07 أيلول 2015
قبل قرابة شهر، في الساعات الأولى من يوم الجمعة، 31 تموز، قام ملثمان بتحطيم زجاج النوافذ وإلقاء زجاجات حارقة داخل منزل عائلة دوابشة في قرية دوما في الضفة الغربية، مشعلين النار فيه. وقاموا أيضا بكتابة عبارات غرافيتي بالعبرية في الموقع.
علي دوابشة، البالغ من العمر 18 شهرا، احترق حتى الموت في هذا الحريق. والده سعد توفي متأثرا بإصابته بعد أسبوع من ذلك. والدته رهام لا تزال ترقد في المستشفى في حالة حرجة. شقيقه، ابن الأربعة أعوام، أحمد، يرقد هو أيضا في المستشفى، يتعافى ببطء من دون أن يدرك حتى الآن حجم المأساة التي حلت به وبعائلته.
في أعقاب الهجوم، أعلنت المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية أن إرهابيين يهودا يقفون وراء الهجوم. نقلت تقارير إعلامية عن مصادر أمنية قولها إن منفذي الهجوم فروا سيرا على الأقدام باتجاه مستوطنات وبؤر استيطانية قريبة. تم وضع أمر حظر نشر على التحقيق، وهذا الأمر لا يزال ساري المفعول.
أعربت القيادة السياسية الإسرائيلية بوضوح عن اعتقادها بأن المسؤولين عن هذا الهجوم يهود. الرئيس رؤوبين ريفلين عبر عن أسفه بأن الإرهابيين جاؤوا «من شعبه». وزير الأمن العام، غلعاد إردان، أعلن عن أن «المؤشرات تدل على أن منفذي الهجوم يهود. أمة احترق أطفالها في المحرقة بحاجة إلى القيام بمراجعة نفسها إذا ولدت أشخاصا يحرقون بشرا». رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وعد بـ»الوحدة ضد المجرمين بين أبناء شعبنا»، وتعهد بـ»عدم التسامح» مع جرائم كهذه.
في الأيام التي تلت الهجوم، تماشيا مع هذا التعهد، صوتت الحكومة الإسرائيلية على منح الأجهزة الأمنية والقضائية كل الوسائل التي يحتاجون إليها لحل القضية ومنع جرائم قتل شبيهة. للمرة الأولى، مُنح المحققون صلاحية سجن مشتبه بهم يهود من دون محاكمة – اعتقال إداري، وهو إجراء اقتصر قبل ذلك على المشتبه بهم العرب بالإرهاب.
المشتبه بهم
تم سجن ثلاثة مشتبه بهم متطرفين من خلال هذا الإجراء منذ ذلك الوقت: مئير إتينغر، حفيد الحاخام العنصري الذي تم منعه عن الترشح للكنيست قبل أن يتم اغتياله، مئير كهانا؛ إيفيتار سلونيم؛ وموشيه أورباخ. بحسب مصادر أمنية، إتينغر هو القائد، أو أحد القادة، لنوع من المجموعات السرية اليهودية المرتجلة، التي يقدر عددها ببضعة عشرات، وتضم شبانا يجتمعون في خلايا إرهابية صغيرة عاقدة العزم على تدمير دولة إسرائيل. هؤلاء الشبان – معظمهم طلاب متسربون من المدارس الثانوية وليسوا جميعهم بأي شكل من الأشكال من المستوطنين – يعيشون في البرية بالضفة الغربية، ويخططون لتنفيذ هجمات ضد كنائس ومساجد ومنازل فلسطينيين بهدف مؤقت لتصعيد التوترات بين اليهود والعرب بشكل كبير، أما الهدف النهائي فهو إسقاط دولة إسرائيل لتحل محلها سيادة يهودية «أصيلة».
