حمل «المنشفة» لإخماد النيران على جدار بيته فقتله الجنود الإسرائيليون!

حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي واليكس ليباك


قُتل بسبب منشفة. اعتقد جندي، كما يبدو، أن المنشفة زجاجة حارقة فأطلق النار عليه وقتله في مدخل بيته. فيلم الفيديو لا يترك أي مجال للشك. شاب خرج من باب بيته وهو يمسك بيده منشفة ويصرخ على جاره كي يسارع الى احضار الماء لاطفاء النار التي اشتعلت على جدار بيته في اعقاب القاء زجاجة حارقة رماها الشباب على الجنود وأصابت سور البيت.
تم اطلاق النار الحية على الرجل مباشرة من قبل جندي كان يقف في اسفل الزقاق. تدحرج على الدرج الموجود على مدخل بيته وحاول رفع جسمه مرة واحدة وسقط. وبعد فترة قصيرة توفي. هكذا انتهت عبثا الحياة القصيرة لعمر بدوي من مخيم العروب للاجئين الذي يقع على الطريق الرئيسي بين بيت لحم والخليل. وقد كان عمره عند وفاته 22 سنة.
هذه كانت الذكرى السنوية لموت ياسر عرفات، في 11 تشرين الثاني. في كل سنة يكون هذا اليوم، هو موعد للاضطرابات في «المناطق» بشكل عام وفي العروب بشكل خاص: قبل خمس سنوات قتل هنا في اليوم ذاته محمد جوابرة (19 سنة). فقد اطلقت النار الحية عليه داخل بيته من قبل الجنود الذين كانوا يقفون على سطح بيت آخر في المخيم. وبعد سنة في تشرين الثاني 2015 قتل ابراهيم داود، ابن 16 سنة، من قرية دير غسانة بنار جنود حرس الحدود.
هذه المرة اعتقد الجنود أن ضحيتهم يحمل زجاجة حارقة رغم أنه كان يحمل منشفة. هم أخطؤوا ويخطئون.

