سقوط مملكة "يهودا" لصالح الفلسطينيين في الخليل!

حجم الخط

بقلم: شاؤول اريئيلي


سقطت "مملكة يهودا"، التي يتوهّمها نفتالي بينيت واصدقاؤه من "غوش ايمونيم" على مر أجيالها. الحقيقة هي أنها لم تقم من جديد في أي يوم منذ خرابها الأخير في أعقاب تمرد "باركوخبا" الفاشل. يعرف وزير الدفاع ذلك منذ زمن. وبقراره توسيع البؤرة الاستيطانية اليهودية في الخليل من خلال اضافة حي فوق سطح محلات سوق الجملة الفلسطيني السابق، لن يقلب الواقع، المحزن من ناحيته، رأسا على عقب فقط، بل سيزيد الثمن الذي سيطلب من المجتمع دفعه مستقبلا مقابل اعادة إسرائيل الى طريق الصواب. شبيها بعمليات التهويد التي زرعها في طلاب إسرائيل، فإنه يزرع بذور الفوضى القادمة. "يقوم بتلغيم منطقة اولئك الذين سيختارون استئناف العملية السياسية وتأسيس شبكة علاقات اخرى مع الفلسطينيين، في اليوم الذي سيحرر فيه هو واصدقاؤه، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي قام بتعيينه كعقل سياسي ليس لديه اعتبارات أمنية أو حكومية، دولة إسرائيل من القبضة الخانقة القومية المتطرفة – المسيحانية.
ورغم 52 سنة من الاحتلال الإسرائيلي وعشرات مليارات الشواكل التي تم استثمارها والسنوات العشر من الحكم المتواصل لحكومة قومية متطرفة – مسيحانية برئاسة نتنياهو، فإن مملكة "يهودا" لم تقم من جديد. في المنطقة التي تقع بين "غوش عتصيون" والخط الاخضر جنوبا (في بؤرة الخليل الفلسطينية) يعيش الآن حوالي 800 ألف فلسطيني، داخلهم، حسب معطيات مكتب الاحصاء المركزي في كانون الاول 2018، يعيش 9980 إسرائيليا يسكنون في 15 مستوطنة صغيرة جدا تابعة للمجلس الاقليمي جنوب جبل الخليل. واليهم يجب أن نضيف المجلس المحلي "كريات اربع" الذي يعيش فيه 7323 شخصا (اقل من السنة الماضية). أي أنه مقابل كل إسرائيلي يسكن في هذه المنطقة يوجد 47 فلسطينيا يسكنون فيها. ديمغرافيا 2: 98 لصالح الفلسطينيين. الاغلبية الساحقة للمنطقة المعرفة بمنطقة "أ" أو "ب"، أي تحت اختصاص السلطة الفلسطينية. باقي المنطقة، المعرفة بمنطقة "ج"، المكونة بالاساس من ممرات ضيقة، والقائمة على طرق وصول الى المستوطنات الصغيرة. في حين أن سكان المنطقة الفلسطينية في الخليل تساهم بـ 40 في المئة من الناتج الاجمالي الخام للسلطة فإن السكان اليهود الذين ليس لديهم زراعة أو مناطق صناعية مهمة، مصنفة في المقياس الاجتماعي – الاقتصادي لإسرائيل في العناقيد 3 و5 المتدنية، ومعظمها تعمل في نطاق الخط الاخضر. بشكل عام، هاتان المجموعتان السكانيتان تعدان مع التنظيمات والاحزاب الدينية المتطرفة. دعم الفلسطينيين لـ"حماس" و"الجهاد الاسلامي" في هذه المنطقة اكثر مما هو في محافظات اخرى في الضفة الغربية. في حين أنه في إسرائيل في الانتخابات الاخيرة صوتت الاغلبية الساحقة للإسرائيليين في هذه المستوطنات لاحزاب قومية متطرفة – مسيحانية، الموجودة على يمين "الليكود".
اذا كان الامر كذلك، فإن المعركة على "يهودا"، التي لم يكن في أي يوم فرصة للنجاح، تم حسمها. ليس "بالدم النار"، بل لأسباب اقل اهمية من ذلك، ومرتبطة بأرض الواقع. معظم الإسرائيليين الذين يعيشون في نطاق الخط الاخضر فهموا أنه لن يكون من الصحيح من ناحية سياسية وامنية واقتصادية واجتماعية التوطن في قلب قلب السكان الفلسطينيين في جبل الخليل.
يعرف بينيت أنه في مدينة الخليل المعركة حسمت منذ زمن. هذا حدث حتى قبل أن تبدأ المعركة من جديد، مع سيطرة اتباع الحاخام كوك على فندق بارك في عيد الفصح في العام 1968، على رأسهم وقف موشيه لفنغر. والمبادر الى العملية، اليكيم هعتسني، الذي هو ايضا عرف أن يحدد ماذا يريد شعب إسرائيل وما هي نظرته لسلطة القانون: "لقد كان واضحا لنا أن الشعب يريد العودة الى الخليل، واذا كانت الحكومة لا تريد ذلك فيجب وضعها أمام حقيقة، رغم أنني شخص يحافظ على القانون ويحرص على ذلك، إلا أنه في هذا الامر... لم نكن مستعدين لقبول الحكم، وقلنا إنه يجب خلق حقائق. لم يكن لدينا أي تردد في هذا الشأن". الـ 800 يهودي الذين يعيشون اليوم في المدينة التي يبلغ عدد سكانها 230 ألف نسمة من الفلسطينيين (اقل من 0.5 في المئة)، يدلون على كم من "الصدق" و"الحكمة" كانت في ادعاءات هعتسني واصدقائه.