تم العثور بحوزة أورباخ على دليل التعليمات الخاص بهم، وتحدثت تقارير عن أنه المؤلف أيضا، تحت عنوان «مملكة الشر»، وهو نص مرعب يعرض نصائح مفصلة لـ»تقديس اسم الله» من خلال هجمات ضد غير يهود، بما في ذلك جرائم قتل: «أحيانا يسأم المرء من مهاجمة الممتلكات فقط… ويرغب بإشعال النار بمنازل مع المقيمين بها في الداخل… هنا نتحدث عن حرق متعمد وربما محاولة قتل، وهي أخطر بكثير من وجهة نظر الصهاينة… إذا قررتم فعل ذلك فافعلوه».
في العام 2013 ورد أن إتينغر كتب وثيقة إرشادية بعنوان «بيان الثائر» دعا فيها إلى دمار الدولة الصهيونية: «فكرة التمرد بسيطة جدا. لإسرائيل الكثير من نقاط الضعف، الكثير من القضايا التي تتعامل معها من خلال السير على قشر البيض حتى لا تلفت الانتباه. ما سنقوم به ببساطة هو إشعال براميل البارود هذه… الهدف هو إسقاط الدولة، إسقاط مبناها وقدرتها على السيطرة، وبناء نظام جديد».
فكرة أن بضع عشرات من الشبان المنعزلين قد ينجحون في احتضان تمرد ضد دولة إسرائيل القوية تبدو سخيفة. باستثناء أنه لا توجد هناك حاجة إلى الكثير لإشعال عاصفة نارية في هذا الجزء من العالم. وجرائمهم المزعومة بحرق كنائس ومساجد، خاصة في العامين الأخيرين، نجحت في الواقع بتصعيد التوتر بين اليهود وغير اليهود بين النهر والبحر. الهجوم الإجرامي في دوما – وبالمناسبة، لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها إشعال منزل فلسطيني مع سكانه النائمين في داخله – يمثل اختبارا حاسما لقدرة المؤسسة الإسرائيلية على كبح جماح الجماعة المتطرفة ومنع المزيد من التدهور إلى صراع بين الأديان.
بدا يوفال ديسكين، رئيس سابق لـ»الشين بيت» ورجل يعرف ما يقوله، مثل إرميا العصر الحديث في الأسابيع التي تلت جريمة القتل في دوما، مؤكدا بمرارة على أن جهازه والقيادة السياسية سمحا للمتطرفين بالازدهار لمدة طويلة لن تمكنهما من النجاح في إيقافهم الآن. يقول إن جهاز «الشين بيت» لم يعط الأولوية للحرب ضد الإرهاب اليهودي، وبأن للمؤسسة السياسية لم تكن النية أبدا للقيام بذلك، ويعود جزء من ذلك إلى لامبالاتها النسبية لاستهداف الفلسطينيين. التطرف، كما يؤكد ديسكين، وضع له جذورا عميقة في الضفة الغربية، وتعاطف قيادة التيار السائد وحتى تسامحها سهل من ذلك. «في (دولة يهودا) هناك معايير مختلفة، نظم قيم مختلفة، مقاربات مختلفة للديمقراطية»، كما كتب ديسكين على موقع فيسبوك بعد جريمة القتل في دوما، «وهناك نظامان قضائيان. أحدهما يحاكم اليهود (القانون الإسرائيلي) والآخر يحاكم الفلسطينيين (القانون العسكري)».
كلمات ريفلين لم تكن مختلفة في اليوم الذي تلا هجوم دوما. «لأسفي الشديد، حتى الآن يبدو أن هناك تراخيا في تعاملنا مع ظاهرة الإرهاب اليهودي»، كما قال. «ربما لم نستوعب بأننا نواجه مجموعة أيديولوجية عاقدة العزم وخطيرة، تهدف إلى تدمير الجسور الهشة التي نعمل بلا كلل لبنائها».
