نتنياهو يجسد قوة فساد السلطة

حجم الخط

بقلم: ا.د ألون بن مئير

 

وأخيرا جرى توجيه لائحة الإتهام التي طال انتظارها لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. فعلى مدار ثلاث سنوات، لم يأل نتنياهو جهدا لإسقاط ثلاث قضايا جنائية ضده لكنه فشل. وإلى حد ما، أصبحت هذه الاتهامات وآثارها واضحة الآن، فهي استحوذت على تفكيره في كيفية إنقاذ نفسه والحفاظ على منصبه كرئيس للوزراء. وأثرت الإتهامات في سياسات إسرائيل، بخاصة تجاه الفلسطينيين. وبدون أدنى شك، أثرت سلبًا على جهوده في تشكيل حكومة بعد الانتخابات الأخيرة.

ففي القضية الأولى (1000)، اتهم نتنياهو بتلقي هدايا من منتج أفلام هوليود أرنون ميلتشن مقابل خدمات سياسية. وفي القضية الثانية (2000)، اتُهم بإبرام صفقة مع ناشر "يديعوت أحرونوت" أرنون موزيس لقيام الصحيفة بتوفير تغطية ايجابية له مقابل الاستهداف السياسي لصحيفة منافسة لها.

أما في القضية (4000) قام نتنياهو بخطوات لصالح صديقه شاؤول إيلوفيتش الذي سيطر على شركة بيزك مقابل تغطية تفضيلية على موقع أخبار بيزك الإعلامي (واللا). وفي القضيتين الأولى والثانية اتهم نتنياهو بالاحتيال وخيانة الأمانة. أما القضية الثالثة فأضيفت تهمة الرشوة.

وكان نتنياهو بذل جهدًا هائلا لاستبعاد تلك الاتهامات مدعيا أنه في القضية الأولى فمن المقبول تلقي هدايا من الأصدقاء. وفي القضية 2000، ادعى أنه وموزيس كانا يخدعان بعضهما البعض بشكل أساسي ولم تكن لديه أي نية لمواصلة ذلك الخداع. وادعى في القضية 4000 بأن المطالبة بتغطية إعلامية تفضيلية لا تعتبر رشوة.

وفي شهر نيسان من هذا العام، واصل نتنياهو جهوده بدءا بمحاولة إعادة تفعيل قانون الحصانة لعام 2005 الذي خول لجنة الكنيست بصلاحية رفض طلب المدعي العام بإلغاء الحصانة عن أي عضو من أعضاء الكنيست. وفي شهر أيار، خطط نتنياهو للدفع بقانون جديد يسمح للكنيست بحماية حصانته. وكان من شأن ذلك تخويل الكنيست تجاهل أي حكم للمحكمة العليا في القضايا الإدارية بما يشمل ذلك احتمال إلغاء حصانة نتنياهو.

وفي شهر تموز، أدرك نتنياهو أنه لا يستطيع تمرير مثل تلك القوانين، وصرح بأنه "لا أحد يغير القانون الذي لا يحتاج إلى تغيير، وأنا لا أحتاجه على الإطلاق ... وذلك غير ضروري على الإطلاق لأنه لم يكن ولن يكون هناك أي شيء."

ومثلت لوائح الاتهام الثلاث سحابة سوداء تحوم فوق رأس نتنياهو، وكان لها تأثير كبير على قراراته السياسية، حيث سعى للإثبات أن الإتهامات تافهة إلى درجة كبيرة وأنه الزعيم الذي لا غنى عنه لحماية الأمن القومي لإسرائيل.

لكن التأثير الأكبر لهذه الاتهامات كان على سلوكه تجاه الفلسطينيين. وكان بحاجة لإظهار موقفه الصلب الذي لا هوادة فيه، ليس فقط لتعزيز قاعدته في يمين الوسط، وإنما للإثبات أنه الزعيم الأوحد الذي يستطيع اتباع سياسات تتماشى مع تطلعات إسرائيل القومية المفترضة للسيطرة على "أرض إسرائيل" بما في ذلك الضفة الغربية. وبخلاف استمراره في توسيع الإستيطان وإضفاء الشرعية عليه، أعلن أكثر من مرة أنه عقب تشكيل حكومة جديدة ستضم إسرائيل أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لمواصلة إرضاء قاعدته الإنتخابية.

ولعل أهم تأثير لهذه الاتهامات تمثل في انعدام قدرته على تشكيل حكومة مرتين هذا العام وذلك في شهري نيسان وأيلول. وبحكم شغله الموقع الحالي لرئيس الوزراء، فلن تتم إدانته. ولهذا فهو يصر على عدم التخلي عن هذا المنصب تحت أي ظرف من الظروف، علما أن لائحة الاتهام ضده ستجبره على مواجهة المحاكمة. وهذا الأمر أصبح أكثر إلحاحابعد الانتخابات الثانية، عندما حاول هو وزعيم حزب أزرق أبيض بيني غانتس تشكيل حكومة وحدة.

وللسبب نفسه، أصر نتنياهو على أنه في رئاسة الوزراء الدورية التي اتفق عليها الجانبان، سيشغل منصب رئيس الوزراء خلال العامين الأولين. لكن بعد رفض غانتس بالنظر إلى التفويض الأكبر لحزبه والمتزامن مع الإتهامات العالقة لنتنياهو، إختار نتنياهو خوض انتخابات ثالثة خلال عام على أمل أن يخرج فائزا بتفويض أكبر لتشكيل حكومة جديدة.

الأمر المحزن في كل هذا، أن نتنياهو وضع على الدوام مصلحته الشخصية فوق الحزب والأمة. فبعد أن شغل نتنياهو منصب رئيس الوزراء الأطول في تاريخ إسرائيل، كان أول ما يدور في ذهنه الجوع الشره للسلطة والحاجة الماسة للنجاة من لائحة الاتهام.

وبالنسبة لرجل يدعي افتخاره بحب بلده وكرس طول حياته لخدمة الدولة، إلا أنه فشل في الإدراك أنه بالتحليل النهائي، فإن بقاء إسرائيل لا يتوقف ولا يعتمد أبدًا على فرد واحد. فلو كان مهتمًا بالفعل برفاهية وأمن إسرائيل، لكان وافق على العمل في حكومة وحدة وطنية مع غانتس وفقًا لشروط حزب أزرق أبيض، وجنب البلاد آلام إجراء انتخابات ثالثة، حيث أن فشله وفشل غانتس في تشكيل حكومة سيدفع إسرائيل الآن نحو انتخاباتها الثالثة في عام واحد.

كنت في رسالتي المفتوحة إلى نتنياهو في تشرين أول، كتبت "لقد حان الوقت لك للمغادرة. ولا يوجد شيء يمكنك القيام به لا يمكن للآخرين فعله بنفس القدر إن لم يكن أفضل. استقل من منصبك وتوجه الى النائب العام لإسقاط التهم الموجهة إليك. ستسامحك الأمة عن نواياك الحسنة وبعض الأعمال ... ما لم تكن ترغب في أن ينتهي بك الأمر في السجن مثل سلفك، جنب الأمة الإذلال والألم."

ومن المؤسف أنه لم يلتفت إلى هذه النصيحة بغض النظر عن مصدرها. والآن قد ينتهي به المطاف في السجن ويصم إسرائيل بأنها تقاد من قبل فاسدين يبدو أنهم يضعون دائماً مصالحهم الشخصية فوق مصلحة الأمة.