بعناوين لافتة وعناصر عديدة ومتنوّعة، تمكّنت الدراما الرومانسية التركية من جذب المشاهد العربي لها، ومكّنها من احتلال المراكز الأولى في المتابعة من الصغير قبل الكبير أحيانًا.
ويبدو أنّ اللهجة السورية المحبّبة للأذن، وجمال أماكن التصوير، وجمال الممثلين والممثلات، والإغراق في الرومانسية والمشاعر الحالمة، أدوات جذب للمشاهد، أما تكريس فكرة الاستقلالية لدى الشباب، فهي من أهم عوامل شيوع مشاهدتها.
وليس عند هذا الحدّ فقط، بل إنّ ذكاء الدراما التركية في استخدام عنصري التشويق والإثارة واعتمادها على مبدأ المفاجآت التي ربّما لا نجدها في الدراما العربية إلا قليلاً، من أكثر العناصر التي جذبت المشاهدين إليها بصورة كبيرة، بحسب رأي الخبراء.
لماذا احتّلت الصّدارة؟
لأنّ المشاهدين الذين أحبّوا الدراما التركية وتابعوها بشغف، وجدوا فيها نوعًا من التعديل لسلوكيات رومانسية أصابها الخمول في العلاقات العاطفية. لذلك كان لا بدّ من البحث عمّا يملأ الفراغ العاطفي عندهم، يقول المتخصّص في الدراسات الاجتماعية فارس العمارات.
على سبيل المثال، قد تبرّر المرأة متابعتها للمسلسلات التركية بانشغال زوجها الدائم بعمله وشؤون حياته، وهو ما تعدّه سببًا لفتور العلاقة، وخلق نوع من الجمود الذي يُبعدهما عن بعض، فتتجه بشعورها ورومانسيتها إلى متابعة المسلسلات الرومانسية سعيًا منها لتعويض ما يفوتها من رومانسية وإشباع ما ينقصها من عاطفة لا تتوفر في زوجها، ولا يعرف كيف يعبّر عنها ربّما.
تُشبع رغبات الآخرين
وبالنسبة للفئات الأخرى، سواءً الأزواج أو الأبناء بأعمارهم المتنوّعة، يبيّن العمارات أنهم يتابعون تلك الدراما من باب إشباع حاجاتهم الغريزية، لكونها مليئة بالكثير من الصور والشخصيات التي يتمنى أن يكون عليها الطرف الآخر، إضافة إلى ما يكتنف هذا الأعمال من مثاليات لا يمكن تطبيقها في المجتمع العربي، ولا يمكن تلاؤمها ولا مجاراتها مع التقاليد والعادات والسلوكيات الأسرية العربية.
عدا عن ذلك، يجد من تهوى نفسه تلك الأعمال ضالته في تلك الدراما، ويشبع فيها رغباته السلوكية، التي ربما يفقدها أحيانًا. إذْ ما زالت هناك بعض القيود على بعض السلوكيات، التي يجد الأزواج أنّها غير ممكنة التنفيذ، لوجود بعض العوائق التي تمنع من القيام بها، ولعدم اعتيادهم عليها.
وبمعنى آخر، نجاح تلك الأعمال الدرامية يتلّخص بكثرة المَشاهد التي تعجّ بالرومانسية وفنون اللقاء، والجلسات ذات الأضواء الخافتة وشموع الدلال والدلع، تلك الصّور المتنوّعة بجمالياتها جعلت المتابعين ومن كافة الأعمار منكبّين على متابعتها بشكل مستمرّ، من باب تفريغ طاقتهم العاطفية من جهة، والنظر إلى مشاهد وأماكن وأزياء لافتة، ربّما لا تتوفر في الدول التي يتواجدون فيها، مع التركيز على بعض الشخصيات التي تجذب الأنظار إليها، لجمالها وأناقتها وأدوارها من جهة أخرى.
تظل غير مناسبة مع المجتمع العربي
لأنّ التحوّل في المشهد العربي يبحث عمّا هو جديد خاصّة في ظلّ الانفتاح الذي يعيشه حاليًا، والذي يبحث من خلاله عن مساحة من الحرية، بعيدًا عن الانطواء والضغوطات الحياتية التي أصبحت تهاجمه من كلّ مكان، يجد في هذه الدراما البوتقة التي ينصهر فيها، ويشعر بأنّ تحوّلاً جديدًا بدأ يطرأ على حياته اليوميّة بسببها.
"ومع ذلك، تبقى هذه الأعمال لا تناسب المجتمع الشرقي بشكل عام، فما يدور فيها يعبر عن حالات معيّنة تخصّ المجتمع التركي، الذي يرى في المواقف والمشاهد الرومانسية، أمرًا عاديًا وغير مخالف لنمط وسلوك المجتمع التركي وتصرّفاته" يقول العمارات.