كوربين سيكون مفيداً لإسرائيل

حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي


على الرغم من أن جيرمي كوربين يعد أملنا في خطاب دولي جديد، إلا أنه لا يزال مجهولاً وغير مجرّب. وعلى وجه الخصوص، يعتبر كوربين أملنا في خطاب جديد حول إسرائيل والفلسطينيين والاحتلال والسلام والعدالة في الشرق الأوسط، حيث لم يُنتخب أي زعيم غربي يتبنى مواقف بشأن النزاع مثله لقيادة دولة. علاوة على ذلك، أغامر بالقول: إنه منذ أن غادرنا نيلسون مانديلا، اتخذ عدد قليل من قادة العالم الغربي مثل هذه المواقف.
في الوقت الراهن، من الواضح أن زعيم حزب العمال البريطاني هو رجل الدولة البارز الوحيد الذي يفهم أن وقت الخطابات الفارغة ينبغي أن ينتهي. ونظراً لأن الاحتلال الإسرائيلي تحول إلى ظاهرة دائمة وذات جذور عميقة ومتسعة، ولأن إسرائيل ليس لديها أي نية لإنهائها، حان الوقت لكي يتخطى الغرب التصريحات والإدانات والإعلانات الجوفاء والانتقال إلى العمل.
في الواقع، يُسمح لنا بالاعتقاد أن كوربين يفهم أن استمرار سياسة الغرب، خاصة سياسة بريطانيا، التي تسمح للاحتلال الإسرائيلي وجميع الجرائم المرتبطة به بالاستمرار كما لو كان بقرار سماوي، وتتجاهل استمرار إسرائيل بانتهاك القانون الدولي واللامبالاة بقرارات المؤسسات الدولية، وتنظر إلى إسرائيل كدولة ديمقراطية أو «كعنصر من عناصر الشرق الأوسط»، ستؤدي إلى تحول إسرائيل إلى دولة الفصل العنصري الثانية، بعد جنوب إفريقيا، إذا لم يكن قد حصل ذلك بالفعل.

مكافحة كوربين
يدرك كوربين أن أي شخص يريد إيقاف هذا الأمر، يجب أن يتّبع السياسة نفسها التي اعتمدها الغرب تجاه دولة الفصل العنصري الأولى، جنوب إفريقيا. فالطرف الذي نجح في مواجهة جنوب إفريقيا يجب أن ينجح في مواجهة إسرائيل. وبينما يواصل اليمين المتطرف والعنصري والشعبي هزيمة بلد بعد آخر في جميع أنحاء العالم وفي أوروبا بشكل خاص، من المرجح أن يبشر اختيار كوربين لرئاسة الحكومة البريطانية بأنه على وشك تغيير مسار الأحداث.
هناك طريقة واحدة فعالة جديدة أثبتت نجاحها في السنوات القليلة الماضية في كل من أوروبا والولايات المتحدة. وتتمثل الإستراتيجية الجديدة التي تستخدمها إسرائيل والمؤسسة الصهيونية في وصف أي انتقاد لإسرائيل على الفور بأنه معاداة للسامية.
على الرغم من الاحتمالات غير المؤكدة، ونظراً لغياب أي ضمان يؤكد تحويل كوربين وعوده إلى أفعال في حال انتخابه، لا يزال يخلق بصيص أمل نادر في يومنا هذا. ومع وجود أمل ضعيف في تل أبيب، يبدو انتخاب كوربين وكأنه بمثابة حلم أصبح حقيقة. فضلاً عن ذلك، يُعتبر هذا الأمل المستوحى من كوربين بمثابة كابوس الحكومة الإسرائيلية وآلياتها الدعائية، المتكاملة بالكامل مع المؤسسة اليهودية والصهيونية في بريطانيا. ومن هنا، ظهر القرار منذ فترة طويلة تستهدف كوربين لعزله سياسياً. ومع تحسن احتمالات كوربين لترؤس حزب العمال، تضاعفت جهود إزالته بشكل طبيعي. كيف نحارب كوربين.
سقطت أوروبا، التي ما زالت تشعر بالذنب إزاء ماضيها، مباشرة في الفخ واستسلمت دون قيد أو شرط للابتزاز العاطفي الذي توظفه إسرائيل والمؤسسة الصهيونية، حيث وقع إقرار القوانين وخنق الخطاب وإلغاء المؤتمرات وتعزيز الرقابة وتجنب انتقاد إسرائيل. ومن جهته، وقع رئيس حزب العمال البريطاني في هذا الفخ الإستراتيجي الجديد.

