لكي لا نقلّل من شأن القوى التي لها دور أساسي في المنطقة وتدخل في معادلات التوازن الإستراتيجي، فتركيا هي وليدة الإمبراطورية العثمانية المهزومة والمسؤولة بشكل مباشر عن دخول الإستعمار الحديث للمنطقة العربية ومناطق أخرى في أوروبا الشرقية، ومن هنا نأتي للدور الخاطئ الذي تلعبه تركيا بمسؤولياتها التاريخية سواء إسلامية أو ما يمتّ للجانب القومي والعلاقة المتشابكة بين الإسلام والقوميات في منطقة الشرق الأوسط على الأقل.
ولا ننسى هنا أن تركيا لها أكبر المساهمات في حلف الناتو حيث يبلغ عدد العسكريين العاملين في حلف الناتو كأكبر دولة مشاركة بقواتها بـ620 ألف عسكري عامل و429 ألف احتياط، أي باجمالي مليون و41 ألف تقريبًا، وهي أكبر قوة مشاركة كما قلت في حلف الناتو الذي تقوده أميركا، ولها من القواعد والصواريخ الاستراتيجية والنووية على أرض تركيا والمهددة لمنطقة الشرق الأوسط وشرق أوروبا.
بالتأكيد أن هذا الحلف الذي يسمى الناتو هو من دعم كل جولات إسرائيل في غزواتها واعتدائاتها وتنفيذ برامجها في المنطقة العربية في حروب سابقة، هذا الحلف الذي أنشيء عام 1949 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والذي تنص أهم مواده على أنه إذا تم الإعتداء على أي دولة من أعضاء الحزب يتوجب على جميع الأعضاء الدفاع عن تلك الدولة.
لم يتغير الحال من واجبات تركيا تجاه أهداف ومبادئ حلف الناتو، والداعم لانشاء لانشاء دولة إسرائيل ووجودها وأمنها، ولم يكن حزب العدالة والتنمية مغيرًا لأي التزامات لتركيا تخص الأمن والسياسة والإقتصاد في منطقة الشرق الأوسط والعالم، فمازالت تركيا لها علاقات أمنية واسعة مع إسرائيل ومازال هناك أكثر من 80 ألف عامل تركي يعملون داخل إسرائيل ومازالت الإتفاقيات العسكرية والتعاون العسكري والإنتاجي المسلح يتم بين تركيا وبين إسرائيل وآخرها الطائرات المسيّرة والتي تضرب ليبيا الآن من سمائها وتضرب في مناطق أخرى في سوريا فهي طائرات تطوير إسرائيلي، لا نريد أن نتحدث هنا عن أحداث متدرّجة في علاقاتها مع إسرائيل ولو نظرنا للحق التاريخي الذي يجب أن تمثّله تركيا في المنطقة لوجدنا أن هناك استحقاقات عليها لعودة الأرض الفلسطينية إلى أصحابها، وإلى عودة لواء الإسكندرونة إلى سوريا وأراضي الشام، ولكان من المفترض على تركيا بمنظور الأمن الإقليمي لكل من تركيا وسوريا أن تعمل على إستقرار الدولة الوطنية في سوريا لا على أن تقتضم أجزاء من أراضيها الشمالية وكما كان من حق تركيا أن تحافظ على أمنها القومي من مطالب الأكراد بدولة كان عليها أن تحافظ على هوية الدولة السورية أيضًا بهويتها القومية العربية التي لم تكن تتعارض مع وجودها كدولة بعد هزيمتها في الحرب العالمية.
هذه مقدمة مختصرة جدًا عن تركيا وما يجب أن تلعب به كدور في المنطقة داعم للخريطة العربية والأمن القومي العربي بدلًا من إقامة كافة العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني المغتصب للأرض العربية، وعالمنا اليوم لا يفهم لغة الخطابات، بل يفهم لغة الوقائع على الأرض وطبيعتها ومن هنا تحدد المواقف.
تركيا ساهمت مساهمة فعالة في تنفيذ مخططات كونداليزا رايس بما يسمى الفوضى الخلاقة أو الشرق الأوسط الكبير، علها تكون اللاعبة الأساسية في هذه المنطقة على حساب الأمة العربية ودولها، وعلى حساب الشعب الفلسطيني المغتصب بتلك العلاقة التاريخية بينها وبين إسرائيل وإذا قلنا بينها وبين إسرائيل يعني أن تركيا لم تعارض لا قديمًا ولا حديثًا المشروع الصهيوني على الأرض، بصرف النظر عن مواقف السلطان عبد الحميد الثاني في تاريخ سلالات الأسرة العثمانية.
من هنا كما قلنا تحدد المواقف وزاوية التحديد هو المنظور الذي يجب أن يلتزم به كل عربي تجاه الأمن القومي العربي بعد تهتك المنظومة العربية منذ عام 2011 بما يسمى الربيع العربي ودور تركيا الرئيسي في تدمير الدول الوطنية والعبث في الشؤون الداخلية العربية عسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا، فماذا كان دور تركيا تجاه غزو العراق مثلًا أو سوريا أو ليبيا أو العبث في شؤون مصر حتى وصل بها الأمر لمحاولة التدخل في تونس والجزائر. لا نستطيع أن نقول هنا أن تركيا تبحث عن امبراطوريتها كما يقول البعض في خانة التوازن مع التدخل الإيراني على حساب الأمن القومي العربي أيضًا لقوتين متوازيتين في الأهداف واللتان تعتبران أن الأمن القومي العربي أصبح في حكم المعدم تتويجًا للتخريب الحادث في المنطقة العربية.
