جبهة غزة: في انتظار الاختبار.. غداً

حجم الخط

بقلم: أليكس فيشمان


يتباهى جهاز الأمن بأنه نجح في أن يفرض على "حماس" الحفاظ على الهدوء، على طول الجدار، في الأسبوعين الأخيرين، بما في ذلك إلغاء استثنائي للتظاهرات الجماهيرية في نهاية الأسبوع. ولكن هل خلقت حملة "الحزام الأسود" بالفعل انعطافة جوهرية في الاحتكاك مع قطاع غزة أم أن الهدوء في الأسبوعين الأخيرين هو خطوة تكتيكية أخرى من جانب "حماس"؟ الاختبار الأول لذلك سيكون في نهاية الأسبوع القريب القادم: يوم الجمعة سيحيي الفلسطينيون، مثل الإسرائيليين، 72 سنة على 29 تشرين الثاني 1947، اليوم الذي قررت فيه الأمم المتحدة تقسيم البلاد. إذا ساد الهدوء على طول الجدار، أو جرت تظاهرات رمزية فقط، فسيكون هذا مؤشراً واضحاً إلى تغيير محتمل. إذا لم تنتقل أيام الغضب في الضفة إلى قطاع غزة، فسيكون هذا مؤشراً إيجابياً أكثر. عندها فقط سيكون ممكناً البدء بالتفكير بتعابير "نافذة الفرص" لتسوية بعيدة المدى في غزة.
عندنا يسارعون إلى الاحتفال بالإنجازات التكتيكية، ولكن النشوى بعد الحملات العسكرية الناجحة تؤدي دوماً عندنا إلى أخطاء سياسية في فهم المجتمع الفلسطيني. دوماً يخيل لنا أن الحسم في معركة تكتيكية ما هو انتصار شامل. الآن أيضاً، مثلاً، تمكنا من أن ننسى أن هدوء الأسبوعين الأخيرين جاء بعد سنة ونصف السنة من التظاهرات المتواصلة، في كل نهاية أسبوع، شارك فيها بين 5 آلاف إلى 50 ألف نسمة. إسرائيل، القوة العظمى الإقليمية، لم تنجح في لجم "العربدة" التي جعلت الحياة في غلاف غزة لا تطاق. فعندما سجل في الطرف الآخر أكثر من 300 قتيل وآلاف الجرحى، يحتمل أن يكون الحكم في غزة ببساطة يعيد احتساب المسار فقط.
من غير المستبعد أن تكون "حماس" حرصت على إلغاء التظاهرات على الجدار منعاً للإصابات بنار الجيش الإسرائيلي، ما كان يسمح لـ "الجهاد الإسلامي" بأن يناكف مرة أخرى قولها ويطلق النار نحو إسرائيل. كما أنه من غير المستبعد أن يكون الهدوء الذي فرضته "حماس" على المنظمات الأخرى في غزة ينبع من اعتمالات داخلية في "حماس"، بعد أن صفت إسرائيل عنها حجر عثرة هو مسؤول "الجهاد" أبو العطا، الذي لم يقبل إمرتها وتصدرها. فـ "حماس" ترى نفسها اليوم كجيش بكل معنى الكلمة، وليس كذراع عسكرية لمنظمة "إرهاب". وللتجسيد على ذلك، يعتبر محمد ضيف في بيانات "حماس" رئيساً لهيئة الأركان العامة لكتائب عز الدين القسام، وليس قائد الذراع العسكرية، كما كان يسمى في الماضي. أما "الجهاد الإسلامي" فقد رفض الدخول تحت سلسلة القيادة هذه.
على الأرض نفسها توجد بضعة مؤشرات مشجعة أخرى. فالقوى "اللاجمة" لـ "حماس" أطلقت في الأسبوعين الأخيرين النار على متظاهرين حاولوا الخروج عن التعليمات القاضية بعدم الدخول إلى الأراضي الإسرائيلية أو إلقاء عبوات على الجنود، بل أوقفت إطلاق البالونات وإحراق الحقول في إسرائيل. أما قادة الوحدات الذين لم يقبلوا بإمرة المنظمة فقد اعتقلوا. تتصرف "حماس" بشكل متصالح أيضاً مع السلطة الفلسطينية: لشدة خيبة أمل مكتب أبو مازن في رام الله وافقت "حماس" على قبول شروطه لإجراء الانتخابات، بلا تحفظ تقريباً، بما في ذلك الموافقة على السير إلى انتخابات للبرلمان بالضفة في إطار قائمة لا تتماثل مباشرة مع منظمة "حماس".
غير أن الجيش لا يكتفي بالإنجاز العسكري، بل يدفع القيادة السياسية لتثبيت الإنجاز بخطوات مدنية داعمة، معناها تحسين الوضع الاقتصادي في قطاع غزة وعملياً تثبيت حكم "حماس" في القطاع. أن يكون الجيش راضياً عن الإنجاز العسكري شيء، واللعب بالمادة المتفجرة السياسية شيء آخر. فهذا لم يعد ملعب الجيش. من قال إن "حماس" بالفعل غيرت سياستها؟ من قال إن على إسرائيل أن تطور قبضتها في قطاع غزة؟ هدف "حماس" – قبل أن تعالج "الكيان الصهيوني" هو أن تسيطر قبل ذلك على السلطة الفلسطينية، على الجمهور الفلسطيني كله، سواء بالانتخابات أم بـ "الإرهاب". لهذا الغرض تجدها تحتاج إلى وقف نار بعيد المدى كي تترسخ. هل تشتري إسرائيل هدوءاً للمدى القصير، يؤدي إلى نشوء عدو أقوى بكثير للمدى البعيد؟ وهل هذه بالفعل تعليمات القيادة السياسية للجيش أم أنه في ظل عدم وجود قيادة سياسية يقود الجيش قرارات ذات آثار سياسية بعيدة المدى؟

 عن "يديعوت"