خطوة تصعيدية تنذر بالأسوأ

تقرير أممي: الأمن العراقي قتل 380 متظاهرًا خلال الاحتجاجات الشعبية

مظاهرات العراق
حجم الخط

بغداد - وكالة خبر

كشف مراقبون أن الحكومة العراقية قامت بالاستعانة بالقادة العسكريين لمواجهة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت منذ الأول من أكتوبر الماضي، وراح ضحيتها حوالي (380) مواطنًا، ما ينذر بخطوة تصعيدية للأسوأ.

وقبيل عمليات التصعيد التي حصلت مساء الأربعاء الماضي في ساحات الاحتجاجات في مدن جنوبية، قررت بغداد إرسال قيادات عسكرية إلى عدد من المحافظات من أجل "المساعدة في ضبط الأمن".

وحسب بيان حكومي تقرر تكليف بعض هذه القيادات ليكونوا أعضاء في خلية أزمة تتولى القيادة والسيطرة على كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية في المحافظات، ولمساعدة المحافظين في أداء مهامهم.

وذكرت وكالة "رويترز"، أن قوات الأمن العراقية قتلت بالرصاص (45) متظاهرًا على الأقل بالأمس، بعدما اقتحم متظاهرون القنصلية الإيرانية خلال الليل وأضرموا النيران فيها فيما قد يمثل نقطة تحول في انتفاضة على السلطات المدعومة من طهران.

ولقي ما لا يقل عن (29) شخصًا مصرعهم عندما فتحت القوات النار على متظاهرين أغلقوا جسرا في مدينة الناصرية الجنوبية قبل فجر يوم الخميس، كما تجمع المحتجون في وقت لاحق عند مركز للشرطة. وقالت مصادر طبية إن عشرات أصيبوا أيضا بجروح.

وسقط أربعة آخرون قتلى في العاصمة بغداد حيث أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية والطلقات المطاطية قرب جسر على نهر دجلة. كما قتل (12) متظاهرًا في اشتباكات وقعت في مدينة النجف.

وفي الناصرية تحدى آلاف المشيعين حظرا للتجول، ونزلوا للشوارع للمشاركة في جنازات قتلى الاحتجاجات.

وشكلت لقطات مصورة للمحتجين وهم يهللون خلال الليل بينما كانت ألسنة اللهب تستعر في القنصلية تغيرا مذهلا بعد سنوات شكل فيها النفوذ الإيراني لدى الشيعة في الدول العربية عاملا مهما في المشهد السياسي في الشرق الأوسط.

وحولت إراقة الدماء التي تلت ذلك اليوم إلى أحد أكثر الأيام عنفا منذ بدء الانتفاضة في بداية أكتوبر الماضي، إلا أن القمع الأشد كان من نصيب مدينة الناصرية، مسقط رأس رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، حيث فتحت قوات الأمن الرصاص الحي على المتظاهرين مما تسبب في مقتل أكثر من (25) شخصًا وإصابة نحو 200 آخرين.

وفي يوم يعد من الأكثر دموية في التظاهرات المستمرة منذ شهرين قتل (31) متظاهرًا بالأمس في العراق خلال مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن العراقية.

ونددت المفوضية العراقية لحقوق الإنسان في بيان "بالاستخدام المفرط للقوة" بعد أن سجلت سقوط 25 قتيلا في الناصرية وأربعة قتلى في مدينة النجف، حيث أحرق المتظاهرون قنصلية إيران الأربعاء، وقتيلان في بغداد، إضافة إلى عشرات الجرحى في أنحاء البلاد.

وقال المحلل السياسي أحمد الأبيض إن "تعيين قادة عسكريين لإدارة شؤون المحافظات يعد اعلان حالة طوارئ بشكل غير معلن وهو آخر ورقة تلعبها الحكومة من أجل السيطرة على الأوضاع".

وأضاف أن "القادة السياسيين المقربين من إيران والميليشيات المرتبطة بهم هم من يضغطون على رئيس الحكومة لاعتماد الحل الأمني واستنساخ التجربة الإيرانية لمواجهة التظاهرات".

وذكرت وكالة أنباء مهر شبه الرسمية نقلا عن مسؤول محلي معني بإدارة الحدود، أن إيران أغلقت معبر مهران الحدودي مع العراق مساء أمس لأسباب أمنية.

ونقلت الوكالة عن مجتبى سليماني مدير نقطة الحدود قوله "في ظل الأحداث الحالية والاضطراب في دولة العراق تم إغلاق معبر مهران اعتبارا من الليلة"، مضيفًا أنه من غير الواضح متى سيعاد فتح الحدود.

وتحولت القنصلية الإيرانية في النجف، وهي مدينة تضم مزارات شيعية مقدسة وهي أيضا مقر المرجعية الشيعية، إلى أنقاض متفحمة، حيث اتهم المحتجون وأغلبهم من الشيعة، السلطات العراقية بالعمل ضد شعبها للدفاع عن إيران.

وقال محتج شهد إشعال النار في القنصلية إن قوات الأمن فتحت النار في محاولة لمنع المتظاهرين من إحراقها، مضيفًا أن كل شرطة الشغب في النجف وقوات الأمن بدأت إطلاق النار علينا وكأننا نحرق العراق كله.

