اسماعيل هنية في "رحلة صيد": "حماس" تسعى لامتلاك شرعية دولية

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل


ينوي إسماعيل هنية أن يستغل جيداً تصريح الخروج، الذي حصل عليه من مصر. منذ انتخابه رئيساً للمكتب السياسي لـ"حماس" في صيف 2017 لم يسافر هنية الى الخارج، باستثناء زيارات عمل في مصر. في حين أن نائبه، صالح العاروري، يحظى بحرية الحركة، ويتجول في ارجاء الشرق الاوسط، وخالد مشعل، سلفه، يعيش في قطر، وهو حر في التجول أينما يريد – وللدقة، أينما يكون الأمر آمنا – فإن هنية محبوس في القطاع؛ لأن أي عملية خروج له تحتاج الى تصريح من مصر من أجل السفر عبر مطار القاهرة.
بعد أن أجرى، الاسبوع الماضي، هو وزياد النخالة، أمين عام "الجهاد الاسلامي"، محادثات في مصر مع رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، واصل السفر الى تركيا. ومن هناك ينوي زيارة قطر وماليزيا واندونيسيا ولبنان وموريتانيا. وهو يأمل في الحصول على دعوة ايضا من الكرملين من أجل الالتقاء مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. زيارة السعودية ودولة الامارات غير مشمولة في برنامج الجولة. وايضا ليس واضحا حتى الآن اذا كان هنية سيقوم بزيارة ايران. في "حماس" يقولون إن هذه الرحلة الطويلة ستستمر ستة أسابيع على الأقل، وآخرون يعتقدون بأنها ستستمر شهوراً وربما أكثر.
هل إعطاء التصريح لهنية يدل على أن مصر راضية عن الاتفاقات التي تم التوصل اليها في المحادثات؟ بعض المحللين في مصر يقدرون أن "التهدئة" توجد في المراحل النهائية، وأنه بقي فقط عدد من الامور التقنية التي يمكن أيضا حلها.
مصادر في "حماس" قالت للصحيفة إنه لا يوجد حتى الآن أي اتفاقات، لكن نية مصر وإسرائيل هي التوصل الى اكثر من تهدئة طويلة المدى، ستستمر ثلاث – خمس سنوات. الدولتان تسعيان الى وضع القاعدة لصفقة تبادل أسرى ومفقودين، كما أشار عدد من المتحدثين في "حماس". إذا تبين أن هذه الاشارات صحيحة فإن صفقة كهذه يمكنها أن تخدم جيدا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قبيل الانتخابات القادمة، وربما هذه هي الورقة السرية التي احتفظ بها قرب صدره. مع ذلك، من الواضح أن صفقة تبادل كهذه ستشمل ايضا سجناء "حماس"، الذين اعتقلوا مرة اخرى بعد صفقة شاليت، واطلاق سراح سجناء "حماس"، الذين بقوا مسجونين في مصر بعد أن اطلقت مصر سراح 25 سجينا اثناء زيارة ممثلي "حماس" و"الجهاد" السابقة في تشرين الاول الماضي.

