حماس والجهاد... ومقوِّمات الانتصار على الاحتلال وحليفته الولايات المتحدة!

حجم الخط

بقلم: فيصل أبو خضرا

 

كما في كل جولة من جولات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما ينجم عنه من شهداء وجرحى ودمار هائل يثار الجدل مجددا حول من يملك قرار الحرب او السلم مع هذا الاحتلال الذي يحاول جاهدا تفتيت الساحة الفلسطينية واللعب على الخلافات الداخلية لتحقيق مآربه. وقد طفا على السطح في العدوان الأخير الجدال حول خوض الجهاد الإسلامي وحده المواجهة مع إسرائيل فيما لم تشارك حركة "حماس" في تلك الجولة التي جاءت إثر اغتيال الشهيد بهاء ابو العطا، أحد قيادات الجهاد، وما أعقبه من رد بقصف عدد من البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة وبعض المدن الأبعد ثم قيام الاحتلال بقصف مكثف بالطيران والمدفعية لعشرات الاهداف في القطاع.

النقطة المركزية في هذه الجدالات تتعلق حقيقة بأهمية الوحدة الفلسطينية وتأثيرها فيما لو تحققت في مواجهة هذا الاحتلال والتصدي لكل اعتداءاته وانتهاكاته الجسيمة سواء في قطاع غزة او الضفة الغربية .

ومن الواضح ان شعبنا الفلسطيني بجميع أطيافه يحيي أي فصيل فلسطيني يقف ضد هذا المعتدي الاسرائيلي، الذي يستهدف الكل الوطني سواء الفصائل الفلسطينية، أو المستقلين وحتى ابناء شعبنا من المدنيين العزل، لان هذا الاحتلال يستهدف ببساطة كل شيء اسمه فلسطيني، قضية وشعبا داخل الوطن وخارجه.

والملاحظ ايضا ان الاعتداءات الدموية التي يرتكبها الاحتلال على اهلنا في قطاع غزة او التصعيد في الضفة تأتي عندما يكون هذا الاحتلال في مأزق سياسي او في مواعيد انتخابات الكنيست، كما حدث في العدوان الأخير على قطاع غزة لان نتنياهو يعيش في مأزق فشله مرتين في تشكيل حكومة اسرائيلية جديدة، وتطارده ملفات الفساد، وهو ما انتهى امس الاول الى توجيه التهمة له رسميا بتلقي رشوة والخداع وخيانة الأمانة. وكان يعتقد انه بعدوانه على غزة او مغامراته العسكرية ضد اهداف في دول عربية مجاورة يمكن ان ينقذه من ذلك.

ومن الواضح ان نتنياهو لم يعد يبالي بجر اسرائيل الى حرب دموية وقتل المدنيين الفلسطينيين لإنقاذ نفسه لأن طبيعة هذا الرجل كباقي الصهاينة المتطرفين يعتقدون بان الدم الفلسطيني والعربي رخيص وانهم يحظون بدعم أمريكي لا حدود له.

واليوم تزداد المخاوف من اقدام نتنياهو على المزيد من العدوان لحرف الانظار عن فساده وفشله كما تزداد المخاوف من اطلاق حركة واسعة من البناء الاستيطاني الجديد في الاراضي المحتلة بعد اعلان بومبيو الذي زعم ان الاستيطان لا يتعارض مع القانون الدولي.

هذه التحديات تفرض على الكل الوطني، بما في ذلك فتح وحماس والجهاد، مسؤوليات جسيمة لمواجهتها واحباط كل ما من شأنه الإضرار بحقوق شعبنا المشروعة. ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: كيف لنا ان نواجه كل ذلك وما زال الانقسام يشتت جهودنا ويسيء لقضيتنا الوطنية؟ وهذا السؤال مطروح على حماس والجهاد خاصة وكافة الفصائل عموما.

وما من شك ان الشعب الفلسطيني يحيي صمود وإصرار اي فصيل على التصدي لعدوان الاحتلال، لكن السؤال هو كيف؟ وما هي مرجعية القرار؟ وهل يتم ذلك بشكل انفرادي ام جماعي ؟ الخ من التساؤلات المشروعة. وتجدر الملاحظة انه في العدوان الاخير استشهد حوالي اربعين فلسطينيا عدا عن اصابة ما يقارب المائتين اضافة للدمار الذي احدثه الاحتلال، بينما مئات القذائف والصواريخ التي اطلقت على اسرائيل لم تتسبب سوى في اصابة ما لا يتجاوز عشرين اسرائيليا ومعظمهم بحالات هلع، اضافة لبعض الدمار. والسبب ان اسرائيل كانت مستعدة تماما لعدوانها سواء من حيث توفير الملاجىء التي تحمي بها شعبها من اي ضرر او استخدامها لمنظومات دفاعية لاسقاط الصواريخ المضادة بدعم أميركي.