إحساس العدالة
في الوقت الراهن، أصبح كوربين يُعتبر معادياً للسامية. في الحقيقة، هناك أدلة تلمّح لوجود معاداة السامية في حزبه. في المقابل، لم يكن كوربين نفسه مطلقاً معادياً للسامية، حيث لا يوجد بيان من هذا الرجل، الذي يُعرف بتصريحاته القوية، يُلمّح، ولو بشكل ضئيل، إلى معاداة السامية. ولا شك أن انتقادات حادة موجهة إلى إسرائيل ومعارضة شديدة للاحتلال وإضفاء الشرعية على أولئك الذين يعارضون الاحتلال ويقاتلون ضده بما في ذلك «حزب الله» و»حماس»، حصلت فعلاً، بالإضافة إلى دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. في المقابل، لا شيء من ذلك يشهد على معاداة السامية.
لا يحتاج المرء أن يتفق مع جميع مواقفه لفهم أن كوربين كان محفزاً طوال حياته بحس العدالة. ويجب أن يكون اليهود البريطانيون، الذين يهتمون بشدة بمستقبل إسرائيل، متحمسين لمواقفه ويدعمونها. وتعد هذه المواقف ضرورية للرقي بـإسرائيل لمستقبل أفضل وأكثر عدلاً.
بدلاً من ذلك، وضعت آلة الدعاية الصهيونية عقداً على كوربين. ومن جهته، ذهب الحاخام الرئيسي لليهود البريطاني، إفرايم ميرفيس، إلى حد بعيد في نشر تقرير لصحيفة التايمز حث فيه الناس على عدم التصويت لصالح حزب العمال والتأكيد على أن كوربين غير صالح لرئاسة الوزراء. كما أشار الحاخام ميرفيس إلى أن خوف اليهود من كوربين له مبرر منطقي، إذ وجد استطلاع للرأي من اليهود البريطانيين أن 47 بالمئة يفكرون في مغادرة المملكة المتحدة في حال وقع انتخاب كوربين، ما من شأنه أن يشكل خطراً على اليهود في بريطانيا.

تساؤلات كثيرة
برزت الأسئلة التي ظل اليهود يتجنبونها دائماً لسبب وجيه مرة أخرى، ومنها ما إذا كنت مواطناً بريطانياً مشروطاً فضلاً عن اتجاه ولائك، إذ يقوم خوف اليهود البريطانيين من كوربين إلى ما يعتبرونه معاداة للسامية. في المقابل، تعد المواقف التي تلهم الخوف مناهضة لإسرائيل والاحتلال. ولسائل أن يسأل: هل يعتقد اليهود البريطانيون حقاً أنه في ظل حكومة حزب العمال بقيادة كوربين، سيُرسلُ اليهود إلى معسكرات الاعتقال في بريطانيا؟ وهل ستكون حريتهم محدودة؟ وهل ستهدد معيشتهم وتسلب منهم وظائفهم؟ بالتأكيد لا، خاصة أنه من المرجح أن يغير كوربين السياسة البريطانية في التعامل مع إسرائيل وأن يمارس الضغوط وفقا لذلك.
هل يمكن أن تكون هناك أخبار أفضل لأصدقاء إسرائيل الحقيقيين ولمن يهتمون حقاً بمستقبلها ومكانتها الأخلاقية؟ من الواضح أن هناك معاداة للسامية في بريطانيا، بما في ذلك حزب العمال، على الرغم من أن معادي السامية الخطرين ينتمون لأقصى اليمين في أوروبا، حيث يُعرفرن بالود تجاه إسرائيل. وفي الواقع، ينبغي مكافحة معاداة السامية في كل مكان، بما في ذلك في المملكة المتحدة. ولكن في الوقت نفسه، ينبغي على اليهود البريطانيين أن يحاسبوا أنفسهم بصدق وشجاعة حول مدى إثارة معاداة السامية لسياسات الاحتلال الوحشية الإسرائيلية، وقتل المدنيين والنساء والأطفال، وحصار غزة، والمستوطنات وعمليات الطرد، والفصل العنصري الإسرائيلي.

مواجهة الحقيقة
في الوقت الراهن، لا يوجد دافع أكبر لمعاداة السامية من سياسات دولة إسرائيل. فليس هناك ما يثير معارضة أوسع وغضباً أكبر في العالم من تدفق الصور ومقاطع الفيديو المتواصلة من غزة والضفة الغربية. في المقابل، تتطلب مواجهة هذه الحقيقة النزاهة والشجاعة، حيث من السهل إلقاء اللوم على معاداة السامية على كوربين وحزبه، وبذل كل ما في وسعهم لمنع انتخابهم. وفي هذه الأثناء، يريد كوربين وضع حد للسياسات الإسرائيلية التي تغذي معاداة السامية. لذلك، يعتبره اليهود غير مؤهل.
وتجدر الإشارة إلى أن الرسالة الموجهة لتل أبيب ويهود بريطانيا تتمثل في أنه ينبغي على إسرائيل أن تكون أكثر عدلاً، حيث يعد ذلك الحل الحقيقي، وربما الوحيد، لمعاداة السامية اليوم، وهو ما يريده كوربين حقاً. إلى جانب ذلك، نجد هناك رسالة أمل لانتخاب كوربين. ومن المحتمل أن يكون هذا الأمر إيجابياً بالنسبة لبريطانيا، وسيكون بالتأكيد مفيداً لإسرائيل ولأغلبية اليهود البريطانيين الذين يتوقون إلى مصيرهم ويتعاطفون مع إسرائيل تلقائياً. فلو كنتُ بريطانياً، سواء كنتُ يهودياً أم لا، سأصوتُ بحماس كبير لكوربين.

عن «ميدل إيست آي»