع المكاسب الاستراتيجية التي حققتها اسرائيل بسهولة طوال السنوات الماضية بفعل الانقسام. وعليه فهل من المنطق أن تنتظر اسرائيل صندوق انتخابات فلسطيني، الله وحده يعلم بمن سيأتي ؟؟

ثانياً: الدوائر الأمنية الاسرائيلية تعي جيدا قيمة الشهيد أبو العطا للجهاد الاسلامي ومآلات اغتياله، وتراهن على الوقت الذي ستستغرقه التحركات والوساطات والتزام حركة حماس بالتهدئة لعودة الأمور كما كانت. ولهذا لم يكن الخطاب الاسرائيلي المصاحب لعملية الاغتيال عالياً بل حاول تبرير العملية بكل الاشكال وشدد على أنه لا توجد رغبة في التصعيد. وخبرات الجولات السابقة تثبت ان النواتج نفسها كل مرة: تصعيد يمتد لايام .. خسائر فلسطينية بشرية ومادية.. الجانب المصري يتدخل والنتيجة عودة لسياسة اللاسلم واللاحرب!

ولكن هذه ليست بدروس وعبر يجب الاعتماد عليها والتسليم بها.. على اسرائيل أن تعلم ان خطاب الرغبة بعدم التصعيد لا يكفي لمنع قلب الطاولة ، فالقدرة على التحكم بالتصعيد تقل كثيرا عند بدء أية جولة، وربما أية حادثة منفردة قد تلهب الوضع في المنطقة كلها.

ثالثاً: الخطاب الفلسطيني بشقيه /أي بصاحبيه/ نفس الكلام ونفس اللغة ونفس المصطلحات. لا جديد وممل وغير قادر على مواكبة العالم في الخارج والشعب في الداخل. انفصال تام للنخبة السياسية بأنواعها المتعددة عن الواقع المعيشي للفلسطينيين.

هذا الأمر يؤكد على أن الانتخابات باتت مطلباً شعبياً ضرورياً..