بقلم: عميره هاس
«أصدقائي، سكان يهودا والسامرة»، هكذا استهل وزير المواصلات، بتسلئيل سموتريتش، تصريحا موثقا له نشر في 24 تشرين الثاني على صفحة الفيسبوك للاتحاد الوطني. خلال ثلاث دقائق تقريبا شرح برامج وزارته لاصلاح التمييز في المواصلات الذي يعاني منه سكان «يهودا» و»السامرة» اليهود، مقارنة مع المواطنين الآخرين في دولة اسرائيل. «نوجد اليوم في ذروة خطة رئيسية للمواصلات في يهودا والسامرة، التي تتطلع نحو 30، 40، 50 وحتى 60 سنة الى الامام»، وعد وبدأ بالتفصيل.
الشارع الرئيسي، الذي تم ذكره من بين الـ 12 شارعا، هو «الشارع الذي يتجاوز مخيم العروب للاجئين». لقد بدأنا بشقه، وهكذا منذ بداية تشرين الثاني تقوم الجرافات باقتحام الكروم الملونة باللون الاصفر خلال الخريف، وتقتحم السلاسل الحجرية القديمة التي اعيد تأهيلها في حلحول وبيت أمر، وتقوم بقلب الارض واثارة الغبار واقتلاع الاشجار وابتلاعها، وتسوى الارض بحيث لا يمكنك أن تعرف كيف كانت قبل يومين من ذلك. بدل الكروم والمسطحات والسلاسل الحجرية يتم شق مقطع جديد لشارع 60، بين مفترق بيت فجار (غوش عتصيون) وحتى مدخل حلحول الجنوبي، بطول 10 كم وعرض 80 مترا. وفي المفترقين اللذين سيتم فيهما اقامة تفرعات بـ 150 مترا. من اجل ذلك تمت مصادرة 401 دونم من الاراضي الزراعية في نيسان بأمر من العميد احفات بن حوف، رئيس الادارة المدنية في حينه. رسميا يسمون هذا «شراء ملكية ووضع اليد». بعد أن اقتنع من أصدر الامر بأن «شراء الملكية للارض هي لصالح الجمهور» وأن الطريق الرئيسي الذي سيشق «يوفر استجابة للمصلحة العامة، المواصلاتية والامنية». انشاء الطريق امام مخيم العروب يواكبه هدم مبان لكلية العروب الزراعية.
ايضا حتى بدون سماع سموتريتش فإن ثلاثة مزارعين من حلحول، راقبوا، الثلاثاء الماضي، الجرافات التي تلتهم اراضي عائلاتهم، عرفوا جيدا أن الوزير لم يتوجه اليهم. عادل أبو ريان، في الخمسينيات من عمره، قال للصحيفة: «ليست فقط الارض التي أخذوها منا من اجل الطريق نفسها ذهبت، بل سيذهب ايضا كل ما حولها، لا يمكننا الوصول الى الارض التي تقع خلف الشارع، ولا نستطيع الزراعة والغرس والفلاحة»، هو يتحدث استنادا الى التجربة المتراكمة من شوارع أخرى شقتها اسرائيل في الضفة الغربية، في قلب المناطق الزراعية، لصالح المستوطنات ومن اجل ربطها باسرائيل. مع مرور الوقت تظهر موانع وقيود وحواجز، ويتبين أنه يصعب أكثر فأكثر الوصول الى الاراضي وفلاحتها. البناء ممنوع أصلا، وهكذا ستضيع الارض فعليا.
«هم يبنون هنا طريقا سريعا»، قال ماهر (35 سنة)، وهو اسم مستعار، حيث انضم للمحادثة. «مهندسهم الذي كان هنا قبل بضعة ايام قال لي إنه سيكون في الشارع 3 – 6 مسارات. اثنان في كل اتجاه ومسار للطوارئ وخدمات في كل جانب. وعلى الجوانب جدار من الاسمنت. كيف سنجتاز الطريق السريع ونذهب الى اراضينا؟ لا يمكننا الوصول بالتراكتور أو على حمار أو مشيا على الاقدام، كيف يمكن أن تجر الادوات والمحاصيل؟». وحسب اقوال ماهر، قال المهندس له: «أريد أن يسافر السائق الذي سيخرج من كريات اربع 120 كم ويصل الى القدس بدون توقف»، وهذا يشكل صدى لاقوال سموتريتش في حديثه لاصدقائه سكان «يهودا» و»السامرة»: «نحن في ذروة مضاعفة شارع الانفاق، بما في ذلك شق نفق آخر... سنكون بعد 3 – 4 سنوات في وضع فيه نستطيع السفر من القدس الى «كريات اربع» من خلال شارعين فيهما مساران مزدوجان». وحسب ما لخص ماهر، هذا ما سيكون عليه الوضع. «خلال ربع ساعة سيكون المستوطن من (كريات اربع) في القدس. علينا سيكون ممنوعا الدخول الى القدس. وايضا من لديه تصريح سيستغرق ساعة أو ساعتين لأنه محظور علينا السفر الى القدس عبر الشارع السريع (الانفاق) المقام على اراضينا».