تعاون مثمر
الهدف الاساسي من جولة هنية هو جمع أكبر قدر من المساعدات والتعهدات للاستثمار في غزة. هذه ستساعد "حماس" على إعادة اعمار القطاع، وانشاء بنية تحتية اقتصادية قابلة للحياة تشمل اقامة مناطق صناعية على الحدود بين القطاع ومصر، والتي سيكون جزء منها في الاراضي المصرية، وفيها سيتم تشغيل آلاف السكان من غزة. يبدو أن هنية أصبح مزودا بضوء أخضر من إسرائيل للبدء في مرحلة التطوير، وهذا خاضع للتوقيع على اتفاق تسوية طويلة المدى. هذه المرحلة يمكن أيضا أن تشمل إنشاء جزيرة قرب غزة، ستستخدم كميناء وبوابة عبور للبضائع، وبهذا ستتجاوز الحصار الإسرائيلي على القطاع.
مشروع الجزيرة، اذا اقيم، فإنه في الحقيقة ليس حلا للمدى القصير، لكنه يشغل مصر التي أرادت تفاصيل عن جوهره، حيث إنها تريد ضمانا بأن رافعة ضغطها على القطاع المتمثلة بمعبر رفح، لن تسرق من أيديها. هي تفضل الوضع القائم الذي تتحكم فيه بأي دخول وخروج من غزة، سواء من ناحية اقتصادية أو من مناحية امنية. في هذه الاثناء، القاهرة راضية عن التعاون بينها وبين "حماس" في مسألة حماية الحدود مع سيناء، وقريبا سيقام المزيد من نقاط المراقبة وستزداد الدوريات المصرية والفلسطينية على جانبي الحدود.
هكذا تجد "حماس" نفسها في دور حرس حدود مزدوج، امام مصر وامام إسرائيل، وهي مكانة تمنحها اهمية استراتيجية، رغم أن ذلك ليس جزءا من حلم العملية السياسية غير القائم.
الامر المهم هو أنه حتى دون اتفاق للتعاون الامني – حسب النموذج الذي وقعت عليه إسرائيل مع السلطة الفلسطينية – يجري تعاون كهذا تعتبر فيه "حماس" حكومة مسؤولة تجاه إسرائيل عن كل انحراف امني. وهي مكانة حتى السلطة الفلسطينية لا تحظى بها. اضافة الى ذلك، في اراضي السلطة تفعل إسرائيل ما تشاء، في حين أنها في غزة لا تقوم باقتحامات ليلية بغرض الاعتقال، ولا تقوم بقطع الطرق أو تدمير بيوت "المخربين".
يمكن القول ايضا إن إسرائيل تتعامل مع غزة كدولة ذات سيادة، كل اقتحام لاراضيها، برا أو جوا، يمكن أن يجر وراءه ردودا عنيفة، في حين أن عملا مشابها في الضفة الغربية هو امر روتيني بحيث لا يعرض للخطر مواطني دولة إسرائيل. هكذا، في حين أنه امام غزة يوجد ميزان ردع يشبه الموجود امام "حزب الله"، فإن أراضي السلطة الفلسطينية هي في أفضل الحالات ساحة للعب.
لهذا التعاون يوجد بالطبع ثمن ايديولوجي. هو يلزم "حماس" بأن تشرح لماذا تجري مفاوضات للتسوية، وكيف أن تسوية كهذه تتساوق مع عقيدة المقاومة (بكل الوسائل) ومع النظرية الموجودة في ميثاق "حماس" الجديد، التي تقول إن إسرائيل هي عدو أبدي. اجابة سريعة عن ذلك قدمها مصدر كبير في "حماس"، محمود الزهار، الذي شرح في مقابلة بأن "التهدئة هي احدى وسائل المقاومة التي ستمكننا من التقاط الانفاس واعادة تنظيم انفسنا من جديد ومراكمة ادوات للنضال من اجل التحرر. لن نعطي في أي يوم هدنة دائمة للاحتلال". اعترف الزهار بأن "حماس" تحتاج ايضا الى فترة تهدئة، دون أن يحدد ما هي مدتها، شريطة ألا تكون أبدية، وأن التهدئة من مجرد تعريفها، ليست اتفاق سلام أو اعترافا بإسرائيل، لذلك هي لا تمس أسس النضال.
هذا التفسير ينظرون اليه في السلطة الفلسطينية، لا سيما في قيادة "فتح"، باستخفاف وانتقاد. هناك يعرضون على سبيل المثال موافقة هنية على اقامة مستشفى ميداني أميركي في اراضي القطاع كخضوع لاملاء أميركي وإسرائيلي، ويتهمون "حماس" باعطاء الشرعية لاقامة قاعدة أميركية بغطاء المستشفى. رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد اشتية، لا يكتفي بالنقد. فقد اعلن بأن السلطة ستبدأ بتشغيل المستشفى، الذي اقيم بتمويل من تركيا بعد سنتي تأخير. واضاف، إن السلطة توصلت الى اتفاقات مع تركيا حول تمويل تشغيل المؤسسة الطبية، التي تحتوي على 180 سريرا.
ورغم حقيقة أن العلاقات بين السلطة الفلسطينية ورئيسها، محمود عباس، وبين تركيا ورئيسها، رجب طيب اردوغان، بعيدة عن أن تكون ودية، بالاساس بسبب الدعم الكبير الذي تعطيه تركيا لـ"حماس"، إلا أن عباس يفضل أن يستفيد شخصيا من هذا الحدث، وأن لا يسمح لـ"حماس" بأن تستفيد سياسيا من اقامة المستشفى. وبالمناسبة، باتخاذ قرار تشغيل المستشفى التركي فإن السلطة الفلسطينية تعترف بأنها هي وليس إسرائيل، التي منعت افتتاحه حتى الآن.

