لا شيء يحدث، لا شيء يتغيّر!

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

عبد المجيد سويلم

يبدو أن إسرائيل ذاهبة للانتخابات للمرة الثالثة خلال عام واحد.
معظم الكتاب والمراقبين للشأن الإسرائيلي لا يرى في هذه الانتخابات الجديدة حدثاً يمكن أن يغير شيئاً في المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل، وهناك من يعتقد أن الوضع سيعود إلى ما هي عليه الأمور في هذه الأيام.
فهل هذه مسلّمة حقيقية؟ أقصد هل هي قاطعة؟، وهل يمكن أن تكون نتائج هذه الانتخابات الجديدة مجرد محاولة فاشلة جديدة؟
جوابي عن السؤال بالنفي.
وإذا كان السؤال هو: هل ستكون المتغيرات ذات تأثير حقيقي على المشهد الإسرائيلي حتى ولو كانت هامشية او طفيفة؟ فجوابي هو: نعم.
باختصار، هناك شيء سيحدث، وهناك شيء سيتغير، وهناك ما يكفي من الدلائل على ذلك.
لنبدأ من الاقربين في القائمة المشتركة.
الوقائع التي حدثت منذ ظهور نتائج الانتخابات الثانية وحتى يومنا هذا تدلل على أن القائمة المشتركة كانت جزءاً من اللعبة السياسية، وكانت جزءاً من الخلافات والاختلافات، وكانت موضع تحريض لم يسبق له مثيل، تماماً كما كانت موضع مراهنة وتقبل وقبول على مضض.
والقائمة المشتركة لم تكن لتكون كذلك لولا أنها قد تحولت في الواقع الإسرائيلي إلى بيضة قبان مقابل بيضة القبان التي مثلها حزب ليبرمان.
 بل في لحظات معينة بدت القائمة المشتركة وكأنها نقطة توازن توازي نقطة التوازن التي كانت لليبرمان.
وهذا حدث للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية من حيث الدور والأهمية في مرحلة سياسية فاصلة كالمرحلة التي تعيشها إسرائيل في هذه الأيام.
خلال الدعاية الانتخابية للانتخابات الثانية كان التحريض على العرب، وعلى القائمة المشتركة سافراً وعنصرياً وصل إلى حدود اعتبارهم تهديداً وجودياً على الدولة، أو بمعنى آخر كان التحريض عليهم هو نوع من إجازة بالقتل.
في الدعاية المرتقبة لليمين وغلاته ومستوطنيه وعصاباته لن يتراجع هذا التحريض، بل سيرتفع كما هو متوقع من يمين يشعر بالخطر على مستقبل برنامجه في إسرائيل إلى [أوج] جديد، وإلى أقصى درجات العنصرية.
كان ذلك التحريض السبب الرئيسي في وصول نسبة المشاركة، وكذلك نسبة التصويت للقائمة المشتركة لما وصلت إليه.
فما المتوقع في ضوء ذلك سوى زيادة هذه المشاركة وهذا التصويت؟ وكيف سيكون عليه الحال في مثل هذا التوقع؟!
أغلب الظن أن القائمة المشتركة ستحصل على عدة مقاعد إضافية، وأغلب الظن، أيضاً، أن وزنها النوعي سيزداد عمّا كانت عليه. أما إذا ذهبنا إلى التوقعات حول مكانة حزب «أزرق ـ أبيض»، وخصوصاً بعد «تنازل» يائير لبيد عن مبدأ التناوب على رئاسة الحكومة، فإن هذا الحزب على ما يبدو حتى الآن يسير نحو حصد عدة مقاعد إضافية، ما سيغير في المشهد، وربما بصورة قد تباغت اليمين الإسرائيلي.
«صمود» حزب «أزرق ـ أبيض»، سيعطي له المصداقية التي يبحث عنها امام الجمهور الاسرائيلي بوصفه «حزباً جديداً»، وهو سيضفي على نفسه «الطابع المسؤول»، وهو طابع يحتاج اليه في ظل الشعار الذي مارسه اليمين ضد هذا الحزب، ووصفه له بأنه حزب «يساري» ومهادن للعرب، وغيرها من «الأوصاف» التي كانت مادة رئيسية في تحريض اليمين عليه.