وقال في مسيرة في اليوم التالي إن ألهبة الكراهية والعنف و»المعتقدات الخاطئة والمشوهة والملتوية تنتشر في الأرض»، وتابع: «هذه النيران، التي تلتهمنا جميعا، لا يمكن إطفاؤها بإدانات ضعيفة (من قبل السياسيين). هذه النيران لا يمكن إطفاؤها بمسيرات تضامنية… التحريض والسخرية والرعونة والتراخي والغطرسة لا يمكنها إطفاء النار، ولكن ستسمح لها فقط بالاشتعال بشكل أقوى، بحماس، لتنتشر في كل الاتجاهات، وتتخلل كل مناحي الحياة»، وأضاف ريفلين: «علينا أن نكون دقيقين وواضحين؛ بدءا من جهاز التعليم، وصولا إلى من يفرض القانون، عبر قيادة الشعب والدولة. علينا إطفاء النيران والتحريض، قبل أن تدمرنا جميعا».
معالجة الإرهاب اليهودي
خلفاء ديسكين في «الشين بيت» يؤكدون أن الحرب ضد التطرف ليست حربا خاسرة. تقر مصادر أمنية بأن هناك تصعيدا في الهجمات الخطيرة ضد أهداف عربية في العامين المنصرمين. يتحدثون عن ابتعاد عن جرائم الكراهية «الانتقامية» التي يتم تنفيذها في أعقاب ما ينُظر إليه كإلحاق ضرر بالمشروع الاستيطاني، باتجاه هجمات لا هوادة فيها ومن دون استفزاز تهدف إلى إثارة الفوضى. يشيرون إلى أن هذه المجموعات المتطرفة – بضعة عشرات من بين بضعة مئات من ما يُسمى بـ»فتيان التلال» – أصبحت متطرفة إلى درجة تخطت تأثير أكثر القيادات الحاخامية تطرفا. أعضاء هذه المجموعات لا يصغون لأي سلطة. بعضهم مستعد ليقتل وليدخل السجن مدى الحياة، وليُقتل إذا كان ذلك ضروريا، دعما لمناصرة مختلة للأرض وما ينظر إليها كأولوية دينية أهم من الحياة.
أضافت المصادر الأمنية كذلك أن أعضاء هذه الخلايا الإرهابية اليهودية المتطرفة تقوم بشن هجماتها بحذر شديد من دون أن تترك وراءها أدلة تجرمها، وبأنه من الصعب تعقبها لأن تنظيمها غير مضبوط، وأنه تقريبا ومن دون استثناء، عندما يتم اعتقالهم لا يقولون أي كلمة خلال التحقيق. لذلك فإن جمع أدلة كافية لتوجيه اتهامات ضدهم هي مهمة صعبة للغاية.
مع ذلك، تؤكد المصادر الأمنية أنه في نهاية المطاف يتم تعقب المشتبه بهم والإمساك بهم. تم اعتقال خمسة رجال – جميعهم رجال تقريبا – بتهمة التورط في هجوم إشعال نار في حزيران في كنيسة «الخبز والسمك» على ضفاف بحيرة طبريا؛ تم توجيه لوائح اتهام ضد ثلاثة منهم ووضع قيود على حركة اثنين آخرين. تم القبض على الرجال الذين قاموا بتخريب مدرسة «ماكس راين يدا بيد» – المدرسة ثنائية اللغة العربية والعبرية في جنوب القدس – ومحاكمتهم وسجنهم. اتينغر، الذي يُزعم أنه لعب دورا موجها في الهجوم على كنيسة «الخبز والسمك»، وُضع رهن الاعتقال الإداري.
تقول المصادر إن لديها الآن كل الوسائل والموارد والقوى البشرية اللازمة لمحاربة الإرهاب اليهودي، وإن هذه المسألة هي على رأس سلم الأولويات 24 ساعة وسبعة أيام في الأسبوع. ترفض هذه المصادر الفكرة التي ترى أنه بما أنهم لم يقوموا بنشر الجنود في المستوطنات القريبة للإمساك بالمشتبه بهم بعد هجوم دوما، كما كانوا سيفعلون في القرى والبلدان الفلسطينية في أعقاب هجوم إرهابي ضد يهود، فإن نهجهم يبدو متراخيا وأقل جدية، ويقولون إنه يتم استخدام الإجراءات الضرورية.