وفي المقابل يطرح السؤال: لماذا لا توجد لدينا ملاجىء في غزة لتحمي أرواح أهلنا من الضربات الصاروخية من قبل العدو الاسرائيلي الذي لا يكترث بارواح ابناء شعبنا العزل لا في غزة ولا في الضفة؟

وبناء على كل ما تقدم يطرح السؤال: هل من المجدي الاستمرار على هذه الحال في كل جولة من العدوان الاسرائيلي مع كل هذه الخسائر البشرية والمادية الباهظة أم ان من الممكن ان يبحث الكل الوطني عن اليات جديدة للمواجهة تجنب شعبنا المزيد من القتل والدمار؟ فاسرائيل ضربت عرض الحائط كل القيم الانسانية والاخلاقية ولا تهتم بالقرارات الدولية او ببيانات الشجب والاستنكار.

لقد سمعت مقابلة تلفزيونية للاخ زياد النخالة، امين عام الجهاد الاسلامي، والذي صرح بانه وضع شروطا بواسطة الوسيط المصري لوقف النار، وكأننا في وضع هو الأقوى دون الالتفات لإعداد الشهداء والجرحى والدمار وبالنهاية نعود الى وقف النار في دوامة لا ندري ان كانت تفيد القضية ام تكرس استمرار قتل وتدمير الشعب الفلسطيني مع ردود لا تردع هذا العدو الاسرائيلي.

كما خرج علينا الاخ الدكتور اسماعيل رضوان، القيادي في حماس، ليقول بأن اسرائيل وافقت على جميع شروط وقف إطلاق النار وسعت للتهدئة لانها اصبحت في وضع المهزوم، وهو ما نفته اسرائيل. ومع الأسف تنسى هذه القيادات بان جميع الحكومات الاسرائيلية لا تلتزم بما توقع عليه، واكبر دليل على ذلك بانها وقعت وفِي البيت الأبيض وفي العام ١٩٩٣م على اتفاقية اوسلو وبشهادة امريكية روسية وعالمية ولم تلتزم لا اسرائيل ولا حتى امريكا بهذه الاتفاقية الا البنود التي تراها لمصلحتها.

لذلك على القيادات التي تسيطر على قطاع غزة ان تتوقف عن الخطابات الرنانة وكأننا ننتصر في كل جولة على العدو الاسرائيلي الذي يستعمل احدث الاسلحة الفتاكة ضد أهلنا في غزة والضفة، وحتى في الداخل الفلسطيني دون أي رادع انساني أو أخلاقي، بينما المعطيات الواقعية تؤكد اننا نخسر الكثير جراء هذا الخلل في ميزان القوى العسكري.

والغريب انها المرة الاولى التي يقف فيها الجهاد الاسلامي وحده ضد المحتل بدون مشاركة حماس، فهل يعني ذلك انه كان هنالك اتفاق مسبق بعدم اشتراك حماس بهذه الجولة؟!

ان تكرار شعارات الانتصار، بينما يزداد وضعنا سوءا وبينما تواصل اسرائيل بهدوء تنفيذ مخططات الاستيطان وبناء المزيد من المستعمرات وتهويد القدس وحصار غزة واستهداف شعبنا بالقتل والتدمير في مختلف انحاء الاراضي المحتلة، يعتبر نوعا من التضليل وحرفا للانظار عن المسؤوليات الوطنية المطلوبة من الجميع، فنضال شعبنا منذ انطلاق ثورته المعاصرة لم يستهدف وقف النار او تسهيلات هنا او هناك بل ان قضيتنا هي قضية شعب يناضل من أجل حقوقه واستقلاله وعودة لاجئيه فأين هي هذه المباديء اليوم عندما يجري الحديث عن وقف للنار او التهدئة؟!

لذلك نقول ان على الجهادالاسلامي وحماس أن يضعا الأولوية لانهاء الانقسام خصوصا بعد مواقف ادارة ترامب وتصريح وزير الخارجية الامريكي، اذا أرادا فعلا الانتصار على اسرائيل. لان الوحدة الوطنية الفلسطينية اليوم اصبحت المهمة الملحة الأولى لمجابهة الاحتلال، وهي أهم من ان يراهن هذا الفصيل او ذاك على امكانية تحقيق الانتصار وحده مهما كان لديه من سلاح في ظل الخلل الواضح في الميزان العسكري.

الشعب الفلسطيني صابر على جبروت المحتل و مازال صابرا وصامدا ومناضلا، ولعل الله سبحانه وتعالى يهدي حماس والجهاد وفتح وباقي الفصائل لاغلاق هذا الملف والعودة الى حضن الوحدة الوطنية لنحشد كل الجهود والطاقات في مواجهة هذا الاحتلال وعندها فقط يمكن اصلاح الخلل لصالحنا في معادلة الصراع فالقرار بالحرب او السلم عندها يكون بيد هذه الوحدة الشرعية ، وعندها فقط نستطيع الانتصار .. والله المستعان.