الغاز دخل إلى البيت
زقاق ضيق بقدر عرض الانسان، في اعلى مخيم العروب، غير بعيد عن مدخل المخيم. اكياس قمامة تكدست على امام مدخل البيت، حيث كان هناك يافطة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تغلف الآن الطابق العلوي. البيوت هنا تلامس بعضها والنوافذ امام بعضها، في المنطقة الاكثر اكتظاظا في المخيم. من مدخل هذا البيت أطل بدوي. الجندي الذي قتله برصاصة واحدة صوبها على الجزء العلوي من جسده وقف على مدخل الزقاق الذي ينحدر الى الاسفل، نحو عشرين مترا هوائيا فصلت بينه وبين بدوي. سقط بدوي على الدرج الذي يوصل بين الزقاق والبيت وتدحرج نحو الشارع.
كان هذا في الظهيرة بعد الساعة الثانية عشرة بقليل. حاول الجنود صد المتظاهرين الذين رشقوا الحجارة. بضع عشرات من طلاب الثانوية، من شارع 60 الى داخل المخيم، وركضوا خلفهم وهم يطلقون الغاز المسيل للدموع الذي دخل الى البيوت. بدوي كان في البيت اثناء ذلك، وهو ينشغل باصلاح الحمام لوالديه. عندما بدأ الغاز بالدخول الى البيت خرج الى الخارج هو وشقيقته مرام (23 سنة)، وشقيقه باسل (16 سنة) واثنان من ابناء عمه، حمزة (14 سنة) ويزن (12 سنة). وقد نادى على جاره المقابل له وهو قريب عائلة، طارق بدوي (25 سنة) كي يفتح الباب، ودخل أبناء العائلة الخمسة الى البيت. وبعد بضع دقائق لاحظ عمر بدوي وجود نار تشتعل على السور الخارجي غير المقصور لبيته، في مطبخ البيت، وتحرق الستائر المخملية التي توجد في البيت الذي تواجد فيه. اشتعلت النار في اعقاب القاء زجاجات حارقة القاها المتظاهرون على الجنود واصابت جدران البيت. بدوي سارع للخروج الى الخارج وهو يحمل منشفة ونادى على الجيران من اجل احضار الماء، وفي الوقت ذاته اطلقت النار عليه. بقعة سوداء تغطي الآن السور الخارجي لبيته، والستائر في بيت طارق اصبحت سوداء والنباتات المتسلقة احترقت.
كل شيء وثق في فيلم الفيديو. شخص ما قام بالتصوير، مصور صحافي، معاذ عمارنة، الذي فقد عينه بسبب نار اطلقها الجنود عليه بعد اربعة ايام في صوريف. في فيلم الصحافي المحلي عبد الرحمن حسان ظهر عمر بدوي وهو يخرج من باب بيته وهو يحمل منشفة. ونزل على الدرج، ويقف مصوران صحافيان امامه وواحد من خلفه، وجميعهم جاؤوا لتغطية المظاهرات وحاولوا حماية انفسهم من الغاز. في الافلام التي نشرت ظهر بدوي وهو ينادي على الناس لاحضار الماء لاطفاء الحريق، وقد ظهر عند اطلاق النار عليه وهو يتدحرج على الدرج. وقد سمعت صرخات استغاثة وشتائم موجهة للجنود. بدوي تم ادخاله الى السيارة التي نقلته الى العيادة المحلية التابعة لوكالة غوث اللاجئين. في فيلم عمارنة، الذي صوره امام البيت، ظهر ثلاثة جنود وهم يطلقون النار في الهواء ويسيرون بشكل بطيء. وسمع اطلاق رصاصة اخرى، ليست منهم، وشوهد بدوي وهو يسقط ويتدحرج.
لم تطلق النار على بدوي من قبل الجنود الذين ظهروا في الفيلم قرب البيت، بل من قبل جندي كمن في اسفل الزقاق، صوب واطلق النار. ويشاهد بدوي وهو يلبس بنطال جينز وقميصا ازرق يطوق بألم بطنه النازفة، ويحاول النهوض، لكنه يسقط، صراخ هستيري من حوله في الوقت الذي حمله فيه اصدقاؤه في سيارة الجيران. التصليح في البيت توقف. الأب الثاكل، هيثم بدوي، يبكي الآن موت ابنه. عمره 55 سنة وهو موظف في اللجنة المحلية في المخيم وهو أب لثلاثة اولاد وثلاث بنات، بمن فيهم الابن الذي قتل. الصالون صغير. عمر خدم في الشرطة الفلسطينية الى أن قرر الاستقالة بعد نقله الى المخابرات. مؤخرا عمل مع عمه في اعمال الصيانة في المخيم، وبدأ ببناء شقته في الطابق الثاني في بيت والديه، تمهيدا للزواج. وحسب معرفتنا، لم يكن هناك أي عروس محددة. الأم الثكلى هاجر، انضمت للمحادثة. الوالدان لم يتواجدا في البيت وقت قتل ابنهما. الوالد كان في العمل والوالدة ذهبت الى العيادة الطبية.
نهض عمر مبكرا في ذلك الصباح، الساعة السادسة والربع، وتوسلت الأم له كي يعود للنوم لأن الجو كان باردا في البيت. عم عمر، نور بدوي، يسكن في البيت المجاور، وهو يعمل في كلية محلية، وقد عاد في ذاك اليوم ابكر من المعتاد من العمل، في يوم ذكرى عرفات انهوا الدراسة مبكرا. نور وقف على بعد متر ونصف المتر من عمر في الوقت الذي اطلقت فيه النار عليه. رجع الى الخلف بذعر وبعد ذلك سارع لأخذ ابن أخيه المحتضر. عندما نقلوا عمر الى السيارة كان الجنود يطلقون قنابل الصوت الى أن انسحبوا في نهاية المطاف. ابناء العائلة خافوا من أن يقوم الجنود باختطاف عمر المصاب. وقد استطاع عمر أن يقول لجاره طارق، الذي جاء اليه «ظهري يؤلمني»، وبعد ذلك لم يقل أي شيء.
لقد نقلوه الى العيادة وهناك انتظروا الى أن تنجح سيارة اسعاف فلسطينية في الوصول لتنقله الى المستشفى. شارع 60 كان مغلقا بسبب الاضطرابات وايضا الطريق للعيادة في المخيم. وقد مرت نحو 20 دقيقة الى حين وصول سيارة الاسعاف التي نقلت بدوي في طرق التفافية الى المستشفى الاهلي في الخليل. بدوي كان لا يزال يتنفس، ولكن في الساعة الواحدة والنصف، بعد 40 دقيقة من وصوله الى المستشفى أعلن الاطباء وفاته.
الهاتف يرن في بيت العائلة، من قيادة التنسيق والارتباط يريدون منهم القدوم لتقديم الافادات لمحققي الشرطة العسكرية الذين يحققون في الحادثة. ابناء العائلة يترددون. كيف يمكنهم الوصول الى القيادة في الخليل.
وقد جاء على لسان الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، هذا الاسبوع، ردا بأن «الحادثة يتم التحقيق فيها. وفي نهاية التحقيق سيتم نقل النتائج الى النيابة العسكرية»، قال، واضاف: «لا يمكن اعطاء تفاصيل حول التحقيق الجاري».
علم إسرائيل يرفرف بتحدّ فوق برج الحراسة المحصن للجيش والذي يشرف على المخيم من الشارع الرئيسي. في كل مرة يفتحون فيها نافذة البيت أو الباب، ينتصب هذا العلم أمام ناظريهم. غرفة الحمام التي اصلحها بدوي في يومه الاخير تقف مكشوفة. «لقد ازال البلاط القديم، لكن لم يكن لديه الوقت لاعادة تبليط الحمام. والكيس الذي وضعت فيه النفايات ملقى في البيت».

عن «هآرتس»