غياب الإنجاز السياسي يحرم إسرائيل من تحقيق "الحسم" رغم الانتصارات العسكرية

حجم الخط

وكالة خبر

بقلم: زلمان شوفال
انتهى التوتر في الجنوب، حالياً، ولقّنَ الجيش الإسرائيلي "الجهاد الإسلامي" درساً لن ينساه بسهولة.
ولكن رغم الجهود السياسية لمحافل مختلفة، بما فيها إسرائيل ومصر، لتثبيت تهدئة طويلة المدى، فإن الوضع الجغرافي – السياسي في المنطقة والواقع السياسي الداخلي في قطاع غزة يمنعان ذلك.
إذا ما استؤنفت نار الصواريخ والمقذوفات الصاروخية بمثل هذا الحجم أو ذاك، وعمل الجيش الإسرائيلي أيضا بهذه القوة أو تلك ضد مطلقي الصواريخ والمقذوفات الصاروخية وقيادات المنظمات المختلفة، ستنطلق مرة أخرى في البلاد الدعوة أن "دعوا الجيش الإسرائيلي ينتصر"، أي: سنسير حتى النهاية، نكسر "حماس"، نهزم منظمات "الإرهاب" الأخرى و"نصفي نهائيا" (اقتباس عن أفيغدور ليبرمان) "حكم الشر" هناك (وثمة من يضيفون في هذه المناسبة أن نفكك أيضا السلطة الفلسطينية في رام الله).
يحتمل أنه ذات يوم سنضطر بالفعل لنحقق هذا الخيار، الذي هو ممكن على المستوى العسكري. ولكن على الفور سيثور السؤال ماذا سيأتي في أعقابه، حين لا يكون في الطرف الفلسطيني جهة سياسية مستعدة لان تتوصل إلى تسوية سياسية مستقرة مع إسرائيل، تسوية تقوم على أساس تنازلات متبادلة واعتراف أيديولوجي بحق الشعب اليهودي في دولة، إضافة إلى ذلك لا يوجد في الطرف الفلسطيني جهة أثبتت أنها قادرة على أن تقيم وتبقي على سلطة تؤدي مهامها. أن نكون الحكام في قطاع غزة لمليونين من سكانه هذا ليس بمثابة رؤيا محببة.
الشرق الأوسط كله يمر بتقلبات وتغييرات، أحيانا مفاجئة وغير متوقعة، بعضها إيجابي، بعضها خطير، ويحتمل أن آجلا أم عاجلا ستأتي أيضا إلى المجال الفلسطيني.
عندها يحتمل أن نقف أمام حرب شاملة أو بالعكس، أمام احتمال حقيقي لتسوية سياسية بعيدة المدى، بما في ذلك في غزة، ولكن في هذه الأثناء من الأفضل أن تتواصل السياسة المتوازنة والمسؤولة التي تتخذها إسرائيل حتى الآن.
على أي حال، فان شعار "دعوا الجيش الإسرائيلي ينتصر" يثير أسئلة ليس فقط حول غزة: ما هو في واقع الأمر "الانتصار"، بل أكثر من ذلك، ما هو "الحسم" حين يدور الحديث عن الحرب ونتائجها؟ الرئيس ترامب، مثلا، أعلن عن النصر، بل النصر الساحق، في الحرب ضد "داعش"، ولكن عندما يواصل هذا التنظيم أو مبعوثوه العمل في إفريقيا وأماكن أخرى، ويدّعون إعادة بناء أنفسهم حتى في مناطق من سورية (بفضل الهجوم التركي على الأكراد الذي سمح به ترامب) فهل هذا انتصار، فما بالك بالحسم؟ في الحرب العالمية الثانية كان بالفعل انتصار وكان هناك حسم، ولكن في غضون وقت قصير بنى "المهزومون"، ألمانيا واليابان، أنفسهم تقريبا بكل المعاني (بالنسبة لألمانيا، العسكري أيضا).
وقلبوا مفاهيم الانتصار والحسم إلى قيم نسبية بالتأكيد. وماذا بالنسبة لإسرائيل؟ إسرائيل بالفعل انتصرت من ناحية عسكرية في معظم حروبها (باستثناء حرب لبنان الثانية)، ولكن الحسم من ناحية سياسية لم يسجل في واقع الأمر إلا في "حرب الاستقلال"، التي ضمنت وجود الدولة وثبتت حدودها، وفي حرب "يوم الغفران"، التي وضع الانتصار الإسرائيلي فيها، رغم البداية البائسة، الأساسات للسلام مع مصر وإخراج إسرائيل في هذه المرحلة من دائرة المواجهات (ثمة من يدعون أنه في "حرب الأيام" الستة كان أيضا انتصار وحسم. الانتصار كان بالفعل، ولكن لو كان أيضا هناك حسم سياسي لما كانت ربما حاجة لهذا المقال). الاستنتاج هو أنه دون الجانب السياسي فان "النصر" و"الحسم" هما، كما اسلفنا، مفهومان نسبيان ومؤقتان.
ثمة من يدعون أيضا أنه لأننا لم نسمح، زعما، للجيش الإسرائيلي بان "ينتصر" في غزة، فقدت إسرائيل، ظاهراً، تفوق الردع لديها.
هذا خطأ، أحيانا لأسباب سياسية معروفة، وكما يشرح د. دان شيفتن، رئيس البرنامج الدولي للأمن القومي من جامعة حيفا، فان الشرط المسبق لامتناع العرب عن الهجمات ضد إسرائيل هو خوفهم من خليط قوة إسرائيل وتصميمها على الضرب الشديد لأعدائها. وهو يلخص فيقول: "الردع الاستراتيجي (لإسرائيل) لم ينهر أبدا". سؤال واجب، بالطبع، هو بأي قدر يكون فيه الردع الذي عمل ويعمل في وجه تهديدات من الجانب العربي ناجعا تجاه عدو إيراني يعمل أيضا بوسطة مبعوثين مثل الميليشيات الشيعية، "حزب الله"، الحوثيين، ومنظمات إرهاب اخرى؟ في هذه المرحلة حكومة نتنياهو، بما في ذلك استنادا إلى الدبلوماسية المتطورة، تعمل بنجاح ضد تهديدات مباشرة وغير مباشرة من مناطق مختلفة قريبة وبعيدة، ولكن في هذا السياق لم تكتب بعد الكلمة الأخيرة، لا من جانبنا ولا من جانب أعدائنا.

عن "معاريف"