بقلم: سميح خلف

الجهاد الإسلامي في ظل معادلات التذويب

سميح خلف
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

بداية ألتمس العذر لتقطيع عنوان هذا المقال الذي أجد أنه مهم في هذه المرحلة وفي هذه المناخات وفي ظل هذه التطورات المتسارعة على الساحة الفلسطينية، فيبدو أن الحصار على الشعب الفلسطيني يأخذ عدّة أشكال حتى في إدارة مواقع التواصل الإجتماعي.

لكي نتذكر فقط فإن من أهم عمليات الجهاد الإسلامي هي عملية بيت ليد بتاريخ 22/1/1995 اي بعد اتفاق أوسلو عامين تقريبًا وقد سقط فيها أكثر من 22 قتيلًا عسكريًا إسرائيليًا و108 من الجرحى، ولا ننسى أيضًا أن للجهاد الإسلامي المشاركة الواسعة والمفصلية في جميع الحروب التي شنت على قطاع غزة وأهمها أيضًا وصول صواريخ السرايا إلى عميق إسرائيل كتل أبيب والقدس عام 2014 وهي كانت مسؤولة عن تطور الأداء الفلسطيني في مواجهة العدوان.

مفصليات تحدد شخصية الجهاد الإٍسلامي، أنها لم تعترف بأوسلو ولم تشارك في أي محطة من محطاتها ولا من فرضيات فرضت على الفصائل المختلفة والتي دعتها للمشاركة في الإنتخابات البرلمانية الفلسطينية لتقاسم السلطة والتعامل مع تلك الإتفاقية.

كذلك الجـهاد الإٍسلامي وبعد اغتيال مؤسسها الذي اختلف مع حركة الإخوان المسلمين في القاهرة في منتصف السبعينات من القرن الماضي وترك حركة القوميين العرب ما بعد عدوان 1967 وما تلقّته الأمة العربية من هزيمة أبدى اعجابًا بالثورة الإيرانية وكتب فيها كتابًا أسماه: الخميني والحل الإٍلامي، وبناءً عليه أسس تلك الحركة التي التقى فيها مع الدكتور شلّح في أحد قرى دلتا مصر تتبع لمدينة الزقازيق حيث كانا في كلية الطب. اعتمدت حركة الجهاد الإسلامي في تمويلها على إيران وفي تسليحها أيضًا حتى اتهمت بالتشيّع ولم تقبل حركة الجهاد الإٍسلامي أي شعائر تدعو للاتصال بالاسرائيليين أو حلول اقتصادية أو إنسانية أو حلول مجزئة للأرض الفلسطينية.

يبدو أن الأمور في الساحة الفلسطينية تتأزم داخليًا وخاصةً هذا الإنتشار الواسع من التدوير والتحوير والتأقلم مع ما يطرح إقليميًا ودوليًا. في السنوات الأخيرة حدثت متغيرات لدى الجـهاد الإٍسلامي بالغياب المبهم للدكتور شلّح الأمين العام، يقال أنه في حالة موت سريري بسبب جلطة ألمت به، بعد فكرة تقارب الجهاد الإسلامي مع المحور العربي الذي تقوده السعودية، حيث دخل الجهاد الإٍسلامي في عدة مشاورات وحوارات مع حماس حول تهدئة مع إسرائيل، وللظرف الطارئ لغياب شلح أصبح النخالة هو رئيس المكتب السياسي للجهاد، من ضمن الخطوط العامة لرئيس المكتب السياسي لهذا الفصيل هو إيمانه المطلق بحلف ما يسمى بالممانعة والمقاومة الذي تقوده إيران.

الجهاد الإسلامي لديه من القوة المتطورة أيضًا والتدريب الراقي ويمتلك أسلحة نوعية أيضًا وخبرات مصدرها التكنولوجيا الإيرانية ويعتبر القوة الثانية في غزة بعد حماس ويستطيع أن يغير كثير من الأوراق والمعادلات أيضًا في خط المواجهة مع الإحتلال، إلا أنه يرفض وبشكل مباشر أن يتحدث في حلول تمس مستقبل الشعب الفلسطيني، أي الحلول الإستراتيجية خارج نطاق تحرير فلسطين.

ما يلفت النظر عملية التصفية والإغتيال التي تمت لأحد كوادرها النشطاء وقياداتها في قطاع غزة في الأيام الماضية على رأسهم بهاء أبو العطا، وأثناء مباحثات جادة وخطرة جدًا تقودها حركة حماس بالتّفاوض مع الإسرائيليين عبر الوسيط القطري ومصر أيضًا وتركيا ودول أخرى. يبدو أن بهاء أبو العطا كان مؤثرًا جدًا في قطاع غزة بمسؤوليته عن قطاع الشّمال، ويمتلك من القوة العسكرية والتكنولوجيا المسلحة ما يشكل خطرًا. ولذلك يبدو أنه كان يشكّل خطورة أمنية على ما يتم تداوله في أروقة المفاوضات على المستقبل الأمني بين غزة والإحتلال.

