«حزب الله» يضع إسرائيل أمام تحدٍّ أكبر من الماضي

حجم الخط

غزة - بقلم: عاموس هرئيل وينيف كوفوفيتش


التغيير الأساسي، الذي بدأ في السنة الماضية على الحدود بين إسرائيل ولبنان، مرتبط بالاستعداد العسكري الجديد لـ»حزب الله». بعد خمس سنوات تقريبا كانت فيها جهود المنظمة ومعظم رجال وحدات النخبة لديها منشغلين في الحرب الاهلية في سورية، فان المقاتلين عادوا الى الوطن، الى جنوب لبنان. «رجال الرضوان»، قوة الكوماندو المدربة في «حزب الله»، أخذوا إعفاء من حرب البقاء لنظام الأسد، وعادوا الى مواقعهم الاصلية في لبنان، قرب خط المواجهة. عدد من الوحدات تنتشر قرب الحدود مع إسرائيل، ويوجد أيضا حضور لها في جنوب نهر الليطاني، خلافا لقواعد وقف اطلاق النار التي نص عليها قرار مجلس الامن رقم 1701 الذي صدر في نهاية حرب لبنان الثانية في 2006.
من خلال النظر الى الاراضي اللبنانية من الجانب الإسرائيلي على الحدود يمكن مشاهدة مواقع مراقبة نشرها «حزب الله» تحت غطاء منظمة للدفاع عن البيئة «خضرة بدون حدود» قبل سنتين تقريبا. عدد من نشاطات «حزب الله» على الحدود تتم بملابس مدنية وبدون سلاح مكشوف، بتنسيق مع الجيش اللبناني. ولكن الاستخبارات الإسرائيلية تجمع إثباتات موثقة لهذه النشاطات في اطار الخلافات المستمرة مع لبنان حول خرق قرار الأمم المتحدة.
في الجيش لا يجدون صعوبة في تشخيص النشطاء الذين هم من «الرضوان»، ومن هم من الدفاع الجوي التابع لـ»حزب الله»، الذين نشروا في الجنوب على مدى سنوات. نشطاء الكوماندو يتحركون بصورة مختلفة، وهم مسلحون، ويختلفون في الشكل عن النشطاء المحليين.
سنوات قتال «حزب الله» في سورية مع مقاتلي الحرس الثورب الإيراني وضباط في الجيش السوري منحت المنظمة وقادتها تجربة حاسمة ومعرفة مهنية في مجالات لم تكن لديها خبرة في السابق فيها. رغم أن هذا الامر كان مقرونا بخسائر كبيرة جدا (في إسرائيل يقدرونها بنحو 2000 قتيل و8 آلاف مصاب). ولكن العودة الى الجنوب توفر لـ»حزب الله» أفضلية اخرى وهي أن تقريب وحدات النخبة فيه من الحدود يقصر نظريا الوقت المطلوب له، اذا قرر تنفيذ هجوم مفاجئ ضد إسرائيل، بروح الضربة الخاطفة التي تم الحديث عنها في السنوات الاخيرة، سيطرة مفاجئة على المستوطنات، أو مواقع للجيش الإسرائيلي على طول الحدود. وفي قيادة الاركان وقيادة المنطقة الشمالية يدركون هذا الخطر، وقد أجريت عدة تغييرات في الاستعداد الدفاعي والاستخباري في الجيش من اجل استباق الامور.

