إلى والدة الشهيد «سامي أبو دياك»

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

ريما كتانة نزال

ولدك الأسير الشهيد "سامي"، لم يكن الأول الذي يقضي نحبه في سجون الاحتلال ولن يكون الأخير، فقد سبقه إلى الموت خلف القضبان مائتان واثنان وعشرون شهيداً، جُلُّهم من أصحاب الأحكام المؤبدة والأمراض المزمنة، وكل مؤبد في حسابات القوانين الاسرائيلية يعادل مئة سنة. وتم تمييز ابنك بإضافة ثلاثين عاماً على المؤبدات الثلاثة، بمثابة أوسمة تزين صدر "السامي" بتفانيه وإخلاصه ونضاله، الذي قاومهم واشتبك معهم في عام 2002 حتى الإصابة بجروح بليغة. انتهت المعركة باعتقاله.
في عام 2002، لم يكتف الاحتلال بالحكم على "سامي" بثلاثمائة وثلاثين سنة، بل جدد حكمه برفض "لجنة الإفراج المبكر" التابعة لإدارة سجون الاحتلال النظر في الطلب المُقدّم للإفراج المبكِّر عنه، مستندة في رفضها إلى قانون مكافحة "الارهاب" لعام 2016، في إحدى المفارقات الدولية التي تتواطأ في الامتناع عن تعريف المصطلح وانطباقاته، ما جعل الرحل يواجه عذاباً مفتوحاً على مصراعيه، وتأبيد روح ابنك مع سرطانين.
أيتها السيدة الصابرة:
لقد قمت بما رتبته الأمومة على كاهلك، ومترتبات الحبل السري الرابط بينك وبين الابن. حَلُمتِ بأن تعيدي عظام "سامي" لتتكور مجدداً في دفء رحمك، وباشرتِ في تحضير الروايات والذكريات التي ستروينها عندما يصبح على مسافة الصفر من قلبك، لتتبادلي معه أطراف الحديث من صرخة الخَلْق حتى شهقة الاحتضار، من مبتدأ الكوْن حتى منتهاه.
يا أم سامي:
 لا أخفف عنك في القول إن ولدك عاش مُحاطاً بالموت من جميع الجوانب والاتجاهات، في السجن وفي البيت، موته كان مؤكداً. لكنك تدرين أن فرقاً شاسعاً يفصل بين الموتين، بين أن يموت بعد عودته للتكور في رحْمك بضعة أيام، لا تصل إلى تسعة شهور، لتنطلق روحه نحو السماء على وقع دقات قلبك، من بدء تكوينه حتى لفظه أنفاسه الأخيرة.
الاحتلال رفض الإفراج عنه بينما كان لا يشكل أي خطر عليهم، لكن الاحتلال لا يفكر بالطريقة التي يفكر بها البشر، ولا يتخذ قرارات متنحية عن ممارساته المعهودة، المؤسسة الأمنية لا تترك أي ثغرة دون أن توظفها لقمع الشعب وكيّ وعيه الجمعي، جميع قرارات الاحتلال قائمة على التفوق والتمييز والاستعلاء العنصري. نظام التماهي بين الهيمنة والحقد والكراهية والقانون والاجراءات والممارسات.
لم يتحقق حُلمك الصغير، اعتقدت ان الاحتلال سيَرِقُّ لحالتك الموجعة، وأنه قد يتمظهر بلبس غلالة الانسانية لوظيفة دعاوية محضة. لم يفعل، في ظل واقع دولي تبريري لم يعد الاحتلال يحتاج فيه للترائي الاخلاقي والانساني. إنه الاحتلال الذي تعمل جميع مؤسساته ضد وجودنا بانسجام محكم، التشريعية والقضائية والتنفيذية والاكاديمية والدينية؛ المُكبَّلة بتاريخ من متلازمات وأمراض الهيمنة والتسلُّط والطمس والإلغاء، ومازالوا يستنسخون المزيد من الأسانيد لإثبات خرافاتهم العنصرية. 
ليس عليك سوى التقبل، فعلتِ كل ما بوسعك، وإن لم تستطيعي تلبية حلمك الجميل في تبادل أطراف الحديث معه في البيت أو في زيارة الوداع الذي تاهت فيها الحياة بين الوضوح والغموض، لكن معادلات كيمياء الحبل السري الوثيق بين روحك وروحه، قامت بواجبها وأدت رسالتها الغريزية.
أم السامي فينا، نضالاتك ستستمر باستمرار عمل الاحتلال على إصدار قوانينه وممارساته اللاأخلاقية، احتجاز جثامين الشهداء، ستواجهين حكماً جديداً من القوانين الجهنمية يقضي باحتجازه ليقضي بقية الحكم، ستناضلين من أجل انتزاع حكم الإفراج عن "سامي"، ما بعد الموت.