ردًا على هذا الإغتيال قام الجهاد الإسلامي باطلاق أكثر من 150 صاروخ معظمها كانت في غلاف غزة، وقامت إسرائيل بالرّد بضرب قواعد الج\هاد الإسلامي، في حين أن غرفة العمليات المشتركة التي يشترك فيها الجهاد بميثاق الشرف والمقاومة لم تشارك في تلك العمليات والردود على الإحتلال مما أثار حفيظة كثير من كوادر الجهاد والشّعب الفلسطيني أيضًا لصمت حماس والفصائل الأخرى، وكانت قمة الإحتقان عندما اعتدى كوادر من الجهاد الإسلامي على مسؤول اللجنة السياسية في حماس محمود الزهار أثناء تأدية واجب العزاء، كانت عملية احتقان وتوتر تم احتوائها وبالفعل كان الإحتواء في وقته لأن أي حدث آخر كان ليزلزل قطاع غزة ويجعلها على أبواب المجهول.

ولكن الأمور الآن تتسارع، جانب منها مخفي وجانب معلن، والمعلن قد تستشف منه كثير من المجهول في ظل دعوات من بعض كتاب حماس لتناول الخيار الأمريكي كخيار للانفتاح على العالم. لا افهم حقيقة التسويق الثقافي والاعلامي عندما نقرن اي هبوط نحو القاع بالسلطة وسلوكها ومنهجيتها ولكن اريد ان اوضح "ان غيرك كان اشطر ولبس خازوق فهل انت على استعداد ان تلبسوا نفس الخازوق اولا وثانيا وثالثا". سياسة امريكا مع الامن الاسرائيلي والودود الاسرائيلي ومنهجية امريكا ضد حركات التحرر في العالم هكذا تاريخها منذ انشائها فهل تنسجم شعائر المقاومة معالمحددات السياسية الامريكية والامنية انها الكارثة عندما نضع مبررات واهية.

أمام تلك التطورات وما يرشح من أنباء عن هدنة طويلة ومشاريع تخص قطاع غزة ومستشفى يقال أنه ثكنة عسكرية على مساحة واسعة من الأرض تفوق مساحة مستشفى عشرات الأضعاف وله منافذ على إسرائيل وغزة والبحر، ومشاريع أخرى تخص عمّال غزة ومصانع تدوير النفايات وانتاج الكهرباء وميناء عائم، وباتفاق مباشر مع حماس بعيدًا عن اتفاق أوسلو وموقعين أوسلو، وحصر الملعب والمربعات الفلسطينية، مربع الضفة والتعامل معها اقتصاديًا وأمنيًا والتعامل مع مربع غزة أمنيًا واقتصاديًأ وانسانيًا، يعني ذلك أننا نبحث عن وطن ولن نجده، ونبحث عن القدس عاصمة ولن نجدها ونبحث عن دولة فلسطينية ولن نجدها، بل سنجد منظومتين سياسيتين أخطرهما هو تهويد غالبية الضفة وجعل غزة منظومة سياسية مهزوزة مطوعة تحت رغبات معيشية وفصائلية ومراقبة برًا وجوًا وبحرًا مع بعض مشاريع التنفيس التي لا يمكن أن تتناغم مع أي مشروع وطني ولو بحده الأدنى.

إذًا ما هو مستقبل الجهاد الإسلامي أمام خيارات محددة، إما أن يوافق على الهدنة بمعطياتها التي ستنفي وستهمل قضية تحرير فلسطين حيث أصبح من النّادر تناول هذا المصطلح الآن، فالكل يتحدث عن دولة في مساحة أقل من مساحة الضفة الآن باحتمالات ضئيلة جدًا، ماذا عن ثوابت الجهاد الإٍسلامي في المقاومة والتحرير وماذا عن وجوده في غزة، هل ستصل الأمور بالجهاد الإٍسلامي أن يختار بين خيارين، خيار التطويع وتخزين الأسلحة التي ستصدأ في مخازنها كالآخرين أم التمرد على هذا الواقع وتغيير المعادلات في قطاع غزة التي سينجم عنها أزمات صعبة جدًا وخيارات صعبة جدا مع من التزموا بالتهدئة وبعض المشاريع الإنسانية انه موقف مأزوم متأزم وممرات إجبارية قد تفرض هنا أو هناك، أم يبقى الجهاد الإسلامي في حظيرة التطويع وفي سياق المشاريع الإقليمية الدولية التي تعتبر اللاجئين والعودة والتحرير في سياق النسيان.