وقال محتج يدعى علي في النجف "إحراق القنصلية ليلة أمس كان عملا شجاعا ورد فعل من الشعب العراقي.. لا نريد الإيرانيين"، مشيرًا إلى أنه سيكون هناك رد انتقامي من إيران أنا واثق من ذلك، ما زالوا هنا وستواصل قوات الأمن إطلاق النار علينا".

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي يوم الخميس، إن الحكومة العراقية مسؤولة عن حماية قنصلية إيران.

ونقل التلفزيون الرسمي عن موسوي قوله "الحكومة العراقية مسؤولة عن حماية المراكز والبعثات الدبلوماسية لديها... طهران تستنكر بقوة هذا الاعتداء وتطالب باتخاذ إجراءات مسؤولة وحازمة ومؤثرة من قبل الحكومة العراقية في مواجهة العناصر المخربة والمعتدية".

وقالت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء إن موظفي القنصلية، والذين تم إجلاؤهم من المبنى قبل قليل من اقتحامه، "سالمون وبخير".

وانتهجت السلطات حتى الآن العنف لإخماد الاضطرابات وقتلت المئات بأعيرة نارية وبالقنابل المسيلة للدموع وطرحت في ذات الوقت مقترحات لتنفيذ إصلاحات سياسية وصفها المحتجون بأنها هامشية وشكلية.

ورفض رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الدعوات التي تطالبه بالاستقالة حتى الآن. وعقد عبد المهدي اجتماعات مع سياسيين بارزين بحضور قائد فيلق القدس وهو وحدة تابعة للحرس الثوري الإيراني منوطة بالقوات والجماعات التي تعمل لصالح طهران في الخارج.

وذكر بيان للجيش أن عبد المهدي استدعى يوم الخميس المشرف على القطاعات الأمنية في محافظة ذي قار، حيث تقع الناصرية، للحضور إلى بغداد "للتداول بشأن الأسباب التي أدت إلى الأحداث الأخيرة" في المحافظة.

وفي مؤشر على أن مزيدًا من العنف يلوح في الأفق، قال القائد العسكري للحشد الشعبي المهندس أبو مهدي، الذي يضم جماعات مسلحة ومعظم فصائله القوية على صلة وثيقة بإيران، إن الحشد سيستخدم كامل قوته مع من يحاول الاعتداء على آية الله العظمى علي السيستاني أعلى المراجع الدينية الشيعية في العراق والمقيم في النجف.

وقال في بيان نُشر على الموقع الإلكتروني للحشد الشعبي "سنقطع اليد التي تحاول أن تقترب من السيد السيستاني".

وأصدر رجل الدين الشيعي النافذ مقتدى الصدر دعوة جديدة للحكومة للاستقالة بينما حذر من أضرموا النار في القنصلية بأنهم يخاطرون بالتعرض لرد عنيف من السلطات.

وقال الصدر في بيان نشر على حسابه على تويتر "لا توفروا لهم غطاء يكون سببا في إنهاء ثورتكم وابعدوا المقدسات ومحافظاتها ومرجعياتها عن ذلك قدر الإمكان فهذا ما سيدفع الفاسدين في الداخل والخارج إلى ما لا يحمد عقباه"، مضيفًا أنه لو لم تستقل الحكومة فهذه بداية نهاية العراق.

وقال فنار حداد الزميل الباحث بمعهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية إن الحكومة قد تستخدم حرق القنصلية الإيرانية ذريعة لحملة أشد صرامة.

وأضاف "الجانب السلبي من وجهة نظر المحتجين هو أن هذا قد يعزز الرواية الحكومية أن المحتجين متسللون ومخربون ولا يقصدون خيرا".

وقال إنه "يبعث برسالة إلى إيران لكنه يفيد أيضا أشخاصا مثل المهندس... (بإتاحة) ذريعة لشن حملة وتصوير ما حدث على أنه تهديد للسيستاني".

ونادرا ما يتحدث السيستاني في الشؤون السياسية لكن تأثيره هائل على الرأي العام لاسيما في جنوب العراق حيث يتركز الشيعة. وسبق أن استغل السيستاني صلاة الجمعة في الأسابيع الأخيرة لحث الحكومة على تطبيق إصلاحات حقيقية والتوقف عن قتل المتظاهرين.

وذكر بيان للجيش أن السلطات شكلت "خلايا أزمة" في عدة محافظات في محاولة لاستعادة النظام.

وجاء في البيان "تم تشكيل خلايا أزمة برئاسة السادة المحافظين... تقرر تكليف بعض القيادات العسكرية ليكونوا أعضاء في خلايا الأزمة لتتولى القيادة والسيطرة على كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية في المحافظات ولمساعدة السادة المحافظين في أداء مهامهم".

يذكر أن الاحتجاجات التي بدأت في بغداد في الأول من أكتوبر وامتدت إلى المدن الجنوبية هي أصعب تحد يواجه الطبقة الحاكمة التي يهيمن عليها الشيعة، وتسيطر على مؤسسات الدولة منذ الاجتياح الأمريكي عام 2003 الذي أسقط حكم صدام حسين.