إسرائيل... لا سياسة ولا أخلاق!

حجم الخط

بقلم: الدكتور محمد السعيد إدريس

 

عندما يفقد الحكم أخلاقياته التي تتلخص بمجمل المبادئ والقيم والشعارات، يجرى الترويج لها كمحددات حاكمة لممارسة السلطة والحكم، فإن هذا الحكم يفقد شرعيته، أي يفقد مبررات بقائه في السلطة والاستمرار في ممارستها، وهذا بالتحديد ما يواجه الاحتلال الإسرائيلي، في ظل ما يمكن اعتباره أزمة بنيوية ذات بعدين بارزين، أولهما: عجز الكيان عن تشكيل حكومة بعد فشل كل من بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود اليميني الحاكم وبيني جانتس زعيم حزب «أزرق - أبيض» على التوالي في تشكيل الحكومة بعد دورتين انتخابيتين هذا العام، الأولى في نيسان، والثانية في أيلول.

أما البُعد الثاني فيتبلور في تلك الاتهامات شديدة الخطورة التي تم توجيهها من أعلى سلطة قضائية في الاحتلال لأعلى سلطة حكم فيه، أي لشخص نتنياهو، في قضايا فساد ورشوة وخيانة أمانة. ثم عجز مؤسسات الدولة عن عزل هذا الشخص ومحاكمته ومحاسبته ومنعه من الاستمرار في ممارسة السلطة.

المدعي العام الإسرائيلي (النائب العام) أفيخاي مندلبليت الذي أعلن قائمة الاتهامات لنتنياهو أكد أن قراره اتخذ «بعد دراسة معمقة لملفات التحقيق مع نتنياهو وعشرات الشهود»، معتبراً أن «الاتهامات خطيرة ولم يسبق أن عرفتها إسرائيل في الماضي». ومن هنا جاء تعليق جانتس غريم نتنياهو على هذه الاتهامات بمطالبة نتنياهو بأن «يتصرف كقائد سياسي في دولة متحضرة ويستقيل، ولا يتصرف كرئيس دولة متخلفة يتمسك بالحكم بالقوة».

ما حدث بعد ذلك جاء على العكس تماماً من توقعات جانتس، ما يكشف زيف جوهر السياسة والحكم في «إسرائيل»، وخاصة ادعاء أن هذا الكيان «دولة ديمقراطية ومتحضرة». فالرجلان المعنيان بالدفاع عن جدارة السياسة والحكم ، والمعنيان أيضاً بفرض احترام القانون هما من تحايلا عليه وبالتحديد نتنياهو ومندلبليت. فقد بادر نتنياهو بالتشكيك في نزاهة الاتهامات الموجهة إليه ورفضها واعتبرها «زائفة»، واعتبر أن التحقيقات «كانت غير نزيهة وأن الهدف منها هو القضاء عليه سياسياً»، هذا الرفض كان يعني تلقائياً أنه سيعمل جاهداً على إسقاطها، إما بمنع المحاكمة وإما بتجاوزها. أما المسار الثاني فهو توريط «إسرائيل» في حرب يستطيع من خلالها تحقيق إنجاز أمني كبير بتسويقه جماهيرياً لاستعادة شعبيته وفرض نفسه باعتباره الشخص الوحيد القادر على حماية أمن إسرائيل.

أما المدعى العام مندلبليت الذي وجه قائمة الاتهامات إلى نتنياهو وأكد جدية ما استند إليه من قرائن ومن شهادات شهود وتحقيقات الشرطة، فقد كان عليه أن يسعى إلى عزل نتنياهو سياسياً جراء تقاعسه عن مهمته وأداء واجبه، ووجه أسوأ لطمة لسمعة دولة تدعى أنها «دولة ديمقراطية متحضرة» حيث أعلن أن «بإمكان رئيس الحكومة نتنياهو البقاء في منصبه» رغم اتهامات الفساد. وقال مندلبليت في بيان رسمي «ليس هناك في القانون ما يلزم رئيس الوزراء بالاستقالة».

هل هذا يعني أن نتنياهو في مقدوره أن يفلت من الحساب وأن ينجح في فرض نفسه مجدداً رئيساً للحكومة بعد الانتخابات في آذار المقبل؟

ربما، لكن الأمر ليس مؤكداً في ظل احتمالات أخرى، أولها أن ينجح من ينافسون نتنياهو داخل الليكود في إسقاط زعامته وانتخاب رئيس جديد للحزب بدلاً من نتنياهو، عندها سيتم حرمان نتنياهو من فرصة خوض الانتخابات المقبلة كرئيس لحزب الليكود، وبالتالي ضياع أمل أن يترأس الحكومة الجديدة إذا فاز الليكود بالأغلبية فيها.

الاحتمال الثاني أن يتم إسقاط نتنياهو شعبياً إذا ورط إسرائيل في حرب فاشلة وجاءت نتائجها وخيمة على الأمن الإسرائيلي عندها ستكون محاسبته شعبياً وليس فقط قضائيا، كما أن تحرك النخب السياسية المعارضة لاستمرار بقاء نتنياهو على رأس الحكم في إسرائيل يمكن أن يخلق توجهاً شعبياً داعماً لخيار إسقاط نتنياهو، على غرار المبادرة الأخيرة التي تقدمت بها 67 شخصية إسرائيلية من خلفيات أمنية وأكاديمية وأدبية يوم الأحد الماضي بالتماس إلى المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية بالكيان) لإلزام المستشار القضائي أفيخاي مندلبليت بالبت في مسألة منع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من الحصول على تكليف بتشكيل الحكومة المقبلة.

كما تقدمت «الحركة من أجل جودة الحكم في (إسرائيل)» (حركة مستقلة) قبل أسبوعين من هذه الخطوة بالتماس مشابه للمستشار القضائي، لكن رد مندلبليت جاء فيه أن «الوضع الحالي (وهو غير مسبوق في تاريخ إسرائيل) يثير أسئلة صعبة ومعقدة».

هل سيستجيب مندلبليت هذه المرة لطلب هذه الشخصيات أم سيتجاوزها؟

سؤال تحسم إجابته إلى أي مدى أن سلطة الحكم في الكيان آخذة في التداعي الأخلاقي وتساقط شرعيتها السياسية.

بالاتفاق مع "الخليج"