ومع ذلك، فإن هذا الحزب لم يهتزّ، ولم يخضع لهذا الابتزاز التحريضي،  وظل متماسكاً، وكل هذه الوقائع ستجعله قادراً على خوض الدعاية الانتخابية الثالثة بثقة أكبر وحيوية أعلى.
أما حزب ليبرمان فإنه سيحافظ على مواقفه ومواقعه لأنه استطاع «الصمود»، وحاول أن يكون «وفيّاً» لما كان يعلنه على الدوام من عدم الدخول في حكومة مع «الحريديم»، وفي حكومة مدعومة صراحة من العرب.
صحيح أن محاولة الظهور بمظهر [العلماني الوحيد] لم تنجح تماماً، وخصوصاً بعد إعلان لبيد التراجع عن «التناوب»، وصحيح أن «العداء» للعرب لم يظهر وكأنه قاطع ونهائي، إلاّ أن تراجع مقاعده عن خمسة أو ستة مقاعد ليس وارداً حتى اللحظة. أما زيادة هذه المقاعد فمسألة مشكوك فيها للغاية.
وعند الحديث عن معسكر اليمين فحدث ولا حرج.
نتنياهو لم يعد نتنياهو، وتماسك كتلة اليمين كما تدل كل المؤشرات لم يعد بتلك الصلابة، ومصير نتنياهو السياسي قد يحسم في خضم الحملات الانتخابية، والمستشار القضائي سيتخذ قراره خلال الأسبوع القادم، ولن يفلت نتنياهو من المأزق بغض النظر عن محتوى هذا القرار.
وبالنظر إلى «الليكود»، فالأمور حُسمت بأن تنافساً سيجري داخله على زعامة الحزب، وفرص ساعر حتى وإن كانت ما زالت قليلة إلاّ أن التطورات في «لائحة الاتهام» هي التي ستجعل من هذه الفرصة إمكانية واقعية.
لم يعد ممكناً، أن يكون اليمين صلباً ومتماسكاً، وواثقاً، ولن ينتظر كل مكون من مكونات هذا اليمين وراء الباب لكي يحدد له نتنياهو ما يلزم وما لا يلزم.
حتى «الحريديم» أنفسهم سيبحثون عن «مصالحهم»، ولن يترددوا في اللجوء إلى كل من يوفر لهم هذه المصالح، طالما أن «الليكود» لم يعد القوة الوحيدة القادرة على ذلك، وطالما أن نتنياهو لم يعد الرجل الوحيد الذي يمسك بناصية هذا الأمر. لذلك ليس صحيحاً، ولا نهائياً، ولا قاطعاً الرأي الذي يقول أن الانتخابات الثالثة لن تغير في المشهد السياسي في إسرائيل. أما الصحيح والمؤكد أن هذه الانتخابات لن تفضي إلى الإجابات «المطلوبة» على أسئلة المرحلة، وهي الأسئلة التي يهرب منها ويتهرب منها المجتمع والدولة في إسرائيل.
الإجابات الممكنة على سؤال الهوية وعلى سؤال «السلام» حتى وإن بدا وكأنه سؤال الهوية هو على رأس جدول الأعمال.
اليمين في إسرائيل إذا خسر الانتخابات من زاوية عدم تمكنه من التحكم الكامل بالسلطة السياسية، فإنه سيشعل حرباً مفتوحة على الهوية، وأخرى أكثر ضراوة على سؤال «أرض إسرائيل» أو السلام.
الوسط واليسار لا يملكان القوة والإرادة للتصدي الفاعل ضد هذه الحرب المرتقبة، وهو ما زال يرى أن «استمالة» جمهور اليمين هي المسألة المركزية في استراتيجيته لسنوات طويلة قادمة. وهي مراهنة مجربة لا تؤدي إلاّ إلى عودة اليمين وإعادة تزكيته.
وليس أمام الوسط واليسار إلاّ الاستفادة من التجربة إذا أراد أن لا يعود اليمين الرقم الأول في إسرائيل.