بين الخطاب والنية
التوتر على الحدود كان في الذروة في سلسلة الاحداث في نهاية شهر آب: ثلاث هجمات نسبت لإسرائيل، التي تحملت المسؤولية عن واحدة منها، ضد مقاتلين إيرانيين ومنظمات شيعية متماهية معهم في العراق وفي سورية قرب الحدود في هضبة الجولان وفي بيروت. رد «حزب الله» بكمين المضاد للدبابات قرب مستوطنة افيفيم في الاول من ايلول، تم فيه اطلاق ثلاثة صواريخ أخطأت سيارة الاسعاف العسكرية.
بعد هذه الهجمات هدد رئيس «حزب الله»، حسن نصر الله، بتغيير ميزان الردع في لبنان بوساطة حرب ضد الطائرات الإسرائيلية بدون طيار التي حسب التقارير كانت مشاركة في كل الهجمات. وفي نهاية تشرين الاول أطلق «حزب الله» للمرة الاولى منذ سنوات صاروخا مضادا للطائرات على طائرة إسرائيلية بدون طيار كانت تحلق في سماء لبنان. ولكن أخطأ الصاروخ الهدف.
إطلاق صاروخ هو جزء من حوار متنوع لتبادل الرسائل التي يتبادلها الطرفان المتخاصمان. رغم الخطاب الهجومي لنصر الله فإن الاستخبارات الإسرائيلية تقدر بأنه لا توجد له مصلحه، الآن، في حرب، وأن تجربة حرب العام 2006 ما زالت تردعه عن القيام بمبادرات كهذه طالما أن الأمر يتعلق به. المشكلة هي أنه ليس كل شيء مرتبطا به. فالتوتر المستمر على الحدود المندمج مع عدم الاستقرار الاقليمي، حيث هناك القيادة الإيرانية تقع تحت ضغط شديد يستخدم عليها وعلى حلفائها، اضطرابات دموية في العراق واحتجاج جماهيري يأبى الخبو في لبنان واحتجاج الوقود في إيران نفسها، الذي تم قمعه بصورة وحشية قبل اسبوعين، لكن ما زال هناك حتى الآن احتمال بأن يندلع من جديد. في هذه الظروف ومع الأخذ بالحسبان الوتيرة المتزايدة للتغييرات فليس من الغريب أن تكون الاستخبارات العسكرية في إسرائيل قد حدّثت التقديرات الاستخبارية، وأصبحت تعتقد بأن احتمال اندلاع حرب زاد في السنة الاخيرة.
في الجيش الإسرائيلي يلاحظون وجود رغبة لدى «حزب الله» وإيران في وضع تحد أمام إسرائيل على شكل حادثة معينة ليس من شأنها أن تنتهي بحرب. ولكنهم في إسرائيل يعتبرون ذلك مثل اللعب بالنار، لأن أي حادثة كهذه تزيد إمكانية الخطأ. الخوف من خطأ في الحسابات يتعلق هنا بقراءة غير صحيحة لـ «شفا الحرب» لدى العدو: «حزب الله» يمكن أن يبادر الى استفزاز، بالنسبة له لا يبرر بدء معركة. ولكن إسرائيل ستفكر بشكل مختلف وسترد بشدة، بصورة ستقرب الطرفين من الحرب.
في الخلفية يواصل مصدر آخر للخطر التأثير: «مشروع زيادة دقة الصواريخ» التابعة لـ»حزب الله». يزعم جهاز الأمن الإسرائيلي أنه نجح حتى الآن في إحباط معظم خطوات إيران من اجل تحسين قدرة الدقة للصواريخ والقذائف التي توجد لدى «حزب الله». هذا الامر تم عبر مهاجمة قوافل تهريب السلاح في سورية، اضافة الى استخدام ضغط علني أدى الى اخلاء مواقع انتاج وتحويل للصواريخ بواسطة «اجهزة زيادة الدقة»، بعد فترة قصيرة من اقامتها في لبنان. ولكن إيران لم تتنازل عن جهودها في هذا المجال، وهكذا آجلا أم عاجلا يتوقع حدوث مواجهة مع إسرائيل بشأن اقامة خطوط انتاج في لبنان.
في الوقت ذاته تثور ايضا اسئلة بشأن درجة فعالية المعركة بين حربين، التي ادارها الجيش الإسرائيلي واجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
في الساحة الشمالية خصص جزء بارز منها لمحاربة تهريب السلاح. ولكن حرية نشاطات إسرائيل في الشمال تقلصت بدرجة ما؛ لأنه سوية مع خمود نار الحرب الاهلية في سورية يتطور احتكاك متزايد مع مصالح الدول الاخرى: روسيا قلقة من الخطر الذي تسببه هجمات إسرائيل على جنودها في سورية، وإيران تحاول تأسيس «معادلة رد» جديدة، فيها سترد على أي هجوم، ونظام الدفاع الجوي السوري يصمم على الرد على أي قصف في اراضيه. كما نشر في «هآرتس» فان وزير الدفاع، نفتالي بينيت، يعتقد العكس. فحسب رأيه، وجدت فرصة لإسرائيل لزيادة الهجمات والسعي بقوة لطرد أي تواجد عسكري إيراني من سورية.

