عن حلف الدفاع بين إسرائيل والولايات المتحدة

حجم الخط

بقلم: زلمان شوفال*


أمنية توم لانتوس، الناجي من الكارثة، وفي الماضي المندوب السامي للحزب الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، كانت إقامة حلف دفاع بين إسرائيل والولايات المتحدة. ولكن، في المحادثات الكثيرة التي أجريتها مع لانتوس، المؤيد الثابت والمتفاني لإسرائيل والذي لا تغيب ذكرى الكارثة عن باله – اضطررت لأن أجيبه بأن معظم محافل الأمن عندنا يعتقدون أن مثل هذا الاتفاق لا يخدم المصلحة الإسرائيلية. بل يقيد حريتها في العمل العسكري؛ التعاون الأمني والاستخباري الخصب بين أميركا وإسرائيل، والمبدأ المتفق عليه بين كل الإدارات الأميركية الأخيرة في أن إسرائيل محفوظة الحق "في الدفاع عن نفسها بنفسها" (التوافق الذي معناه يخرج عن الصيغة اللفظية آنفة الذكر) – يستجيب كل هذا على أي حال لمعظم متطلبات اتفاق الدفاع.
هذا لم يعد.   
إن التهديدات الأمنية الأساسية التي تقف أمامها إسرائيل اليوم وفي المستقبل تختلف جوهرياً عن تلك التي وقفت أمامها في الماضي، حيث كانت قادرة عليها بفضل تفوق الجيش الإسرائيلي وبفضل تراص صفوف الجبهة الداخلية. أمامنا لا تقف دولة عربية كهذه أو تلك، أو حتى تحالف دول، بل إيران، قوة عظمى صغيرة مع تطلع لهيمنة إقليمية وذات قدرة تكنولوجية وعلمية لا بأس بها، مفعمة بأيديولوجيا دينية متزمتة.. تطلعها لإبادة إسرائيل ليس مثابة شعار فارغ، وتقترب من قدرة إنتاج سلاح نووي.
لقد كان الهجوم الصاروخي الإيراني على منشآت النفط السعودية مثالاً على تخطيط وتنفيذ متطورين. كما أن حقيقة أنه لم تكن للسعوديين وسائل دفاعية مناسبة، أو أنهم لم يعرفوا كيف يستخدمونها، لا تقلل من الإنجاز العملياتي. صحيح أن إسرائيل لا تقل عن إيران في أي واحدة من قدراتها في هذه المجالات وغيرها، بل وتتفوق عليها، وفضلاً عن ذلك، فإن الوسائل التي بادر دافيد بن غوريون إلى اتخاذها قبل ستين سنة (رغم معارضة سياسيين آخرين ضيقي الأفق) توفر لإسرائيل "حائطاً حديدياً" في وعي وقدرات رد ذات مغزى.
ولكن، لإسرائيل عقب أخيل: الجبهة الداخلية. فمساحتها الضيقة والتركيز السكاني والاقتصادي في مناطق المركز تخلق وضعاً محتملاً من الإصابات الزائدة جراء إطلاق الإيرانيين أو فروعهم للصواريخ. صحيح أن لإسرائيل وسائل متقدمة ومتطورة للدفاع في وجه الصواريخ، ولكن توجد قيود مالية، رغم المساعدة الأميركية، من حيث كمية وإمكانية انتشارها. كما أن لإيران قدرات لم تكن للدول العربية: العمل بوساطة فروع – حزب الله، حماس والجهاد الإسلامي والميليشيات الشيعية المتمركزة في سورية وفي العراق. لقد عملت إسرائيل في السنوات الأخيرة بنجاح واضح ضد القوات الإيرانية والشيعية الخاضعة لإمرة طهران في أماكن مختلفة – فيما إن النشاطات العسكرية المنسوبة لها تتداخل مع أعمال دبلوماسية وسياسية فائقة، سواء مع الولايات المتحدة أم مع روسيا. وعلى الرغم من نجاعة هذه الأعمال، ليس فيها بالضرورة ما يردع إيران بشكل مطلق من مواصلة هجماتها المباشرة وغير المباشرة ضد إسرائيل. هذا الواقع يستوجب، إضافة لإمكانيات عمل أخرى، موقفاً حديثاً أيضاً من خيار اتفاق دفاع مع الولايات المتحدة.
منظمة "جنسا" الأميركية التي أعضاؤها هم ضباط كبار سابقون، معظمهم غير يهودي، وأهميتها تتناسب تناسباً عكسياً مع وعي الجمهور لها، تنكب منذ أكثر من سنة على صياغة مسودة لمثل هذا الاتفاق، ومثلما صرح مؤخراً مايكل مكوبسكي، الذي يقف على رأس المنظمة، فإن الحديث يدور عن اتفاق سيقرر بوضوح أن حرية عمل إسرائيل ليست محدودة، وأنه إلى جانب ذلك يستجيب للمصالح الإستراتيجية الأميركية. ولقد سبق للسناتور ليندزي غرام أن أعلن أنه يؤيد مسودة "جنسا"، ومن الموقف العاطف لإدارة ترامب تجاه إسرائيل يمكن الاستنتاج بأن هذه الفكرة ستنال تأييد البيت الأبيض. ولكن لضمان مفعول وطول عمر الاتفاق حتى عندما يكون رئيس آخر في البيت الأبيض، من المهم أن يقر من الكونغرس بكتلتيه.
اليوم أيضاً يوجد في إسرائيل من يعارضون فكرة اتفاق الدفاع، ربما لأنهم لا يفهمون الواقع الإستراتيجي والجغرافي السياسي الجديد في الشرق الأوسط. ولكن توم لانتوس، الذي توفي قبل 11 سنة، رأى المولود بالضبط.

عن "معاريف"
* السفير الإسرائيلي الأسبق في الولايات المتحدة.