التقينا بطريق ترابية واسعة تخرج من شارع 60 وتتجه شرقا وتؤدي الى كرومهم، في المنطقة التي تسمى الحواور (مقابل الشارع الذي يؤدي الى مستوطنة «كرميه تسور»). المدخل الى الطريق اغلقته سيارتان للشرطة، وفي الوقت ذاته توقفت سيارات فلسطينية توجهوا نحوها، واعطوها مخالفات وغرامات بذرائع شتى. الى الشرق قليلا وامام الجرافات التي لم تتوقف عن الحفر، وقفت سيارتان اسرائيليتان والى جانبهما مجموعة اشخاص يرتدون الاسود وعلى ظهورهم كُتب «أمن». لقد ثرثروا فيما بينهم بالعربية الركيكة وقالوا لا يجب التصوير. «هؤلاء بدو»، قال ماهر، وأرانا صورة قبل عدة ايام من ذلك عن تدمير الكروم في بيت أمر.
ظهرت سيارة اسرائيلية، ونزل السائق للتحدث مع سائقي الجرافات، وعاد ووقف قرب رجال الامن. ايضا دون معرفة من هو، اعتقد مزارعو حلحول أنه «شخص مهم»، وتقدموا نحوه ليتحدثوا معه عن كرومهم. وقد طلب من المراسل الابتعاد لأنه لا يتحدث مع وسائل الاعلام. كان يقود سيارة لشركة «الاخوة مارغولين للهندسة والاستشارة». هذا ما كتب في موقع المشروع الجديد الذي تديره الشركة. شارع جديد يتجاوز مخيم العروب وقرية بيت أمر بطول 10 كم. طلب الشارع امني ودفاعي. الشارع يشمل عناصر امنية مثل جدران دفاعية من الاسمنت واضاءة المناطق المجاورة للشارع وكاميرات حماية ووسائل تكنولوجية اخرى. يوجد الشارع في منطقة خطيرة، في قلب «يهودا». المقاول: نتفيه اسرائيل. المخطط: مكتب ليفي شتراك، 340 مليون شيكل. 2018 – 2022.
أبو ريان وماهر والشاب الموجود مع المجموعة، محمد طوايا (27 سنة) عاشوا جميعهم على تراث عائلي يقوم على زراعة كروم العنب، انتقل من الجد الى الأب ومنه الى الابناء والاحفاد. «طعم عنب قرية الشيوخ يختلف عن عنب العروب، الذي يختلف بدوره عن عنب بيت أمر والذي يختلف عن عنب حلحول»، تحدثوا بفخر عن المنطقة التي يسميها مارغولين «منطقة خطيرة ومهددة». العنب هو زراعة بعلية. «الارض تحتنا مليئة بالمياه، لكن ايضا اذا اردنا أن نضيف مزروعات تحتاج الى المياه فمحظور علينا حفر آبار المياه. فالمياه ليست من اجلنا»، قالوا. وهنا حتى بدون ري، «كل عنقود يمكن أن يصل وزنه 3 كغم»، قال أبو ريان وتذكر: «بعد العام 1967 جاء الاسرائيليون واخذوا من مزروعاتنا لتطوير اعنابهم». وعقبتُ، حسب رأيي، الاصناف التي تم تطويرها ليس لها طعم، وقوامها مثل البلاستيك. وقد وافقوا على ذلك. وقال أبو ريان إن العنب الصناعي مليء بمواد المبيدات. وكما سمع احيانا بأن تصديرها الى الخارج محدود أو ممنوع. وواصل ماهر بمرارة: «عندها يغرقون بها الاسواق الفلسطينية في الضفة، والناس لا يشترون عنبنا».
