رسـالـة إلـى نـتـنـيـاهـو

حجم الخط

وكالة خبر

بقلم: أ.ب يهوشع
التقينا مرة واحدة فقط. عندما مثلت مسرحيتي في الكامري «سار اثنان معاً» عن محاولات لمحادثات المصالحة بين بن غوريون وجابوتنسكي في العام 1934 في لندن، لم تتمكن من الوصول إلى المسرح، ولهذا فقد بعثت لك المسرحية بناء على طلبك، وبعد أن قرأتها اقترحت عليّ أن ألتقيك. جئت إلى بيتك في بلفور في ظهيرة يوم جمعة صيفي حار، وكان لك يوم عمل مليء بالمشاغل، ولهذا فإنك لم تتمكن من تناول وجبة الغداء، سألتني إذا لم يكن يضيرني أن تأكل بحضرتي، وأجبت بالإيجاب لأني لم ارغب في أن أثقل أكثر على جدولك الزمني.
وبدت الوجبة التي وصلت إلى غرفة العمل متواضعة وهزيلة. وعندها أشرت إلى الصحن وقلت بسخرية، «ها هي مناعم حياتي».
لم نتحدث في الشؤون العامة كما لم تكن عندي نية بان أبدأ بالمزايدة وإسداء النصائح. تحدثنا أساسا عن اللقاء بين هذين الزعيمين التاريخيين المهمين، بن غوريون وجابوتنسكي، اللذين يشكلان حتى اليوم بنية تحتية ذات مغزى لكل نقاش سياسي وايديولوجي جدي.
كلاهما رافضان بوضوح للمنفى (جابوتنسكي: «إذا لم تصفّوا المنفى، فالمنفى سيصفّيكم»؛ بن غوريون: «وما هي اللاسامية حتى نشكو منها؟»).
وعندها، حين لاحظت صورة أخيك يوني الراحل على رف الكتب، سألتك ماذا كان برأيك موقفه في موضوع رفض المنفى، ولمفاجأتي قلت إنه كان أقرب إلى مواقفي الحازمة مما إلى مواقفك.
بالإجمال كان لقاء قصيرا. كان هذا في الفترة التي فكرت أنت وإيهود باراك فيها قصف منشآت النووي لإيران، ورأيت انه في أثناء الحديث كانت عيناك تتحركان بلا انقطاع قلقا نحو الخريطة الكبيرة للشرق الأوسط على الحائط في غرفة عملك، تتجهان المرة تلو الأخرى إلى زاوية اليمين، إلى إيران.
قرأت ذات مرة، ولا أدري إذا كان هذا صحيحا أم لا، بان أباك قال إنه برأيه انت في واقع الأمر مناسب لتكون وزير خارجية وليس رئيس وزراء. وقد أثبت التاريخ بأن اباك اخطأ، ولم يعرف كيف يقدر كامل قوتك.
كنت رئيس وزراء حازما، مسؤولا مطلقا في الساحة السياسية، ذا قدرة حسم وذا قدرة عمل مذهلة. عندما رأيتك تقف، بناء على دعوة من بوتين، في الساحة الحمراء، في يوم الثورة، في تلك الساحة التي وقف فيها ستالين وبريجينيف وتستعرض مسيرة عسكرية، قلت لنفسي: «هذا الرجل هو فنان إعلام سياسي، ومع كل معارضتي الشديدة وغضبي على قراراتك السياسية ونفوري العميق من أسلوبك التحريضي، دربت نفسي أيضا على الحكم على أفعالك وأفعال رفاقك بشكل موضوعي كي اعرف كيف أكافحكم سياسياً وإيديولوجياً بشكل أكثر تصميما ونجاعة. وكي لا أعلق في دوامة عابثة من الرفض المطلق.
أما الآن فانك توجد في مفترق حاسم في حياتك السياسية. انت تمسك بالدولة من عنقها فقط كي تحاول إنقاذ نفسك من المحاكمة وفقا للائحة الاتهام التي رفعت ضدك. انت تعتزم جر الدولة إلى حملة انتخابات ثالثة تضرب فيها شرخاً وتقسيما للشعب دون أن تجلب أي حسم جديد. بوسعك وبقدرتك أن تحرر الدولة من حملة انتخابات زائدة كهذه وان تحاول إثبات براءتك في المحكمة كمواطن مخلص لشعبه ووطنه.
لم أجلس أبداً على كرسي القضاء، ولكني واثق ومتأكد من أنّك إذا وصلت إلى المحكمة كـ «محرر» وليس كـ «خانق»، فان قرار المحكمة، مهما كان، سيعرف كيف يقدر على نحو سليم الموقف الذي اتخذته.
وعليه سيدي، حرّر ليس فقط الدولة بل نفسك أيضا، وكإنسان عمل بكد شديد في خدمة الشعب ونال كل الاحترامات والتشريفات، سيفتح أمامك أفق حياة مليئاً بالاهتمام ومليئا بالتحدي الثقافي والفني الذي لم تعرفه.
وستشهد، أنت وأبناء عائلتك تجارب وأشخاص لم تعرف بوجودهم على الإطلاق. إذاً، فلعلك تتذوق حقا «مناعم الحياة» التي بزعمك لم تعطَ لك. نعم، هذه الساعة لنقول لك بأدب ولكن بحزم: كفى، ارحل. في الولايات المتحدة الأميركية، التي ترتبط فيها انت بعمق، يتغير الرؤساء وكل أصحاب المناصب كل أربع أو بأقصى الأحوال ثماني سنوات. والدولة الأميركية لا تنهار بل تتجدد أيضا.
أخيراً، ككاتب، آخذ لنفسي أحيانا الحق في أن اشجع أيضا أولئك الذين في معظمهم يمكنني أن أتخيلهم: أصدقاء حقيقيون لك، بينهم أولئك الذين توفوا، أناس رافقوك أيديولوجيا وسياسيا بإخلاص في طرق كثيرة، والآن بعضهم لا يمكنهم أن يقولوا لك ببساطة: ارحل، يا بنيامين نتنياهو، حرر الساحة السياسية التي أحسنت جداً في التحكم بها، وهكذا حرر نفسك أيضا إلى افق جديد.

عن «يديعوت»