عندها ماذا اختار بينيت أن يفعل؟ أن يضيف الى اليهود القلائل بضع مئات اخرى من اجل أن يجبي ثمنا اعلى من حكومة مستقبلية يكون لديها مواقف سياسية اخرى. على المدى القصير، التخطيط والبناء اوجد تحديا امنيا اكبر امام قوات الامن، التي الآن تضع جنديا تقريبا على كل إسرائيلي يعيش في الخليل، عندما سيضطرون الى التعامل مع الرد الفلسطيني المتوقع على الخطة. ربما يعتقد بينيت بأنه في خضم المعركة سيكون بالامكان فعل اكثر مما يفعله الجيش الآن من اجل الدفاع عن المستوطنين في هذه المنطقة في الخليل. ايضا اليوم، يتبع الجيش الإسرائيلي وسائل متشددة ضد السكان الفلسطينيين، تشمل اغلاق المحلات والمصالح التجارية واغلاق الشوارع امام حركة السيارات، وفي شوارع معينة حتى يتم منع الفلسطينيين من السير فيها بصورة مطلقة. في المدى الابعد، النية هي خلق تحد سياسي واجتماعي لحكومة اخرى تريد العودة الى العملية السياسية والى حل الدولتين، الذي سيكون مقرونا باخلاء الإسرائيليين الذين يعيشون في بيوت معزولة في قلب التجمع الفلسطيني في الخليل، ويقيمون مع جيرانهم شبكة علاقات سيئة وعنيفة. ليس جديدا أو مفاجئا على الاطلاق أن المستوطنات اليهودية في منطقة الخليل لم يتم شملها في أي يوم في اطار الاقتراح الإسرائيلي لتبادل "المناطق"، في المفاوضات التي جرت مع الفلسطينيين بسبب الواقع الديمغرافي والجغرافي الذي وصف اعلاه.
بذور الفوضى المخططة في الحي الجديد فوق سوق الجملة في الخليل هي البداية فقط. من يتجول في هذه الايام في الخليل سيكتشف النوايا الكاملة من خلال اللافتات المعلقة في كل زاوية عن طريق السكان الإسرائيليين: "من البلدة القديمة وحتى المشهد الطبيعي (لنمراة)، لأن مدينتنا المقدسة، الخليل، تريد النمو فقط" و"حملة تجنيد لانقاذ البيوت في الخليل". لشعب إسرائيل الذي يترك مدينة الآباء، يجب أن نشرح بأن الامر يتعلق بنية خلق تواصل بناء مأهول بين بيوت اليهود في الشارع الرئيسي للحي اليهودي السابق، وربطه كله مع "كريات اربع" التي تقع في الشرق. هذه الخطة لا تأخذ في الحسبان       الـ 90 ألف فلسطيني الذين يمتلكون آلاف البيوت و1350 محلا تجاريا في هذه المنطقة. فرصة خطوة كهذه في اطار القانون الإسرائيلي وقيوده الحالية توازي فرصة خلق تواصل يهودي بين "كريات اربع" وبئر السبع أو مع "غوش عتصيون". أي هي فرصة معدومة.
مع ذلك، كشف اعلان بينيت لنا بأنه لا توجد حدود للانغلاق الاجتماعي والاخلاقي للمستشارين القانونيين في وزارة الدفاع الذين كتبوا رأيهم الذي شرعن تخطيط الحي الجديد على سطح الحوانيت التجارية في سوق الجملة. يدور الحديث عن محلات تجارية كانت بملكية يهودية حتى العام 1948، ولكن منذ ذلك الحين وخلال عشرات السنين، حظي الفلسطينيون بمكانة سكان محميين فيها. وحسب الرأي الذي تم تقديمه، سيكون بالامكان هدم المحلات واعادة بنائها دون أي نية لفتحها. هكذا سيكون بالامكان بناء حي يهودي، بذريعة أن الحوانيت مغلقة أصلا منذ 25 سنة. لوزير الدفاع وطاقم المساعدين، الذين اختارهم بعناية، لا يهم مطلقا أن هذه المحلات اغلقت في اعقاب المذبحة التي نفذها باروخ غولدشتاين ضد المصلين المسلمين في الحرم الابراهيمي في عيد المساخر في العام 1994، ولا يهم أن إسرائيل برئاسة نتنياهو تعهد في "اتفاق الخليل" الذي وقع في العام 1997، السماح للفلسطينيين باعادة فتح السوق في شارع الشهداء، والسماح فيه بحركة السيارات الفلسطينية.
بهذه الروح العنصرية فإن كل ما سيطلب من الحكومة القادمة سيكون فرض القانون الإسرائيلي على منطقة "الخليل 2" التي بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية حسب اتفاق الخليل، وضمنها "قانون املاك الغائبين" الذي سيحول بين عشية وضحاها سكان الخليل في هذه المنطقة الى غائبين. املاكهم ستصادر من قبل حكومة إسرائيل، ولن تستطيع أي محكمة عليا منع ذلك. اللجوء المؤقت، الذي فرض على عشرات آلاف الفلسطينيين، سكان هذه المنطقة الذين بحثوا عن مكان مؤقت في الخليل يقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية من اجل كسب الرزق والابتعاد عن مهوى الذراع المهينة والمهددة للمستوطنين الذين يحظون بحماية الجيش الإسرائيلي، سيتحول الى لجوء دائم موجود في القانون الإسرائيلي.
إسرائيل من ناحيتها، ستحرص على أن تواصل الاعلان عن نفسها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط التي تحافظ على سلطة القانون، وعوديد رفيفي، رئيس مجلس "افرات"، سيواصل نشر مقالاته عن العالم الموازي الذي فيه يعيش بتعايش مشترك مع الفلسطينيين ويتجاهل أن الامر يدور حول العلاقة بين الحصان وفارسه.

عن "هآرتس"