مسار الطريق الالتفافي سيمر ايضا في الارض التي في السنوات الاربع الاخيرة تم فيها اصلاح السلاسل الحجرية وشقت فيها طرق زراعية جديدة بهدف التسهيل على عمل المزارعين، وتوسيع المنطقة المزروعة وتشجيع المزيد من العائلات على العودة لفلاحة الارض وزيادة الدخل. حتى الآن من غير الواضح حجم ونوع الضرر الذي سيسببه الشارع في هذه المنطقة، 1600 دونم، التي قامت منظمات فلسطينية غير حكومية باعادة تأهيلها في مشروع مولته حكومة هولندا (بمشاركة المزارعين بربع التكلفة تقريبا).
جزء من المسار يمر ايضا في اراضي لم تفلح منذ فترة طويلة، ولم يعد تأهيلها بعد. واصلنا السفر في الطريق الترابية وتوقفنا على الحدود بين المنطقة المفلوحة والمنطقة المهملة. آثار الجرافات التي قلبت الارض وقامت بتسوية مقطع طويل من الارض واسع، كانت ظاهرة جدا. على طول المقطع وضعت علامات تشير للمسار، وعلى احدها علقت لافتة كتب عليها «نتفيه اسرائيل، الشركة الوطنية للبنى التحتية للمواصلات محدودة الضمان. حدود حق الشارع. المنطقة بملكية دولة اسرائيل». أبو ريان، الذي يقرأ العبرية، ثار وقال «انظروا الى المكتوب هنا؟ إن المنطقة هي بملكية دولة اسرائيل!». وقال طوايا: «نحن غير موجودين بالنسبة لهم».
المزيد من السيارات الاسرائيلية مرت، وهي تسافر وكأنها في اراضيها، في طريق كان الى ما قبل فترة قصيرة يخدم فقط المزارعين الفلسطينيين. سائق سيارة توقف وسأل: «ماذا يحدث؟ هل توجد مشاكل؟ هل توجد ارض لكم هنا؟ هل تحدثتم معي في السابق؟». قال ماهر إن هذا الشخص هو بوعز، من قسم البنى التحتية للنقل في الادارة المدنية. ومر ايضا مشيا على الاقدام أبو وليد (60 سنة)، وعيونه دامعة. قطعة الارض خاصته، التي هي مشمولة في خطة اعادة التأهيل توجد في منطقة المسار وستُدمر. احد كرومه اقتلع في وقت سابق. أشرت الى أنه في أمر «الملكية» كتب أنه يمكن الحصول على تعويض مقابل الارض. أبو ريان قال بعناد «هذه ارضنا، ولن أكون كافرا مقابل 200 دونم». خطة الشارع الالتفافي لصالح مستوطني منطقة الخليل تم تقديمها لمكاتب التخطيط في الادارة المدنية في العام 2003. وقد تمت المصادقة عليها في 2012 بعد معارضة تم رفضها وتعديلات تم اجراؤها عليها. ولكن في نيسان الماضي تقررت المصادرة. وقال ماهر:»بسبب أن الخطة لم تنفذ فان الناس ناموا. الآن لم يعد للناس أي قوة للمقاومة». المحامي غياث ناصر، الذي عين من قبل السلطة، قدم في تموز وثيقة اعتراض مطولة ضد المصادرة وضد المسار. الاعتراضات رفضت، ضمن امور اخرى، بذريعة أنه سبق وقدمت اعتراضات قبل عشر سنوات.
قدم التماس للمحكمة العليا وطلب إصدار أمر مؤقت لتأجيل العمل، لكن القاضي دافيد منتس، من سكان مستوطنة دولب، قرر أنه لا يوجد مجال لاصدار أمر مؤقت. ومنح الدولة مهلة شهر لتقديم ردها، في حين يستمر اقتلاع الكروم وقلب الارض. أبو ريان وماهر وطوايا لا يعرفون عن الاجراءات القانونية. وهم يشعرون بأنه تم التخلي عنهم. وقال ماهر: «مع كل الشوارع التي عبدوها ويعبدونها للمستوطنين على حساب اراضينا ستتحول حلحول الى مخيم «مكتظ للاجئين». وهم يريدون منا ترك الارض والتحول الى عمال بناء كي نبني لهم المستوطنات من اجل كسب الرزق».
عن «هآرتس»