جنون سياسي جماعي: "الليكود" قرّر إحراق النادي!

حجم الخط

بقلم: حيمي شليف


اتهم ياريف لفين، أول من أمس، «ازرق ابيض» بالمسؤولية عن اجراء انتخابات ثالثة خلال سنة، وهو الوضع الذي اطلق عليه «جنون الاجهزة». هو محق في تشخيصه، لكنه مخطئ في تشخيص من يقف وراءها. لفين يطبق مقولة «من يرفض الآخر فهو يرفض نفسه»، التي تعني باللغة الحديثة «نفسية الاسقاط».
وهاكم اختبارا بسيطا يرتكز إلى سؤال بسبب وهو ما إذا كان بيغن سيتقلب في قبره؟ هل الزعيم الاسطوري للحركة التي لفين هو عضو فيها كان سيتقلب في قبره بسبب رئيس اركان سابق يقوم بتنفيذ وعد انتخابي ويرفض الجلوس في حكومة قدمت ضد رئيسها ثلاث لوائح اتهام جنائية؟ أو هل كان ستقلب في قبره لأن أحد ورثته يتجاهل لوائح الاتهام ويريد تصفية الجهاز القضائي الذي يتهمه، ويصمم على التمسك بمنصبه وعلى جر الدولة الى الهاوية من اجل نجاته من رعب المحاكمة؟
ما الذي كان سيقوله بيغن، أو أي عالم نفس عادي، عن رئيس حكومة لم يعد يستطيع التمييز بين الحقيقة والكذب، ولا يثق أي شخص، بما في ذلك من يؤيدونه، بأي كلمة يقولها. وماذا كان سيقول عن الشخص الذي يصل الليل بالنهار ويحرك الجبال والتلال، وحسب المستشار القانوني يرتكب ايضا مخالفات جنائية خطيرة، من اجل ظهور صور زوجته في الصفحة الرئيسية؟ وماذا كان سيقول عن سياسي مصاب بجنون العظمة، من كثرة اختراعه لنظريات المؤامرة، بدأ هو نفسه في تصديقها؟ وماذا كان سيقول عن الذي أقنع نفسه ومحيطه بأنه من دونه لن يكون وجود لإسرائيل؟.
لفين عضو معروف في حزب اختار بارادته دفن رأسه في الرمل والتظاهر بأن سلوك رئيسه هو سلوك عادي جدا. وهو شريك في حركة سياسية تصفي بالجملة حراس العتبة، تضعضع باستمرار ثقة الجمهور بمؤسساته. وبشكل عام هي مستعدة لإحراق النادي من اجل إرضاء من يترأسها. ومثل أصدقائه، لفين ايضا يعطي الانطباع بأنه بدلا من أن يواجهوا سلوكهم في الحركة هم يصبون على خصومهم روح المظالم التي تملكتهم.
يدور الحديث عن جنون سياسي جماعي له جذور عميقة، عدد منها خاص بإسرائيل. الكاريزما والكمال لنتنياهو، التصفية المستمرة لخصوم مستقلين وأقوياء، السعي التقليدي لليمين «وراء شخص قوي»، المحاولة الواضحة للمستوطنين ومؤيديهم من اجل استغلال الروح الشريرة لنتنياهو كي يصفوا نهائيا البنية الاساسية الليبرالية للديمقراطية، التي يكرهونها. يساريون متشددون سيشيرون بالطبع الى مظالم الاحتلال التي هزت، حسب تنبؤاتهم، السلامة العقلية للمحتل.
ولكن نتنياهو و»الليكود» ليسوا حالة فردية: جنونهم ليس ظاهرة محلية فقط، بل هي وباء معدٍ يهاجم حركات يمينية كثيرة في العالم بشكل عام، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص. دونالد ترامب، باستثناء أنه شخص فظ وبربري ومزاجي ومندفع، وبصورة عامة منبوذ اكثر من نتنياهو بأضعاف، يعمل بشكل علني على اضعاف اميركا في الساحة الدولية، وتعزيز روسيا، عدوتها، على حسابها. وبالطبع، هو يجر معه شعبه والحزب الجمهوري ايضا.
حقيقة أن الامر يتعلق بظاهرة واسعة الابعاد تدل على أنه يوجد طريقة للجنون. الباحثون الذين يحاولون العثور على جذور الجنون، يشيرون الى العولمة والفجوة الآخذة في الاتساع بين الاثرياء والفقراء والتأثير المدمر للانترنت والشبكات الاجتماعية وطمس العبر التي كبحت حركات اليمين بعد الحرب العالمية الثانية.
ومهما كان الامر، فإن الجنون منح اليمين افضلية بارزة: خطواته لم تعد مقيدة بالقانون، العرف، المعايير، أو قواعد العدالة الاساسية. الجنون يحول كل فعل للشرير الى أمر غير عقلاني. من اجل أن يتمكنوا من مواجهة الوضع، يجب على خصومه الاعتراف بأنهم يقفون امام ظاهرة غير منطقية، تحتاج الى معالجة جذرية عميقة واساسية. وحتى لو ذهب نتنياهو، فإن الجنون سيواصل اصابة اليمين لسنوات كثيرة بعده.

عن «هآرتس»