بين السعودية وإيران
قضية المستشفى هي فقط مثال على المنافسة على الشرعية التي تتأجج بين "حماس" و"فتح" على خلفية قرار محمود عباس اجراء انتخابات في "المناطق"، وهو قرار وافقت عليه "حماس" في السابق. الى جانب المسائل التقنية والحاجة الى الحصول على موافقة إسرائيل من اجل اجراء الانتخابات، بما في ذلك في شرقي القدس، هناك خلاف هل سيتم اجراء الانتخابات قبل التوصل الى مصالحة بين "فتح" و"حماس" أم أن الانقسام بينهما لا يجب أن يؤثر على اجرائها. حتى الآن لم يتم تحديد موعد للانتخابات. وهناك شك اذا كانت إسرائيل ستسمح باجرائها في شرقي القدس. ولكن "حماس" بدأت باعداد ملف الاعمال الجماهيري والمدني لها من اجل أن تستطيع التنافس من موقع قوة، ليس فقط في غزة، بل ايضا في الضفة الغربية. هنا يكمن الهدف الآخر لجولة هنية في الدول العربية والاسلامية: يأمل بأن تمنحه هذه الجولة الدولية الفرصة لتقديم نفسه كسياسي، وليس فقط كرئيس منظمة. هكذا يأمل أن يستطيع أن يغطي على عباس باعتباره الممثل المعروف والمتفق عليه للفلسطينيين. من هذه الناحية الربح الذي سيجنيه هنية و"حماس" من التهدئة اكبر بكثير من تحقيق تهدئة عسكرية. وهو سيضمن لـ"حماس" مكانة العصا الدائمة في دواليب أي عملية سياسية، حتى دون استخدام السلاح.
توجد لهنية مهمة اخرى في رحلته الطويلة: عليه أن يضمن استمرار وجود الملجأ الذي يحظى به رجاله في قطر، ومحاولة العثور على وسطاء يمكنهم ويوافقون على المصالحة بين "حماس" وبين السعودية ودولة الامارات. سيصل هنية الى دول الخليج في الوقت الذي تفحص فيه احتمال المصالحة مع قطر، بعد أن ظهر للمرة الاولى في قمة دول الخليج التي عقدت، هذا الاسبوع، في الرياض، رئيس حكومة قطر. اشارات المصالحة بدأت قبل ذلك عند مشاركة المنتخب السعودي في مباريات كأس الخليج التي عقدت في الدوحة، عاصمة قطر، وتواصلت باعلان وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الله آل ثاني، بأن قطر لا تؤيد الاسلام السياسي وحركة الاخوان المسلمين. قطر تؤيد كل الشعوب وليس الاحزاب السياسية.
هذا كان اكثر من اشارة إلى أن قطر مستعدة للقيام بدورها في الاستجابة على الاقل لأحد طلبات السعودية واتحاد الامارات والبحرين ومصر، التي تعتبر "الاخوان المسلمين" منظمة ارهابية. ليس واضحا حتى الآن هل تنوي قطر المطالبة من نشطاء "الاخوان المسلمين"، الذين يسكنون على اراضيها، مغادرة الدولة، ومن المشكوك فيه أن يكون في هذا تهديد لقيادة "حماس" في قطر، التي تواصل قطر تمويل نشاطاتها المدنية في غزة.
كجزء من صراع السعودية ضد ايران، يمكن أن تطالب السعودية قطر بأن تضع امام هنية انذارا في مسألة علاقات "حماس" مع ايران. في اطار الـ 13 طلبا التي طرحتها السعودية على قطر، التي تضمنت تقليص علاقاتها مع ايران كشرط لرفع الحصار عنها. العلاقة بين "حماس" وايران ضعفت جدا بالفعل في السنوات الاخيرة، لكن قيادة "حماس" في لبنان تستمر في علاقاتها مع ايران ومع "حزب الله". اذا كان هنية يسعى الى اعادة "حماس" الى الحضن العربي وأن يتحول الى جهة شرعية يمكنها أن تحظى باعتراف عربي، وليس فقط في مصر وقطر، فإن من شأنه أن يحتاج الى حسم استراتيجي تجاه ايران يشبه الحسم الذي اتخذه خالد مشعل عندما قرر الانفصال عن سورية في العام 2012 وبهذا قطع العلاقات مع ايران.
ولكن خلافا لمشعل، هنية مكبل بمواقف "الجهاد الاسلامي"، المرتبط بالحبل السري لايران، وكل ضعضعة في شبكة العلاقات بين المنظمتين يمكن أن تضر بالانجازات السياسية التي يراكمها هنية، وايضا يمكن أن تضر باحتمال وجود تهدئة طويلة المدى. في حل هذه المعضلة سيتبين الفرق بين هنية السياسي وهنية رئيس المنظمة. ويبدو أنه كلما زادت انجازاته واصبح لديه الكثير مما يخسره سيزداد ايضا حزام الأمان ضد مغامرة عسكرية.

عن "هآرتس"