إيران خطر يهدّد وجود إسرائيل لأول مرة منذ العام 1948

حجم الخط

بقلم: دان شيفتن*


بعد مئة سنة من المواجهة مع راديكاليين عرب، يقف أمام إسرائيل، لأول مرة، عدو إيراني ذكي وخطير بلا قياس. حتى عندما تمتع الأعداء العرب على أجيالهم بتفوق عددي، وعمق إستراتيجي، ومفاجأة عملياتية، كانوا يعانون من ضعف مجتمعهم وفشله في التصدي لمتطلبات العالم الحديث. لقد ضمن ضعف المجتمع العربي لإسرائيل نجاحات في الصراع القومي الشامل، حتى عندما اصطدمت بتفوقهم الكبير في مجال المقدرات السياسية والاقتصادية.
في إيران، وإن كان الحديث يدور عن نظام قمعي، مريض وبربري، ومصمم على أن يضمن لنفسه إنجازات هيمنة في المنطقة حتى على حساب رفاهية مواطنيه، يجند هذا النظام لصراعاته بنجاح المقدرات الكبرى والمتطورة لمجتمع مثير للانطباع ويتمتع بقدرات مهمة للتخطيط الإستراتيجي والتصميم في العمل. لم تقف إسرائيل أبداً أمام مثل هذا الخليط الخطير الذي يقيم بنجاعة، بمنهاجية، وبذكاء مؤسسة إقليمية تعرض وجودها للخطر.
إيران على وعي بالضعف البنيوي للدول العربية، وتسعى بمنهاجية إلى الهيمنة الإقليمية على حسابها. وهي تسعى لتضمن لنفسها سيطرة على مصادر الطاقة في الخليج الفارسي وعلى مسارات التجارة في المنطقة بشكل تبث فيه مكانتها كقوة عظمى إقليمية الأثر على الساحة العالمية. لهذا الغرض بنت لنفسها، بمعونة قوى محلية – شيعية وغيرها – مكانة متينة في لبنان، في سورية، في العراق، وفي اليمن، بشروط كلفة إستراتيجية متدنية نسبياً، ومنفعة إستراتيجية عالية جداً. ونجحت في ربط قدراتها العلمية والتكنولوجية في مجالات النووي والصواريخ الباليستية وكذا في مجالات متطورة نسبياً من حيث الأدوات التقليدية. بالتوازي، أقامت شبكة عالمية من البنى التحتية النائمة لـ «الإرهاب» بحجم وعمق غير مسبوقين. كل هذه استهدفت، في المرحلة الحالية، ردع من يقف في طريقها إلى الهيمنة الإقليمية، أو جباية ثمن لا يطاق منه على تدخله.
يعتمد العداء المتطرف لإسرائيل ليس فقط على التزام أيديولوجي عميق بل أيضاً على اعتبار إستراتيجي محسوب. إسرائيل فقط، ولا سيما إذا كانت مسنودة بتصميم أميركي، يمكنها أن توقف تطلعات الهيمنة الإيرانية. فقط هي قوية وحازمة بما يكفي لتوقف في مهده سياقاً من السيطرة الإيرانية في كل المفترقات المهمة بالمنطقة، ما سيضع إسرائيل في خطر وجودي لأول مرة منذ 1948. الولايات المتحدة لن تبعث بجنودها ليقاتلوا، وأوروبا غير ذات صلة مثلما هي دوماً، وللقوى العظمى الأخرى لا يوجد دافع للتدخل بمستوى عالٍ في سياق متواصل وخفي يستخدم قوات محلية بحكمة.
من أجل ردع إسرائيل، تعمل إيران أيضاً على التقدم في البرنامج النووي العسكري، بما في ذلك وسائل الإطلاق وكذا لتقيم في الجبهة الشمالية، بكلفة متدنية، تهديداً مكثفاً على المراكز السكانية لإسرائيل. في طهران يفترضون أن إسرائيل سترتدع لهذا السبب عن العمل ضد الهيمنة الإيرانية حتى حين ترى في خطواتها خطراً فورياً وجسيماً، مثل السيطرة على الأردن. ويفترض حكامها أن إسرائيل سترتدع عن التدخل إذا عرفت أن الكلفة ستكون آلاف الصواريخ الدقيقة، بعيدة المدى وثقيلة الرؤوس المتفجرة على «غوش دان»، تتفوق على الدفاع الصاروخي لدى إسرائيل، وتمس جداً في قصة نجاح الدولة اليهودية.
هذه الإمكانية تحاول إسرائيل منعها في السنتين الأخيرتين بمئات الهجمات في سورية وفي العراق وبجملة وسائل سرية. يدور الحديث عملياً عن حرب وقائية، تجد إجماعاً وطنياً واسعاً في إسرائيل بأنه أمام البديل الواقعي، من الجدير المخاطرة بالتدهور إلى حرب واسعة مع إيران. ويوجد بديلان: استمرار الصراع الحالي، بحكمة وبكبح جماح لازمين، رغم خطر التدهور إلى حرب قاسية، الآن، أو حرب قاسية بلا قياس، تعرض للخطر مجرد وجود إسرائيل، حين تنهي إيران استعداداتها.
في المرحلة الحالية معظم التفوقات هي لإسرائيل: تفوق عسكري في الساحة القريبة، دعم أميركي، إسناد خفي من الدول العربية العامة، وضائقة اقتصادية وسياسية في إيران. إذا نجحت إيران في إنهاء استعداداتها، سيميل الميزان بشكل دراماتيكي في طالح إسرائيل.

عن «إسرائيل اليوم»

* رئيس البرنامج الدولي للأمن القومي في جامعة حيفا.