الفن ليس بدعة شيطانية

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

سيظل الفن موضوعا للنقاش في فلسطين ويحمل أكثر مما يحتمل. تارة إذا شاهدنا فيلما سينمائيا فلسطينيا نحاكمه بأنه لم يعكس الواقع المعاش، وإذا لامس الواقع يصبح مجرما من أخرجه ومن مثله لأنه خرج عن العادات والتقاليد، وعندما نعود إلى منازلنا نواصل متابعة هذا الفيلم أو ذاك المسلسل الذي فيه ما يكرر الحديث عنه (العادات والتقاليد)، وإذا سافرنا إلى بلد ما نعود لنسرد بطولاتنا فيما خرجنا فيه عن كل شيء ولا نقيم وزنا لمشاعر من هو أمامنا، ولكننا في الحياة اليومية نصور انفسنا بأننا نقيم وزنا لهذا فقط لأن فنانا رسم لوحة أو لأن مسرحيا قدم مسرحية أو فتاة صغيرة أتقنت الباليه أو العزف على الكمان.
وأصبح اشد خوفا وهلعا عندما يذهب الأمر باتجاه الجامعات عندما تتحول من مشع للتأثير إيجابيا على المجتمع فنقدمها على أنها جزء من كل مكونات حياتنا ولا تريد ان تغيرنا قيد أنملة، والمؤسف أن الجامعات لا تجتهد لتقديم رسالة إعلامية تقول ما جرى بل تترك الأمر لوسائل التواصل الاجتماعي تقول ما تريد وتزيد او تنقص، إذا كانت الجامعات تحوي كليات للفنون وتشجع الفن ولديها إصدارات عن فلسفة الفن.
ترى لماذا وقفت دائرة العلاقات العامة في جامعة النجاح صامتة تجاه ما وثق عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟ لماذا لم تصدر رسالة تأكيد: بأننا في الجامعة رواد حرية الرأي والتعبير ورواد تنمية الذوق العام عبر الفنون وغيرها؟ لماذا لم نشحذ همة وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي والمسموع لنروي قصتنا كجامعة؟
لم يعد مقبولا أن تقف الجامعات محايدة تجاه قضايا تمس صورتها أساسا وكأن الأمر وقع في القطب المتجمد الشمالي، لماذا نصر على أن تظهر الجامعة وكأنها للمرة الأولى تستضيف حدثا فنيا ثقافيا، وكأن هذه القاعات المهيأة لم تستضف ولم تنتج أعمالا مهمة وتم تكريم مبدعين في تلك القاعات. بات ملحا أن تقدم الجامعة صورتها الحقيقية وبصوت عال وعدم المراهنة على الأيام التالية أنها كفيلة بأن ينسى الناس وينسى المجتمع ولعل الأمور ستكون عكسية ولا ينسى الناس وتترسخ الصورة بشكل ثابت لا يتغير.
لن يتقبل المجتمع رسالة مقتضبة من أكاديميين عبر مواقع التواصل الاجتماعي تكون عامة بشكل واضح مفادها لا تعمموا ولا تنسبوا الحدث لمن لا علاقة له بالأمر، وكأن الموضوع وليد لحظته كما بدا في مواقع التواصل الاجتماعي، ويفترض في الأكاديميين أن يقولوا بوضوح أين إدارة الأزمة، ألا يوجد خبراء لإدارة الأزمة في هذا الصرح الأكاديمي، يجب أن يتساءل الأكاديميون بجرأة: ندرس الإعلام والشريعة والفنون ولم نجد من ينتصر لنا من هذا الجيش الذي علمناه ونعلمه وندربه ليساهم بإدارة الأزمة، أليس الأجدر أن يسأل الأكاديمي: لماذا جعلنا من صورتنا هكذا أمام المؤسسات الثقافية والفنية.
اعذرونا، جامعات فلسطين عندما نأتيكم، نحن لا نذهب صوب سوبرماركت للتسوق ويقال لنا: «اللي مش عاجبو نوعياتنا وأسعارنا ما يرجع عنا»، بل نحن في جامعات، ومن حقنا أن نبحث عن الفرق عندكم ولا تقولوا لنا: «عاجبكم أهلا وسهلا مش عاجبكم مع السلامة!!!!» لأننا لن نصافحكم مصافحة الوداع ونقول لكم، «حاضر لن نعود أبدا»، بل سنقول لكم، إن الجامعات مكون أساسي من مكونات المجتمع وهي مركز تأثير إيجابي في المجتمع ولن تكون مغلقة على ذاتها.
الحكاية برمتها أن جامعاتنا باتت مطالبة بتطوير أدائها في التعامل مع إدارة الأزمة وتفعيل دور دوائر العلاقات العامة وترسيخ علاقاتها مع المجتمع لتظل قنوات تأثيرها مفتوحة وعبرها تصل رسالتها الإعلامية، وعبرها تمر حكاية حكايتها: قولوا قصتكم، احكوا لنا، لا تحكوا عنا، ولا تقولوا لنا «اللي مش عاجبو ما يرجع» ولا تشخصنوا الأمور بأن الموضوع مسؤولية فردية، ونحن نعلم أن الأمر اكبر من ذلك، الموضوع بحاجة إلى مراجعة شاملة لثقافة المؤسسة بالأساس.
العبرة، لم يعد مفيدا أن نقول إننا مستهدفون، احسنا صنعا أم لم نحسن، ولا أن نتحصن برواية أن هناك من يترصد لنا كل قضية وتلك هي الرواية!!!!!!، واضح أن الأمور أعمق من ذلك بكثير وتحتاج إلى مراجعة شاملة دون ادعاء أن هناك من يعمم!!!!.