مع ذلك فهم ينتقدون العقوبات التي تفرض على أولئك الذين يتم الإمساك بهم والتي لا تناسب دائما حجم جريمتهم، وبالتالي لا تنجح بردع منفذي هجمات في المستقبل. تم إشعال الحريق في مدرسة «ماكس راين يدا بيد» على يد يتسحاق غاباي والأخوين ناحمان وشلومو تويتو، وهو أعضاء في منظمة «لهافا»، التي تعمل على منع الزواج المختلط والعيش المشترك بين اليهود والعرب في إسرائيل. اعترف الأخوان تويتو بإشعال النار وكتابة العبارات العنصرية مثل «لا تعايش مع السرطان»، «الموت للعرب» و»كهانا كان محقا». تم سجنهم عامين ونصف العام؛ وطلبت الدولة سجنهم لأربعة أعوام ونصف العام. في حزيران تعرضت المدرسة لهجوم آخر.
هل فات الأوان؟
بسبب أمر حظر النشر تمتنع المصادر الأمنية عن مناقشة هجوم دوما، ولكنها تصر على أنه كان إرهابا يهوديا – «هذا هو المكان الذي تشير إليه كل الدلائل، ولا توجد دلائل تشير إلى أنهم لم يكونوا يهودا»، كما قيل لي.
من غير الواضح ما إذا كانوا يعتقدون أنهم لو كانوا قادرين على اعتقال إتينغر والآخرين اعتقالا إداريا في وقت سابق – لو كانت الحكومة وافقت على طلبات الـ»شين بيت» على هذا الإجراء لمحاربة الإرهاب اليهودي في وقت سابق – فكان من الممكن منع جريمة القتل. الربط المباشر الأقرب لهؤلاء المعتقلين الإداريين الثلاثة بهجوم دوما جاء على لسان وزير الدفاع، موشيه يعالون، خلال مقابلة أدلى بها للقناة العاشرة قبل عشرة أيام. عن سؤال حول ما إذا كان الأشخاص المعتقلون مرتبطين بجريمة حرق المنزل رد يعالون، «في نهاية المطاف نعم، وإلا لما كنا قمنا بذلك»، إن الاعتقال الإداري، كما قال، «هو خطوة متطرفة… ولكن علينا حماية ديمقراطيتنا». لو لم تتم هذه الاعتقالات، تابع يعالون، «لكنا سنشهد سلسلة من الهجمات الخطيرة ضد العرب. رأينا عائلة تحترق. لا شك لدي بأن أولئك المحتجزين في الاعتقال الإداري هم الأشخاص الصحيحون».
بقدر ما أن هذا ادعاء بالنجاح، فهو يبدو كاعتراف بالفشل. هؤلاء الأفراد اعتبرتهم السلطات الأمنية خطرين وقادرين على ارتكاب جرائم مروعة. ومع ذلك تم اعتقالهم بعد تدهور جديد وفظاعة جديدة.
نظرا لوصف المصادر الأمنية لأساليب عمل الإرهابيين اليهود – عدم وجود تسلسل هرمي سهل الاختراق؛ طريقة تنظيمهم بخلايا محكمة تضم 3 إلى 5 أعضاء؛ واللامبالاة الوحشية بقيمة الحياة التي تجلت في العقيدة التي توجههم – فإن تأكيد يعالون على أنه تم منع هجمات خطيرة يبدو في أحسن الحالات مشكوكاً به وغير مجرب.
أشار رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في نهاية الأسبوع الذي تلا هجوم دوما بأنه «في كل مجتمع هناك متطرفون ومجرمون على الهامش»، ولكن امتحان المجتمع هو كيفية تعامل «المركز والقيادة» مع هذا التطرف.
بعد شهر من جريمة إحراق منزل عائلة دوابشة في دوما، لا تزال السلطات تبحث عن إجابة.
عن «تايمز أوف إسرائيل»