من هنا نستطيع أن نحدد بما تقدم الدور الذي ينطلق منه القائد الوطني محمد دحلان في مواقفه القومية التي لها أعماق وطنية تخص جذور المشكلة وهي القضية الفلسطينية التي تتحرك في أعماق فكره وسلوكه فلا يمكن الفصل بين أي انجاز قد يتحقق في مسارات القضية الفلسطينية والأمن العربي القومي منتهك من قبل قوتين متوازيتين تتصارعان عليه، تركيا وإيران، واللتان تقومان بتغذية معارك مختلفة نيابة عن التصور الإمبريالي في المنطقة.
دحلان ليس شجرةً بلا عروق وجذور، فجذوره ممتدة في حركة النضال الوطني الفلسطيني التي يؤمن دومًا بها وهي أن القضية الفلسطينية (فلسطينية الوجه، عربية العمق، عالمية الامتداد) هذه مبادئ دحلان التي تحرك كل سلوكياته والتي يعتبرها البعض تبويبًا للهجوم عليه وكيل الاتهامات له ومحاولة تعطيل دوره معنويًا وماديًا في هذه المعركة الخطرة التي تمر بها القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي برمته، دوافع دحلان لمواقفه المختلفة من جميع الأطماع التي تهدد الأمن القومي العربي وبالطبع تهدد القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني هي الثوابت التي تحركه وهو الفدائي الذي سخّر كل امكانياته ووجوده في أكثر من ميدان عربيًا وإقليميًا ودوليًا، فحجّة وادّعاء أردوغان ونظامه ووزير داخليته مردود عليهم، ولأن في المقدمة وهذا النتاج الطبيعي لأي قائد وطني وقومي أن يقف أمام أعداء الأمة، فيجب أن لا نضع المبررات من قبل البعض الغير مسؤول في الحركة الإعلامية، فدحلان ومواقفه ليست بحاجة للدفاع عنها، ولسنا بقبيلة وعشيرة لنتحرك بهذا السلوك، فتكفي بانتماءه وأفعاله على الأرض ما تتحدث عنه ترجمات الأبجديات، فالتشابك بين دحلان والمتطلبات الوطنية والقومية هو تشابك طبيعي وحتمي ومصطدم مع كل ما يهدد القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي.
يجب أن نتعمق في سلوك أدواتنا الإعلامية والسياسية وغيره من وسائل الدفاع والهجوم في نفس الوقت على كل أعداء هذه الأمة وعن تاريخها في وجه تركيا وغير تركيا، ولكن هذا بالفعل على الأرض عن طريق البناء وتصليب المواقف، هكذا تفهم اللغة، وليس من خلال العنتريات والأساليب الهابطة في نشر أهدافنا ومتطلباتنا الوطنية أمام العالم والمهتمين بهذا الخصوص، فكلما ارتقينا في وسائل دفاعاتنا وهجومنا كلما كانت السهام صائبة أكثر، وبتركيز أكبر.
تهديدات وزير داخلية تركيا بوضع إسم دحلان على قائمة الإرهاب الدولي هو تدخل مضاف في شؤون الأمة العربية والقضية الفلسطينية ويدعو لاضعاف الجبهة الوطنية الفلسطينية لصالح أطراف أخرى عملت على صك الاعترافات مع المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية وقبولها في المنطقة كدولة على حساب الشعب الفلسطيني، وهذا الدور الخاطئ الآخر لتركيا في المنطقة الذي كان من المفروض أن يدعم الجبهة الداخلية الفلسطينية بقواها المختلفة وانهاء التناقضات فيما بينها بوساطة تركية إيجابية وليس تخريبية لصالح هذا الطرف أو ذاك هذا هو الموقف التاريخي الذي كان يجب على تركيا أن تقفه ولا تكون امتداد لبرنامج تخريبي بدأ من عام 2011 في المنطقة العربية لصالح نظرية الأمن الإسرائيلية التي أحدثت فيها خلل قوى المقاومة الوطنية المختلفة التي هددت أمنها ومستوطنيها وجعلتهم معتكفين في الملاجئ ساعات وساعات، وأوقفت حركة الحياة في هذا المجتمع الغاصب.
يمكن أن نتحدث بالكثير عن دور دحلان الوطني والقومي ولا نغفل هنا الإنساني ولا نغفل أيضًا الخطوات الرائدة التي قام بها في المجتمع الفلسطيني الذي عملت كثير من القوى على تشتيته وإثارة الإنقسامات الحزبية والتشويه الثقافي بمعطيات مرحلة لا تفيد الوطنية الفلسطينية بل قام هو على إحيائها بعد أن حكم الكثيرون على انتهاء حقبة الوطنية الفلسطينية لتبويبات جديدة حملتها أوسلو واستنساخاتها.
وتبقى محاولات تركيا للعبث في المعادلات الفلسطينية وما يمكن أن يأتي به المستقبل نتيجة متغيرات مختلفة حتمًا الفشل، فكما قلت هنا الوطنية الفلسطينية تتحدث عن نفسها وعن صلابتها وقوتها ودعائمها الأساسية بامتداداتها القومية التي لا نخشى من الالتزامات بها ولا نضع المبررات والحجج وأن نخرج من ثوب التزاماتنا الوطنية والقومية.