تصريحات بومبيو وتحالف اليمين المسيحي واليهودي الى متى سنظل ندفن رؤوسنا في الرمال

حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

لست بصدد مناقشة قرار وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو من وجهة نظر القانون الدولي لأن جميع ما قرأته وما سمعته من تعليقات عليه تناولته من هذه الزاوية وأكدت بأنه يتناقض مع معاهدة جنيف الرابعة وخاصة المادة (49) وقرارات مجلس الأمن التي كانت الولايات المتحدة من بين من صوتوا لصالحها أو امتنعت عن التصويت ضدها وجميع القرارات والبيانات الأمريكية السابقة.

وقد آثرت في هذه العجالة ان أشير الى المنهج الذي سارت وتسير عليه إدارة الرئيس ترامب منذ تولي ترمب الرئاسة وحرصه على إرضاء وتلبية رغبات من أوصلوه الى الحكم بغض النظر عن المصلحة الوطنية الأمريكية أو الالتزامات الدولية المترتبة على أمريكا أو مقتضيات السياسة الخارجية الأمريكية بل وأحيانا على حسابها.

وأول ما أقوله في هذا الصدد أنه وفي عهد الرئيس ترامب لم تعد هناك سياسة خارجية أمريكية ملتزمة بهدف استراتيجي محدد وإنما هناك تخبط وأهواء تخضع تارة للعنجهية وتارة أخرى للمصالح الشخصية للرئيس وفي أساسها رغبته في التشبث بالبقاء في الحكم وتطلعه للترشح لدورة ثانية للرئاسة. فالمتتبع لقرارات الرئيس ترامب فيما يتعلق بالعديد من الشؤون الدولية بدءا ً بكوريا الشمالية ومروا ً بالصين وإيران وتركيا وسوريا وانتهاء ً بعدد من القضايا الأوروبية نلاحظ التخبط والتناقض المنهجي في هذه السياسة غير المتوازنة.

ومن الملاحظ فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية بالنسبة للصراع العربي الاسرائيلي وفي قلبه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن منهجية التعامل مع هذا الصراع بدأت بمحاولة ساذجة ادعت القدرة على صنع التاريخ في هذه المنطقة بتحقيق حل عملي وواقعي للصراع من خلال ما أسماه الرئيس ترامب ب " صفقة القرن " وانتهت بالإستسلام التام لرغبات من أوصلوا ترامب الى الحكم ومن يعتقد ترامب ان بإمكانه إعادة انتخابه للحكم فاستسلم لهم ولرغباتهم وبشكل مهين لأمريكا ومتخلٍ عن دورها على الساحة الدولية وأقصد الاستسلام لليمين المسيحي المتطرف بقيادة الإيفانجيليين واليمين اليهودي المتطرف الذي يمثله اللوبي اليهودي اليميني بقيادة منظمة إيباك وبعض رجال المال ذوي الفضل في التبرع السخي لحملة ترمب والذين كان لهم الفضل في إيصاله للحكم أمثال الملياردير شيلدون أدلسون عراب الاستيطان والممول الرئيسي للمستوطنين.

ولعل من بين المؤشرات على الاستسلام لليمين المسيحي إعفاء وزير الحارجية السابق ريكس تيلرسون من منصبه لأنه حاول تبني سياسة خارجية متوازنة وعقلانية وتعيين مايك بومبيو مكانه وهو نفسه من رجال الكنيسة الإيفانجيلية المتطرفين والذي أثبت منذ توليه وزارة الخارجية خلفا ً لتيلرسون انسجامه التام مع ترمب وبينس وتوجهاتهما اليمينية.

فالأمر البارز للعيان هو إنكفاء إدارة أمريكا نحو الداخل ووقوعها تحت السيطرة التامة لليمين المسيحي الذي من أبرز رموزه السياسية مايك (ميخائيل) بينس نائب الرئيس الذي قال في أكثر من مناسبة أن مسيحيته تتقدم على منصبه السياسي ، والذي يُشكل اختياره لمنصب نائب الرئيس دلالة واضحة على رغبة ترمب في التحالف مع اليمين المسيحي واليهودي للوصول الى أهدافه السياسية مع عدم إنكار حقيقة أن رغبته هذه ربما هي أيضا ً نتاج أهوائه وميوله الشخصية اليمينية العنصرية.

فماذا يريد اليمين المسيحي ؟

اليمين المسيحي يؤمن بأن المسيح المنتظر لن يأتي إلا إذا تم تجميع كل يهود العالم في الأراضي المقدسة وعندها سيأتي السيد المسيح ويضع جميع اليهود أمام خيار إما اعتناق المسيحية وإما القتل وسيتم قتل كل من لا يعتنق المسيحية وتُقام مملكة الرب !

والطريف أن اليمين اليهودي يعرف أن هذا هو هدف اليمين المسيحي ولكنه لا يؤمن بما يؤمنون به ولذا يتصور أن يستغلهم مرحليا ً لأن المسيح القادم سيأتي ليقيم الدولة اليهودية وليس المسيحية.

ومن أجل ذلك تعمل إدارة الرئيس ترامب ومنذ بدايات عهدها على تصفية وشطب كل ما يتعارض مع فكرة تهيئة الأجواء لتجميع يهود العالم في الأراضي المقدسة . فقد أعلنت الحرب على الشعب الفلسطيني على كافة الأصعدة واعترفت بالقدس عاصمة لاسرائيل واعترفت بضم الجولان وبحق اسرائيل في ضم كل أو بعض الأراضي الفلسطينية ومن أجل ذلك كان الإعلان الأخير لبومبيو بشرعية الاستيطان والمستوطنات وبأن المستوطنات لا تشكل مخالفة للقانون الدولي.

نحن أمام بولدوزر أو أمام تيار جارف عارم ولا يجوز أن نستمر في دفن رؤوسنا في الرمال وعدم النظر أمامنا لرؤية الخطر الداهم. فكل المعطيات من حولنا قد تغيرت والوضع السياسي والإقليمي من حولنا بات كالرمال المتحركة ونحن ما زلنا نفكر بعقلية عام 1988 وقرارات الجزائر ونشوة الانتفاضة الأولى وحلم أن تكون الانتفاضة هي الرافعة التي ستنقلنا من المنافي الى الدولة وحكاية حصان طروادة.

فالانتفاضة انتهت واللعبة السياسية انتهت والحلم تبدد والمؤامرة ابتلعت كل ما كنا نحاول البناء عليه.

لا أحد يحسد القيادة الفلسطينية على الوضع الذي آلت إليه ولكن على هذه القيادة أن تفيق من الحلم وأن تعيد النظر في كل ما فعلته وما تفعله وأن تقوم بعملية تقييم "واعية" للواقع الذي يحيط من حولها وأن لا تظل تغط في النوم السياسي وتحلم بإعادة عجلة التاريخ الى الوراء.

ولا شك بأن أي عملية تقييم ومراجعة للحساب يجب أن تتم من قبل خبراء ليسو جزءا ً من الماضي وأخطائه وليسو أسرى الوهم الذي ما زال البعض يعيشونه حتى اللحظة. وأقصد وهم أنه ما زال بالإمكان العودة لمائدة المفاوضات التقليدية ووضع خرائط الدولتين على الطاولة والخلوص الى حل الدولتين الذي لم يعد له مكان إلا في الأحلام. نحن بحاجة الى أخذ زمام المبادرة وتبني طروحات جديدة لا تتعارض مع الواقع المتبلور من حولنا وربما تستطيع البناء عليه.