نحن... وقمة المناخ العالمية في مدريد

عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

عقل أبو قرع

تنعقد هذه الأيام في العاصمة الإسبانية مدريد، قمة المناخ العالمية، التي يشارك فيها ممثلو حوالى 200 دولة، ومن بينهم عدد من الرؤساء ورؤساء الحكومات، وسوف تستمر المناقشات وعرض نتائج الأبحاث حتى الثالث عشر من الشهر الحالي، ويتم التركيز خلال هذه القمة على عرض الأدلة والبيانات ونتائج الأبحاث التي قام ويقوم بها المختصون والباحثون، سواء أكانوا يتبعون مراكز أبحاث مستقلة أم هيئات أكاديمية، أم حكومات أم هيئات دولية ومنها ما يتبع منظمة الأمم المتحدة، بتخصصاتها وبرامجها المختلفة.
ويستشف حتى الآن من أيام القمة، ومن خلال نتائج ما تم عرضه، الصورة القاتمة التي وصلت إليها الأرض وما تحويه من نظام بيئي، بسبب تعمق وتفاقم وتواصل النشاطات البشرية التي ما زالت تساهم في التلوث بأنواعه، وبالأخص تلوث الهواء، ومن ثم الاحتباس الحراري وتشكل ما بات يعرف بغازات الدفيئة، وانعكاسات ذلك من خلال ارتفاع درجة حرارة الأرض الكبير والمستدام خلال السنوات الماضية، وتضاؤل كمية الأمطار، وتشكل الأمطار الحامضية،  والتصحر أي عدم القدرة على زراعة التربة أو المحاصيل أو الجفاف وتهديد التنوع الحيوي، وتفشي الآفات المختلفة ومنها الجديدة وبالتالي انتشار الأمراض المعدية، وتداعي الأمن الغذائي، وتلوث المياه، وذوبان الجليد والفيضانات وما يمكن أن يجر ذلك من تداعيات وكوارث لم يعتدها نظامنا البيئي من قبل.   
ومن أهمية وميزة هذه القمة، هو عرض نتائج أبحاث ودراسات وتقارير تصب في مجملها في محصلة واحدة، وهو دق ناقوس الخطر الشديد وغير البعيد للنظام البيئي العالمي، ومن ضمن خلاصات هذه التقارير الدولية، أن العالم سوف يخسر التربة الصالحة للزراعة، المتوفرة حاليا، خلال الـ 60 عاما القادمة أو أقل، إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه، والذي يؤدي إلى تداعي خصوبة التربة وبالتالي عدم إمكانية زراعتها، والسبب الأساسي لذلك هو التغيرات المناخية التي يحدثها البشر، وبالأخص الدول الصناعية الكبرى والتي تتحكم في الاقتصاد العالمي، من خلال زيادة بث الغازات والملوثات إلى طبقات الجو، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع درجة حرارة الأرض والتربة، ومن زيادة التصحر، أي عدم القدرة على زراعة التربة بسبب ملوحتها أو قلة الأمطار، ومن ذوبان للجليد، وبالتالي حدوث الفيضانات، وإغراق مساحات من الأرض والبلدان، وكذلك الجفاف وبالتالي الاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية وتراكمها في التربة والطعام الذي يصل إلينا.  
وحسب تقرير نشر حديثا، فإن تلوث الهواء فقط، يؤدي إلى وفاة حوالى أربعة آلاف شخص يومياً في الصين، وكل ذلك بسبب انبعاث الغازات إلى الجو، الذي أحدثته النشاطات الاقتصادية المكثفة خلال السنوات الماضية، وما لذلك من تداعيات صحية ومناخية، والحد من التغير المناخي في العالم، يعني الحد من التلوث البيئي، الذي يعتبر السبب الأساسي الذي أدى ويؤدي إلى حصول التغيرات المناخية وآثارها، التي نراها هذه الأيام، والتي تتمثل في ارتفاع درجة الحرارة والفيضانات وذوبان الجليد والأعاصير والعواصف والتصحر وما إلى ذلك، من تداعيات قصيرة وبعيدة المدى، تؤثر على البشر ونشاطات البشر المختلفة، والتلوث البيئي يعني بث الملوثات الكثيرة، وبالأخص إلى الهواء، من المصانع ومن المعامل ومن محطات الطاقة التقليدية وتكرير النفط وغير ذلك، وهذا كله يعني مدى ونوعية النشاطات الاقتصادية وبالأخص الصناعية منها في هذه البلدان التي تحضر القمة هذه الأيام.
وحين الحديث عن الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، فهذا يعني الحديث عن الحد من النشاطات الاقتصادية، أو التوجه نحو الاستثمار أكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، أو نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يعني أو يؤثر على المال والاستثمار والعمل والتشغيل، وهذا يعني بالضبط السياسة وتداخل المال مع السياسة، أو تداخل وتأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، وهذا يعني مدى صعوبة نقاش موضوع التغيرات المناخية في قمة المناخ القادمة في فرنسا، وبالأخص من قبل الدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين واليابان والهند وغيرها، حيث يلعب المال الدور الرئيس في إيصال أو بقاء السياسيين في الحكم والتحكم في القرارات. 
وفي فلسطين، ورغم أننا لسنا بالبلد الصناعي أو الزراعي ذي التأثير الملموس على البيئة والمناخ في العالم، إلا أننا قد نتأثر بما يقوم به الآخرون في العالم، وبسبب البقعة الجغرافية الضيقة عندنا، والمصادر الطبيعية المحدودة، والزيادة المرتفعة نسبيا في إعداد السكان، فقد يكون هذا التأثير علينا كبيراً وملموساً، إن لم يكن الآن فسوف يكون بعد فترة، وبالتالي فإن ما يتم في العالم من نقاش أو جدل حول أساليب الحد من التغيرات المناخية، قد يكون له انعكاس علينا، ولو بشكل غير مباشر، سواء في المدى القصير أو البعيد.