صراع هويات
في جهاز الأمن الإسرائيلي يجري نقاش طويل حول مسألة أي من هويات «حزب الله» ستنتصر في نهاية الامر، الوطنية – اللبنانية أم الطائفية – الشيعية. إيران التي تمول «حزب الله» وتصدر له التعليمات تدرك التوتر بين هذين الجانبين للتنظيم، وربما لن تسارع الى الضغط على «حزب الله» للتصادم مع إسرائيل إلا اذا كانت هناك حاجة ملحة لذلك بالنسبة لها.
مقارنة مع الوضع الذي ساد في لبنان عشية الحرب في 2006 فان «حزب الله» يتولى جزءا اكثر نشاطا في الحكم وتأثيره على الحكومة في لبنان وعلى الجيش اكبر مما كان في السابق. لبنان يمتنع بصورة مستمرة عن اجراء احصاء سكاني (الذي بحسبه يتم توزيع القوة السياسية في الدولة)، لكن تقديرات مختلفة تتحدث عن ارتفاع نسبة السكان الشيعة الى 40 في المئة وعن أن اكثر من نصف الضباط في الجيش اللبناني هم من الشيعة.
يلاحظ الجيش الإسرائيلي وجود تعاون متزايد بين «حزب الله» والجيش اللبناني، لا سيما في النشاطات في جنوب الدولة. مثلا، بحماية دوريات الجيش يصل رجال «حزب الله» قرب الحدود مع إسرائيل. ولكن كما هو معروف فان «حزب الله» لا يشرك الجيش اللبناني في خططه العملية في المواجهة مع الجيش الإسرائيلي. في حالة اندلاع حرب فان التقدير في إسرائيل هو أن الجيش اللبناني سيترك جزءا من مقراته القيادية في الجنوب ويخليها لصالح «حزب الله». في هذا الوقت، الولايات المتحدة وفرنسا تستمر في تزويد الجيش اللبناني بالسلاح المتقدم والانظمة الاستخبارية، حسب اتفاقات تم عقدها في السابق. وقد عبرت إسرائيل في عدة مناسبات عن التحفظ على نقل وسائل قتالية متقدمة من انتاج الغرب لهذا الجيش بسبب علاقته مع «حزب الله».
إضافة الى التوتر توجد محاولة، بمساعدة الامم المتحدة، لحل بعض الخلافات على طول الحدود. وبين إسرائيل ولبنان يوجد خلاف على مواقع الحدود في 13 نقطة. بالنسبة لنقطتين من هذه النقاط تم التوصل الى اتفاق في السنة الماضية. وعدد من نقاط الخلاف يغطي مناطق على طول الحدود تريد إسرائيل فيها تحسين العائق الطبيعي، ومن اللحظة التي سيتوصلون فيها الى اتفاق، سيكون بالامكان التقدم في البناء هناك.
عامل كابح آخر للمواجهة مرتبط بخوف «حزب الله» من ضرر كبير للقرى الشيعية في جنوب لبنان. في الحدث الصعب الأخير على طول الحدود، اطلاق الصواريخ المضادة للدبابات على افيفيم في ايلول، كان يمكن التمييز من الجانب الإسرائيلي قوافل مدنية وهي تهرب بالسيارات من بنت جبيل فور الاطلاق خوفا من الرد الإسرائيلي.
بنت جبيل هي رمز بالنسبة لـ»حزب الله»: في أيار 2000، بعد يومين على انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، القى هناك نصر الله خطاب «خيوط العنكبوت»، الذي فيه وصف الانسحاب بالانتصار على إسرائيل. بعد ست سنوات، وبالحرب ارادت إسرائيل اصلاح الانطباع التاريخي هذا بواسطة احتلال بنت جبيل – في المعركة الثانية في البلدة بواسطة الفكرة المدحوضة لرفع علم فوق قيادة جيش لبنان الجنوبي السابق التي فيها القى نصر الله خطابه. المعركتان كلفتا الجيش الإسرائيلي خسائر وتركتا خلفهما صدمة غير بسيطة. والهرب المذكور للمدنيين اللبنانيين، معظمهم من الشيعة، يدل على أن الندب ما زالت ظاهرة ولم يتم نسيانها ايضا لدى الطرف الثاني.

عن «هآرتس»