من الأفضل ألا يحسم القضاء في موضوع نتنياهو

حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال


«هل زافوفين» فيلم هوليوودي مجنون يعود للعام 1941 لا يحصل فيه أي شيء منطقي وطبيعي، وهو ومضحك حتى الدموع.
السياسة في إسرائيل في 2019 هي أيضا فيلم مجنون لا يحصل فيه أي شيء منطقي وطبيعي، ولكنه باعث على الاكتئاب حتى الدموع.
وجه الشبه بين الأمرين هو أن الصغية الهوليوودية تجاهلت الحرب التي كانت تدور رحاها في أوروبا وكادت تغرق الولايات المتحدة أيضا، بينما الصيغة الإسرائيلية تتجاهل التهديدات المتعاظمة من عدة اتجاهات، ولا سيما من إيران.
بعد حملتين انتخابيتين ليس لإسرائيل حكومة دائمة، ونحن في الطريق إلى جولة ثالثة. الأسباب معروفة: الحكومة الضيقة عرقلها أفيغدور ليبرمان وحكومة الوحيدة يفشلها بيني غانتس.
في الانتخابات الأخيرة وقف أمام الناخب «تجمعان» – واحد بقيادة بنيامين نتنياهو، وآخر بقيادة غانتس، والنتيجة تتحدث من تلقاء نفسها: التجمع برئاسة نتنياهو فاز بـ 55 مقعدا، «أزرق أبيض» فاز بـ 33 مقعدا، وحتى عندما تضاف إليه أحزاب اليسار الصغيرة، فلا يزال يدور الحديث عن 44 نائبا فقط.
تجمع اليمين شرعي أكثر أيضا، لأن فيه توافقاً في المواضيع السياسية والاقتصادية الأساسية، وعناصره تعهدوا مسبقا لناخبيهم بأنهم يؤيدون بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء، بينما في التجمع الثاني توجد فوارق واضحة في المواضيع السياسية، والقاسم المشترك الوحيد فيه هو الهوس بتنحية نتنياهو.
كان ينبغي لنتائج الانتخابات أن تؤدي إلى تشكيل حكومة مستقرة لأربع سنوات، ولكن في الواقع الضاغط القائم، سواء ذاك الخارجي، أم هذا الداخلي، ثمة أفضلية لحكومة وحدة بالتناوب مثلما اقترح الرئيس روبين ريفلين، برئاسة نتنياهو، على الأقل في السنتين الأوليين، وإن كان بسبب كفاءاته وتجاربه السياسية.
ولكن قادة «أزرق أبيض» يواصلون مناورات مانعة نهايتها واضحة: صندوق الاقتراع. في صالح غانتس يقال إنه حافظ على الطابع الرسمي حين رفض الاستماع إلى النصائح الكاذبة من بعض من شركائه لإقامة حكومة تستند إلى تأييد «القائمة المشتركة»، والتي أحد عناصرها مؤيد لـ «الإرهاب»، ويتعارض جوهرها مع الرؤية الصهيونية.
لا ينبغي أن ننفي أن الورطة القانونية التي علق فيها رئيس الوزراء تخلق عوائق أمام إقامة حكومة مستقرة، ورجال «أزرق أبيض» على ما يبدو يأملون في أن يمنحهم جهاز القضاء الجائزة التي لم ينالوها في الانتخابات. كما أنه من غير المفاجئ أن يكون اليسار فرحا لإمكانية أن يستبدل نتنياهو في رئاسة «الليكود»، إذ إن الأمر كان سيحسن فرصه للفوز.
تحدثت مؤخراً مع بعض رجال القانون الكبار، بمن فيهم من يعملون في الخدمة العامة، والذين لم يخفوا رأيهم في أن شيئا ما عليل في سلوك النيابة العامة والشرطة في قضية رئيس الوزراء. وبالتالي فإن ثقة الجمهور في جهاز القضاء تضررت، مؤخراً.
إن ثقة الجمهور هي أولاً وقبل كل شيء معادل لسلوك الجهاز القضائي نفسه وفقاً للقواعد والمبادئ التي تناسب دوره حسب القانون وليس التسلل إلى مجالات أخرى.
من واجبه، إذاً، أن ينظر إلى الداخل وأن يجري مراجعة عميقة لنفسه. غير قليل من الناس يعتقدون مثلا أن الاتهامات ضد نتنياهو تتراوح بين غير المتماسكة وغير المبررة، ولكن توجد بالطبع أيضا آراء أخرى.
على أي حال، في الوضع الحالي من الأفضل ألا يصل الموضوع على الإطلاق إلى البحث القضائي وأن يحسم، إذا كان ينبغي أن يحسم على الإطلاق، بعد أن يعتزل رئيس الوزراء من منصبه نهائيا، سواء نتيجة لقرار شخصي أم في أعقاب تغييرات في الساحة السياسية.
قرر آباء الدستور الأميركي بحكمتهم أن عزل الرئيس يخضع للمنظومة السياسية المنتخبة، أي الكونغرس، وليس المحكمة في أي حال من الأحوال.
في 1993، في سياق محاولة عزل بيل كلينتون، صرح قاضي «العليا»، وليم رنكويست: «جهاز القضاء، والمحكمة العليا بخاصة، لم ينتخبا كي يقوما بأي دور في عزل الرئيس».
مبادئ مشابهة توجه أيضا خطا فرنسا وبريطانيا، سواء لاعتبارات النجاعة وتواصل الحكم أم اعتبارات فصل السلطات.
أما في إسرائيل فهذه المبادئ آخذة في التشوش، مؤخراً، وإذا لم يوضع لذلك حد، ستتضعضع أكثر فأكثر الأساسات الديمقراطية والدستورية للدولة.

عن «معاريف»